القلمون الشرقي يُقلّم مخالب اتفاق وقف النار مع الروس


جيرون

في الوقت الذي تنظر فيه العيون إلى منطقة وادي بردى، إذ يشن عليها النظام وحزب الله اللبناني حربًا شعواء من أجل السيطرة عليها أو دفع أهلها مرغمين نحو (مصالحة) جديدة، كانت تدور في منطقة القلمون الشرقي، بريف دمشق، مفاوضات بين الروس أنفسهم، والمدنيين في تلك المناطق، وبوساطة الفرقة الثالثة دبابات المتمركزة في المنطقة.

المفاوضات التي تمت بين الروس والمدنيين استثنت الجانب العسكري، وتضمنت تهديدات للمدنيين من أجل دفعهم نحو التوقيع على أوراق تم تعديلها أكثر من مرة، وفق ما قال مصدر مطلع على سير المفاوضات لـ (جيرون). وأضاف المصدر، أن الوفد الروسي شدّد على أن الجانب العسكري، تجري عملية التفاوض عليه في خندق آخر، وأن توقيعه بات قاب قوسين أو أدنى.

حلب ووادي بردى مثال التهديد... ومسودة مرفوضة

في هذا السياق، قال عامر، الناشط المدني في مدينة جيرود، لـ (جيرون): قبل أيام “اجتمع الوفد الروسي مع وجهاء مدن وقرى القلمون الشرقي (الرحيبة، جيرود، الناصرية، العطنة، والمنصورة)، على انفراد، إلا أن الصيغة الأولى التي طرحها الروس قوبلت بالرفض من الأهالي، لما تحتويه على بنود قد تودي بحياة الكثيرين، فضلًا عن أنها لا تمثل تفاهمًا بل تسليمًا صريحًا لتلك المدن وأهلها إلى نظام الأسد.

وأضاف أن الوفد الروسي هدّد المجموعات المدنية المفاوضة، أنه في حال لم يتوصل الطرفان إلى صيغة ما خلال أيام، فإن هذه المدن ستتحول إلى حلب ثانية، ووادي بردى ثان، وأكد أن كل تلك المدن ستصبح والأرض سواء.

وبحسب الورقة الأولى التي رفضها الأهالي، وحصلت عليها (جيرون)، فإن الروس أرادوا من المدنيين التوقيع على الشروط التالية:

أولًا “رفع أعلام الجمهورية العربية السورية في جميع أرجاء بلدات القلمون الشرقي المذكورة، وخاصة على المؤسسات الحكومية”. ثانيًا “ترميم المخافر والنواحي والدوائر الحكومية والمدارس والمستشفيات، وعودتها للعمل وفق الخطة الزمنية المتفق عليها”. ثالثًا “اعتماد المكتب الطبي مع أطقمه وعناصره لصالح مديرية الصحة في ريف دمشق”. رابعًا “تسوية أوضاع المدنيين الأمنية بالتعاون مع الجهات المختصة”. خامسًا “تسوية أوضاع العسكريين (متخلفين عن الجيش-متخلفين عن الاحتياط- الفرار من الجيش بسلاح أو دون سلاح) وفق ما يلي: تأجيل ستة أشهر للطلاب ولطلاب الدراسات، أو الخدمة في الفرقة الثالثة دبابات في منطقة القلمون وفق المهمات المحددة”. سادسًا “حل الكتائب الأمنية وتسوية أوضاعهم: العسكريين بحسب تسوية العسكريين، والمدنيين وفق المطلوب”. سابعًا “الذين لا يرغبون بتسوية أوضاعهم ينتقلون للعمل في الجبل مع سلاحهم الفردي والجماعي، وإغلاق جميع مقار الفصائل المسلحة في المدن والبلدات المذكورة، بالتنسيق والتعاون بين اللجنة والقيادة الأمنية والعسكرية”.

كما شملت الورقة إتمام الاتفاق مع الفصائل المسلحة، بالتنسيق مع المجلس العسكري، من أجل نزولهم من الجبل، حيث يواجهون تنظيم “داعش”، وإمدادهم بالذخيرة.

وبحسب الورقة، فإن الفرقة الثالثة تُنظّم الدفاع عن البلدات المذكورة “من خطر داعش والنصرة” من الجنوب والشرق، بالتنسيق مع الفصائل المسلحة.

