هل تنهي أستانا وما بعدها الوجود الإيراني؟!

14 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017

8 minutes

جبر الشوفي

واضح أنّ النظام السوري، ومن خلفه إيران وأتباعها، يسعى عبر التصعيد في وادي بردى لتقويض الاتفاق الثلاثي، بعد أن وجدت إيران نفسها كأي قوة احتلال خارج مشروع استثمارها العسكري، وظنت أن حلب هي محطته ما قبل الأخيرة، وما عليها بعدئذ إلا أن تبدأ حصادها  السياسي والدبلوماسي، قبل أن تفاجأ بالرسالة الضمنية الروسية- التركية الواضحة، بما قامت عليه من أسس تبادلية عميقة للمنافع والأدوار، وتوزيع المسؤوليات والضمانات التي تخلو من حصة المدافع الذئبي (الإيراني) الأول عن الأسد، بوصفه معبرًا شكليًّا صرفًا لطموحاتها الإمبراطورية، ولو لم تكن الرسالة الثنائية الروسية واضحة، وفي مضمونها أننا نحن لا غيرنا من غيّر شروط اللعبة، ونحن لا غيرنا من يقرر توجهات الحل لسورية المستقبل ومن يوزع الحصص والأدوار، وما على إيران وغيرها سوى انتظار النتائج النهائية، لما وصل الانزعاج الإيراني حده الأقصى، ودخل في مرحلة الشقاق الفعلي مع الروس.

كان لابد من الترتيبات الثنائية الروسية- التركية قبل معركة حلب، وفي سبيل الخروج بالنتائج التي يفترض أنها ستترتب عليها، ومن  بينها عملية انتقال سياسي بطيئة باردة غير مجزية للثورة، ولكنها تبنى على وقف قتل السوريين وتهجيرهم وتدمير منازلهم ووسائل عيشهم  بضمانة الطرفين، ذلك الهدف الذي لا يمكن الوصول إلى طاولة الآستانة وما بعدها، إلا عبر تثبيته ليغدو واقعًا عمليًا، يصعب العبث الإيراني به أو تقويضه، وذلك هدف كبير ونبيل لنا، ومصلحة مباشرة للطرفين التركي والروسي في تحقيقه، فمن أجله جرى تجاوز التصنيفات الروسية السابقة لفصائل متشددة وأخرى معتدلة، والاكتفاء بانضواء أكثر من ستين ألف مقاتل في الهدنة، والعمل على الانتقال منها إلى أستانا، لتنطوي لعبة توزيع الأدوار والتباينات والتسويق البلاغي الأيديولوجي بين هذه الفصائل، وتفاجئ الجميع بتوقيعها على وثيقة تنص على سورية دولة علمانية موحدة، وتدخل قوةً موحدة في الوفاق العسكري، الذي بدأ ثلاثيًا، ثمّ اتجه محكومًا بمخرجاته الواقعية نحو الثنائية الروسية- التركية، مخرجًا إيران وطموحاتها وحساباتها خارجًا، وهي التي أملت أن تكمل معركتها لتحوز على الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة النظام، وتمارس عليها احتلالًا كاملًا،  يعود بالعالم إلى صورة احتلالات القرن التاسع عشر، ويعمل على فرض متغيرات استراتيجية وديمغرافية متكاملة، تؤمن هلالها الشيعي الساعي إلى الالتفاف نحو دول الخليج العربي من البوابة اليمن، وذلك بتقاطع أوهام النظام الأوتقراطي الإيراني بجانبيه المتكاملين والمتعاضدين: العقائدي الشيعي الجهادي والإمبراطوري الفارسي .

المحير للسوريين الذين أخرجوا من معادلة الصراع والحل في بلدهم تمامًا، وباتوا ينتظرون بقلق إلى كرم اللاعبين الدوليين ومدى تقاطع مصالحهم مع بعض مصالحهم الوطنية، أنّ الروسي الذي أذاقهم الموت والدمار واستشرس في حماية النظام القاتل وإعادة توازنه، بعد أن أوشك على السقوط مرة بعد مرة، هو ذاته الذي ينتظرون أن يأتيهم بالحل وفقًا لترتيبات ومصالح باتت معروفة، وهو ذاته الذي يعربد في الساحة السياسية وفي الدبلوماسية، ملوحًا بأوراق الحل السياسي كاملة في يده، هو وشريكه التركي الذي يعِد السوريين بالتوجه نحو الخلاص، وفق عناوين عريضة لم يحن الوقت -بعد- لتفحّصها، ومعاينتها على طاولة الحوار ولا على أرض الواقع، وهو يلقي اليوم المسؤولية على جميع الدول المعنية، أن تتوافق معه وتمنحه إمكانية الحركة بشرط حفظ حصتها وتحفظاتها، وإلا فستعيد الجميع إلى نقطة الصفر المنبئ بالبدائل الأكثر مأسوية، وأقربها إلى الواقع تقسيم بلادنا إلى مناطق نفوذ ثلاثية الأبعاد، وتحديد الولايات التابعة لهذا الطرف أو ذاك.

