on
صواريخ نتنياهو وقنبلة الأسد الفراغية
نزار السهلي
أقدمت سلطات الاحتلال الاسرائيلي صباح العاشر من كانون الثاني/ يناير الجاري، على هدم تسعة منازل تابعة لمدينة قلنسوة في منطقة المثلث، داخل ما يسمى الخط الأخضر، وعند فجر ذات اليوم أعدمت عصابات نتنياهو بدم بارد، الشاب محمد الصالحي في منزله بمخيم الفارعة شمال نابلس. يمكن أن يكون الخبر عاديًا في سلسلة الجرائم الصهيونية المستندة إلى ذرائع عدة، لكن اللافت في تصعيد حكومة نتنياهو لعمليات الإعدام الميداني للشبان والفتية الفلسطينيون في الأعوام الأخيرة أنه يرفع من “جرأته” الإجرامية، بما يتلاءم والمحيط الذي يُسهّل عمليات تدمير البيوت وقتل البشر بدم بارد.
انخفاض ردة الفعل الأخلاقية والإنسانية والسياسية من المجتمع الدولي للجريمة الكبرى في سورية تُعطي لنتنياهو “جسارة” المضي قدمًا بحزام الاستيطان والقيام بعمليات الإعدام الميداني للفلسطينيين داخل منازلهم، ويسمح لنتانياهو تنفيذ سلسلة من الغارات العدوانية على الأرض السورية، هي قنبلة الأسد الفراغية ودباباته وطائراته وعصاباته، وحلفه الذي يرى في حرية الشعب السوري عدوًا له.
لم لا، ما الذي يردع مثلًا حكومة الاحتلال من تنفيذ سياسات العدوان المباشر على الأرض السورية؟ فإذا كانت سياسة الأسد التلميذ، تُفصح عن فاشيته، على أجساد السوريين وممتلكاتهم ومدنهم وقراهم وتاريخهم، وتأرنبه على مدار أكثر من أربعة عقود أمام العدو. سياسة الأسد هذه ستسمح لأيدي الاحتلال بتناول قليل أو كثير، من فاشية طالما غلّفها بشعاراته إلى أن جاءه من تتلمذ على فكرته الاستيطانية والقمعية ببراعة قلّ نظيرها في العصر الحديث، وخفّف من وطأة الأخلاق والضمير الإنساني إلى الدرجة صفر، التي تسمح لنتياهو بالاقتراب من هذه الدرجة الصفرية للجريمة، مراقبًا الهرم المرتفع للمذابح.
مدماك الاستيطان والقتل والتهجير والإعدام الميداني والتغيير الديمغرافي وضعته المؤسسة الصهيونية ليس في جغرافيا فلسطين المحتلة فحسب، بل رفع جدارها العالي طغيان الأسد الجاري، ومرر سكينه بجراح عميقة فوق المجتمع السوري، وسهّل له طريقة الاغتيال من النقطة صفر، وهدْم المنازل بطريقة جماعية، وهو ينظر لقصف الأسد لمدن سورية بالنابالم الحارق والقنابل الارتجاجية، مع استجلابه تجارب بوتين لسلاحه الفتاك فوق جثث السوريين والسوريات، فضلًا عن “ابتكاراته” بالحصار والتجويع والموت تعذيبًا.
لعل أول الدروس الناجمة عن قوة قنابل الأسد التدميرية، هي التي تدعم منطلقات الاتجاه الصهيوني، وما قد يتبع ذلك من تأثير على الفكر والممارسة الصهيونية مستقبلًا في ميدان مواجهة سكان البلاد الأصليين، بالاستناد إلى مقولات صهيونية عن عدم “أهمية وجود أصحاب الارض”، بحسب نظرية إسحاق شامير.
أثمرت السياسة التدميرية التي انتهجها الأسد، عن مقتل مئات آلاف السوريين، وجرح الملايين منهم، وأسفرت عن تدمير البنية الاقتصادية والمجتمعية ،على نحو يضمن لنظرية الصهيوني المجال الحيوي للاستمرار بتأمين موارد فاشيته، والتمتع بالمنافع المتبادلة لما تخلفه قنابل الأسد لبلدوزر الاحتلال و نظرياته الاستيطانية، ليصبح الأمر على نحو سقيم وسخيف في آن معًا: مطلوب التمييز بين فاشيتين حتى لا تفقد الشعوب بوصلتها، في حين أنها تشير الى المفهومات الكسيحة التي يتسلح بها طاغية الشام وحلفه، من طهران إلى بغداد، وصولًا إلى ضاحية بيروت الجنوبية، وما بينهم ممن يقتات على تجارة وقحة تقوم على تمجيد بطش القاتل.
تمنح قنابل الأسد الارتجاجية، قوة الحق الفلسطيني والتعاطف معه الدرجة الدنيا من القيمة الأخلاقية والإنسانية، لأنه منح انحدارًا مدويًا لمفهوم “المقاومة ” المتعلق بفلسطين عمومًا وبشعبها على وجه الخصوص، وعندما تتقدم قنابل الأسد الفراغية مع سلاح النابلم والكلور والقذائف العنقودية على سلاح الجرّافة الإسرائيلي، وعندما يقصف العدو الإسرائيلي مطار المزة أو محيط دمشق، أو أي بقعة جغرافية، يُدرك أيضًا أن “العدو المشترك” له ولطاغية الشام هو الشعب السوري، يُدرك الإسرائيلي أيضًا أن مهمة النظام في بنيته الوظيفية، تشكل عامل الاستقرار لمجال العدوان الإسرائيلي، وأن قوة الردع الإسرائيلي تمتلك ذراعًا قوية يتمثل بوجود نظام الأسد.
تبدو المقارنة بين بلدوزر الاحتلال وقنابل الأسد زائفة، ليبقى السؤال يحوم في الفضاء، بعيدًا عن أبسط المعايير الاخلاقية، كم قنبلة وبلدوزر ومعتقل ومنزل وضحية، تجب ملامستها ومشاهدتها وتوثيقها للخلاص من الطغيان، ومن ثمّ الاحتلال.
المصدر