وفي حال جرى التوافق على البنود، فسيتم العمل على عودة “المطلوبين الذين هم خارج القطر، بناء على رغبتهم بإجراءات موازية”، وسيتم إعادة المفصولين من المؤسسات لأسباب أمنية، كما سيتم دخول كل المساعدات إلى البلدات المذكورة، وفتح كافة الطرق المؤدية إلى تلك البلدات.

أكد عامر، أن الوفود رفضت التوقيع على الاتفاقية لاحتوائها شروطًا مُجحفة، من بينها ما يخص قضايا الشباب المتخلفين والفارين، فضلًا عن احتواء الاتفاق على بنود لا يحق للمدنيين التوقيع عليها، خاصة تلك التي تخص الفصائل المسلحة. وعلى الرغم من تأكيدات الوفد الروسي مرارًا أن ما يخص الفصائل بات قاب قوسين أو أدنى من التوقيع، إلا أن الوفود رفضت التوقيع.

فترة محددة وتوقيع معلن

أمهل الوفد الروسي المدنيين في المنطقة فترة قصيرة جدًا؛ للوصول إلى صيغة بين الطرفين يتم التوقيع عليها، وإلّا فإن الضربة العسكرية ستعصف بالمدن والقرى المذكورة، وبحسب مصدر مطلع على جلسات التفاوض؛ فإن الطرفين قاموا بالتوقيع يوم أمس على ورقة جديدة بشروط جديدة تستثني الجانب المتعلق بالفصائل المسلحة.

وأكد المصدر أن الاتفاق الجديد ينص على وقف إطلاق نار شامل في تلك المدن، وتعهد الأهالي بعدم خروج رصاصة واحدة تجاه النظام من داخل تلك القرى، كما تعهد الطرفان، بعدم المساس بأمن المدنيين في المنطقة، وبقاء كل المتخلفين والفارين داخل المدن- كما كانت حالهم سابقًا- دون الضغط عليهم من أجل تسوية أوضاعهم.

ووافق النظام على إدخال جميع المساعدات واللوازم التي يعاني المدنيون من نقصها، وإمداد المؤسسات العاملة بالنواقص الإدارية.

وأوضح المصدر أن كل البنود التي تتعلق بموضوع الفصائل المسلحة جرى إلغاؤها من الاتفاق، في الوقت الذي تجري فيه مباحثات بين الروس والفصائل للوصول إلى صيغة تفاهم منفصلة.

عبّر المدنيون عن رضاهم عن الاتفاق، وبحسب الآراء التي استطلعتها (جيرون)، فإن هناك حالة من الرضا في أوساط المدنيين، لأسباب كثيرة منها عودة السلع والمساعدات إلى المدن، وبقاء من فضّل عدم الانخراط في العمل المسلح لصالح أي من الطرفين، آمنًا في الوقت الراهن، دون الحاجة إلى الدخول في تسويات قد تودي بحياتهم جميعًا.

لماذا يوافق الروس على بقاء الفصائل في المنطقة؟

لم تشهد المفاوضات التي تجري في المنطقة، طلبًا من النظام والروس على خروج الفصائل المسلحة بـ “الباصات الخضر” نحو الشمال السوري، ما يُمكن اعتباره سابقة جديدة في سير عمليات التفاوض بين الأطراف في الداخل السوري.

ولعل أبرز الأسباب التي استند إليها الروس والنظام، هو أن هذه الفصائل تخوض حربًا عنيفة مع تنظيم “داعش” في المنطقة، والذي يحاول الوصول إلى جبال البتراء من جانب البادية.

ولأن الفصائل العاملة هي من أبناء المنطقة، فضل الروس الاعتماد على مبدأ “أهل مكة أدرى بشعابها”، ومن هنا طلب النظام والروس بقاء تلك الفصائل في المنطقة الجبلية، بل وعرضوا عليها الإمداد العسكري والدعم اللوجستي.

من الجدير ذكره أن النظام لطالما قام بغارات جوية ضد تنظيم “داعش” في المنطقة، لمنعه من دخول تلك المدن، ولمساعدة الفصائل التي لا تتوانى في بذل كل ما تملك من أجل درء خطر تمدّد التنظيم.

لا يمكن عد هذه “المساعدة” نابعة من حُسن نية النظام، بل خشية من وصول التنظيم إلى جبال البتراء، ما يجعل أكثر الطرق والنقاط العسكرية التابعة للنظام في المنطقة، تحت مرمى التنظيم، الأمر الذي سيجعل بدوره طريق التنظيم إلى النقاط الاستراتيجية للنظام سلسًا وآمنًا.




المصدر