on
جبران عواجي… صناعة البطل أم صورته؟
“مالئ دنيا السعوديين والخليجيين”، هكذا افتتح التقرير المكتوب عن عريف الأمن السعودي جبران عواجي، الذي أردى اثنين من “المتدعوشين”، وحرّك مشاعر الفخر بين السعوديين، وتناقلت الّلغات أخباره في أقاصي الأرض.
لا يُحاول التقرير الالتزام بالقواعد الصحفية المحايدة، غير المتورّطة عاطفيًا في تدوين الحدث وتداعياته، بل انسحب إلى إسقاط ثيمات بطولية عليه. فيما يبدو أنه جوعٌ إلى الملحمة/ الأسطورة، وإلى البطل الملحمي.
في كتابه اللافت “البطل بألف وجه”، يرى جوزيف كامبل أن صناعة البطل تمرّ بعدة مراحل، حيث تبدأ المغامرة بمصادفة، حيث المصادفات، هي نتيجة رغبات مكبوتة وصراعات غير مُعلَن عنها. قبل أن يواجه عقبة أو عقبات، ترسم في النهاية ملحمته في الذهنية العامة.
لا تنطبق هذه النظرية على الملاحم فحسب، بل تنسحب إلى تمثّلات واقعية، الحاجة إلى وجودٍ يحمل نفسًا ميتافيزيقيًا يتخذ شكل المنقذ أو المخلّص، أو ما يمكن أن نسميه “مسيح الحداثة”، تمجيد البطولة –الحقيقية- للعريف السعودي، في مجتمع يخطو نحو العثرة الاقتصادية، بعد عقود من الاستقرار النفطي لهو دليل على أن السعوديين في حاجة إلى بطل.
سوبرمان
في عام 1933 ظهر سوبر مان، بعد الحرب العالمية الأولى حيث عانت الولايات المتّحدة من أزمة اقتصادية طاحنة تسمى تاريخيًا بفترة “الكساد الكبير” منذ بداية عام 1929، استمرت لعقدين كاملين، وتصاعد الإحباط واليأس في الولايات المتحدة وقتها، وزادت حالات الانتحار بين المستثمرين وزادت معدّلات البطالة والفقر، وانتشرت مساكن من الصفيح يقطن فيها الأميركيون، وسميت بمساكن هوفر نسبة إلى الرئيس الأميركي هوفر، وفي وسط هذه الظروف المدمّرة، انتشرت الجريمة ووسط سيطرة شبه تامة لرجال المافيا الأميركية في تلك الحقبة، وانتشار الجريمة وجرائم الخطف والقتل والابتزاز، وفرض رجال المافيا الضرائب الجبرية على أصحاب المحلّات وانتشرت الرشوة والفساد ووسط كل ذلك الركام خرج للوجود سوبرمان.
بألوانه الحمراء والزرقاء “الممثلة للعلم الأميركي”؛ ظهر سوبرمان ليعيد للإمبراطورية قوّتها وتوازنها. لا يمكن إذن فصل الهوس المسيطر بالأبطال الخارجين في الفترة الأخيرة عن هذا السياق، وخاصة أن صعودها الجماهيري الهائل، وبعد المعالجات الجديدة شديدة الجدية، يأتي بعد “هزيمة” حداثوية ثقيلة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ورعب العدو الكامن في تفاصيل الرأسمالية الذي يفككها بأدواتها: الجسد في مقابل الآلة، كما في نسخة “باتمان” لكريستوفر نولان، وثلاثيته المرتكزة بشكل أساسي على “الخوف من الفوضى” في لحظات ضعف الدولة وانفلات قدرتها على السيطرة، حتى في وجود بطل هو في منظور هذه الدولة “خارج عليها” لكنه في حقيقة الأمر على هامشها، هو الخارج عن قوانينها لإرسائها.
بالمنطق نفسه، وبنفس أدوات الخطاب، تتمثّل حكاية البطل السعودي الجديد، هنالك “سوبرمان” بصبغة سعودية، جعلت من المتعلقين بالقصّة يحوّلون الواقعة إلى حدث فارق، كما في الفيديو التخيلي للواقعة، فيما يأتي شريط الصوت المصاحب ليحولها –أخيرًا- إلى سردية شعبية، تحاكي أساطير عنترة بن شداد وأبي زيد الهلالي.
الدعوشة
على أن اللافت أكثر من ثيمة صناعة البطل وخلقه في الذهنية السعودية، هو الإلحاح في صناعة صورته؛ يقول بودريار إن تصوراتنا عن الواقع تُشَكَّل عبر الميديا، هذه الأشكال تقف كبدائل ورموز للواقع، بل تكون هي الواقع؛ حيث لا نعرف الواقع إلا من خلالها. هكذا تحوّل الواقع إلى صورة؛ لكنها صورة ليست أصلية، وليس الواقع الذي تحاول محاكاته أصليًا، والنتيجة غياب الحقيقة. حيث إن الصورة المصنوعة -التي هي مجرّد انعكاس للواقع – يُنظر إليها بوصفها هي الواقع ذاته، وتصبح لها مصداقية تفوق مصداقية الواقع الحقيقي. ولا يدرك الناس الطابع المُحاكي في ثقافة الصورة؛ ويأخذون المحاكاة بوصفها طبيعة؛ وعندما تصبح الصورة بديلاً عن الواقع تكون قد اتخذت الطابع الصنمي أي الطابع الزائف.
في التحليل العام، يبدو أن السلطة في السعودية، تسعى إلى خلق كيان بديل للواقع في تداعياته وآثاره، سواء بالأزمة الاقتصادية، أو بتغوّل “الإرهاب الداعشي” داخل أراضيها، عبر خلق خطاب بديل، أساسه مشهدي.
أخيرًا، لا بد أن تستوقفنا أزمة لغوية، تبدو طريفة للوهلة الأولى، لكنها تحتمل التفكير والتحليل، فما معنى “متدعوش” التي يصرّ الإعلام السعودي على استخدامها بإفراط في حديثه عن إرهابيي أراضيه؟ هل المقصود أنهم غير داعشيين بالفعل، لكنهم منتسبون إليهم؟ هل في ذلك سعي –ولو بشكل لاواع- إلى تبرئة السعودي من التهمة “الداعشية”، ولو على المستوى اللغوي؟
صدى الشام