نعم. لقد احتاجت قوة البطش الروسية المساندة للنظام، إلى صفقة مع الأتراك وصولًا إلى هذه الهدنة بعد إخلاء حلب، واحتاج الأتراك إلى هذه الصفقة؛ كي تتحرك قوات درع الفرات بحرية في سعيها للسيطرة على الباب، وتأمين حدودها الإقليمية، بفرض شريطها الآمن، ومنع قيام فيدرالية كردية pyd تتبع إلى bkk التركية، فتوفرت للروس أن يقبضوا على هذه  الحزمة من الأوراق التي قد تشكل أهم المنعطفات في الساحة السورية؛ حتى يمكن تسميتها ضربة الحرب السورية الأهم، فللمرة الأولى التي يتقدم الجلاد نفسه بالحل الواعد لمجلوديه، وللمرة الأولى توفر الساحة السورية لبوتين إمكانية الرد على الدبلوماسية الأميركية المراوغة التي عطلت كل المطالب الروسية التي أرادت أن تقايضها بدم السوريين، فتبين للجميع أن الأميركي شريك الروسي في عملية المقايضة الدموية، وإن تغيرت السبل والأدوات، ولذا بات على الكارزمية الخاصة برجل   kgbأن تنتصر لذاتها وتحشر الأميركيين في الزاوية الدبلوماسية الوحيدة الممكنة، مستغلًا حاجة الأتراك للرد على تهميش الناتو وإدارة ظهره لمطالبهم في قضيتين أساسيتين: أولها تجميد أو تبريد حلم أردوغان في الاتحاد الأوروبي، وثانيهما قضية المنطقة الآمنة على الشريط الحدودي السوري، وفي واقع الأمر تشكل هذه الاتفاقية، ذات الطبيعة المؤامرتية، لعبة براغماتية اختراقية كبرى، علينا أن نفكّر جيدًا في تداعياتها وإمكانات نجاحها، وما دورنا فيها!.

قد تجد أكثرية السوريين، ولا سيما المواطن العادي مصلحة أمنية، تحقق له إيقاف القتل والأمن وإمكانية العودة إلى منزله وأسرته أو ما تبقى منها، وهذا شيء مهم لا بدّ من أن تدعمه الأطراف الدولية والإقليمية، ولكن مع توافر كل الاحتمالات، لا بدّ للسوريين من أن يحضروا ولادة (عنزتهم) بالالتفاف حول المفاوضين المختارين، وبالتنسيق بين العسكريين والسياسيين، والاتفاق على محددات وأولويات، تضغط باتجاه الحد الأقصى الممكن، ولاسيما في موضوع هيئة الحكم الانتقالية، لأن الواقع يقول : علينا أن ننتهي من الرغاء وزبد الكلام؛ لنذهب إلى عقلانية سياسية مبدئية وواقعية، وهذه لا يحددها إلا قوة حضورنا ومناصرة حلفائنا الإقليميين والدوليين، بعد أن تكشّف آخر ستار عن حقيقة وضعنا العسكري والميداني، ومَن مِن القوى العسكرية والسياسية مع التغيير ومَن مع الحالة الواقفة على قدميها!

وعلينا أن نتمكن -أيضًا- من كسب المعركة الدبلوماسية، على أرضية افتضاح الدور الإيراني المعرقل، وتصاعد الشقاق بينه وبين الأتراك، من جهة، والروس من جهة ثانية، وأن ننتبه جيدًا إلى أنّ هذه البداية مؤشر عميق، لما يمكن أن يكون عليه الدور الإيراني في سورية المستقبل، وعبره يمكن البدء -عمليًا- بدحر مشروعها وإجبارها على لملمة أذنابها المسمومة من جماعة حزب الله وغيره؛ لأنه الممكن الوحيد لقطع الطريق على مراهناتها، هي ونظام تابع، بات لا يستحي من تهنئتها على انتصارات حلب، وباتت هي التي تقرر بقاء حزب الله في سورية أو خروجه، من هنا؛ يفترض أننا نعي أن الحل المطروح للتفاوض مرورًا بأستانا، سينطوي على معركة متوقعة مع الإيرانيين، وعلينا أن نفعل الشقاق وافتضاح الدور الإيراني، وفقدانه للظهر المساند، في سبيل دحر وجوده، هو والمليشيات التابعة له، وإلا فعملية الحل السياسي ستكون معرضة للفشل، وإن حصلت بوجودهم فسيغدو أمر إخراجهم مرهونًا بأوضاع دولية أخرى، لا أحد يدرك متى تتوافر، ولا المدى الزمني لإنهائها.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]