فشلٌ هنا وانحطاط هناك


باسل العودات

ارتكبت المعارضة السورية أخطاء كثيرة، قد تُحصى بصعوبة، وفي الغالب لن تُحصى، ارتبكت في البداية لقلّة خبرتها، وربما لتَفاجُئها، وتعثّرت في قيادة الثورة الشعبية؛ وفشلت، انقسمت بشأن التحوّل للسلاح؛ وتورطت، راهنت على الخارج، القريب والبعيد؛ وخسرت، وطغى الذاتي على العام؛ فسقطت، ومدّت يدها للمعونة؛ ففسدت، وطبّقت أيديولوجيات سياسية ميْتة على حاضر حي، وخططت بسطحية لواقع شديد التعقيد.

شهدت الثورة السورية أفعالًا شنعاء، إذ استغلها يساريون بعُقدهم، وامتطاها متأسلمون بجهلهم، وتاجر بها ليبراليون بانتهازيتهم، وشربكها سياسيون مُخضرمون بقصر نظرهم وترددهم، بل وخوائهم، وحرفتها بعض الكتائب بتشددها، وأفقدها ألقها قادة عسكريون جهلة.

وعليه؛ يحق لجميع السوريين، المعارضين للنظام؛ وأنصاف المعارضين؛ والرماديين، وأولئك الذين يؤيدون النظام ولا يوافقونه على حربه البشعة، يحق لهم جميعًا انتقاد المعارضة، كلها أو جزءًا منها، وأن يختلفوا في وجهات النظر حولها، بل وأن يُقرّعوها أو يشتموها، فلا أحد فوق مطالب الثورة والشعب.

يحق للجميع، معارضين وأنصاف معارضين ورماديين، أن يُطالبوا بإصلاح كيانات المعارضة السورية وتقويمها، وإعادة هيكلتها وبرامجها واستراتيجياتها، وأن يُطالبوا بتغيير شخوصها؛ أو عقولهم؛ أو أخلاقهم، بل ويحق لهم -إن أرادوا- محاكمتهم.

كل هذا حق لا يدانيه شك، بعد ست سنوات عجاف، ذاق فيها السوريون ما لم يذقه شعب، وواجهوا ما تنوء بحمله جبال، وشهدوا دناءات مُطلقة من نظام يعيش عليها، وخسروا أرواحًا وأموالًا وأعمالًا، وضاع حاضرهم ويخشون أن يضيع مستقبلهم أيضًا.

لكن… وهذه الـ (لكن) كبيرة… لأن كل من يقوم بما هو سابق ذكره، ولا يسبقه بتوصيفٍ دقيقٍ لخساسة وسفاهة وفُحش ونذالة النظام السوري، يصبح أفّاقًا، مُغرِضًا، مُموِّهًا، منفصلًا عن الواقع، مشكوكًا بانتمائه وغاياته.

لابد من الانتباه، دائمًا، لأمرين:

الأول، أن النظام السوري مارس منذ أن استلم السلطة قبل ما يقرب من خمسين عامًا، أسوأ أنواع القمع، فاعتقل المعارضين، وطيّف الدولة، وأثار غرائز مذهبية، وشارك أسوأ المافيات، المالية والجنائية والسياسية والدينية، وأفقر المجتمع، ودمّر التعليم العام، واحتكر القطاع الصحي، وحطّ من قيمة الثقافة، وباع واشترى بالذمم، وتاجر بالدين، وهيمن على مؤسسات المجتمع الأهلي، ومنع العمل السياسي الحر، وسجن كل معارض أو شبه معارض، على النيّات أحيانًا، وأضعف الحس الوطني، وخلق بيئة سياسية فقيرة.

الثاني، أن النظام السوري مارس منذ الأيام الأولى للانتفاضة، العنف المطلق، وتصاعدت ممارساته لتقترب من الانحطاط المطلق، فقتل المدنيين دون تمييز، واستعمل أسلحة ثقيلة ليقصف الشعب، واعتقل الناشطين ووأدهم، وعذّب بوحشية عشرات الآلاف وأخفاهم، واستخدم براميلَ متفجرة وأسلحة كيماوية، وحرّض طائفيًا، وأسّس عصابات وميليشيات ومرتزقة مذهبية، وباع الوطن لإيران، وسلم مفاتيحه للروس، وأعاده إلى زمن الاستعمار المباشر.

كل أخطاء المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، اليسارية واليمينية، الدينية والعلمانية، وكل أخطاء التكتلات السياسية، والأحزاب والقوى والتجمعات المناوئة للنظام، وكل أخطاء الفصائل العسكرية، على اختلاف تسمياتها وأيديولوجياتها وتوجهاتها وأعلامها، لا تبلغ مقدار ذرّة مما بلغه النظام من فواحش، ونوعية هذه الأخطاء لا تُقارن بما ارتكبه من كبائر، وعثراتها ريشة أمام أطنان جرائمه.

في مأساة كتلك التي يعيشها السوريون، هناك مجرم كبير، صاحب إثم لا يُغتفر، ليس له إلا الفناء، وهناك خطأة، يتوبون أو يتمادون، ويُعاقبون، ومشكوك بأمر من يشتم فَشَلَ هذا وينسى انحطاط ذاك.




المصدر