on
لقاء أستانا والمحاذير
عقاب يحيى
هل نجح الروس في شقلبة أوضاع المحسوبين على المعارضة؛ فغرسوا سكاكين الفرقة فيهم؟؟
أهي استراتيجية روسية مشتقّة من تجربة وسيناريوهات غروزني لتجويف قوى المعارضة ونحرها؟
وأين حدود الموقف التركي ومستوى تناغمه مع الثورة السورية؟
المعلومات الرسمية المتوفرة عن محتوى لقاء أستانا المقبل قليلة، وموقعه من الحل السياسي ومن المرجعية الأممية والقرارات ذات الشأن بالوضع الروسي، وإن كانت ترشح، وتنتشر أخبار كثيرة وتوقعات، ويشتدّ الغموض المُربِك حين التطرق إلى المدعوين المحسوبين على طرف المعارضة، من يكونون، ومن يمثلون؟
يقول كثير من المتابعين أن روسيا نجحت في فرض نهجها بشقّ صفوف المعارضة، خاصة بتركيزها على الفصائل العسكرية واعتمادهم طرفًا رئيسًا في اتفاق وقف إطلاق، ثم في تحويلهم إلى “مُفاوض سياسي – معارض”، بكل ما يعنيه ذلك من إحداث شروخ في جسد المعارضة، خاصة مؤسساتها المعتمدة، الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والهيئة العليا للمفاوضات، وذلك بغض النظر عن احتمال أن تلجأ تلك، أو بعض الفصائل إلى الهيئة العليا، أو الائتلاف، والفرق كبير بين أن تكون الهيئة العليا للمفاوضات هي الجهة المخوّلة، والمعتمدة بالمفاوضات السياسية، ومعها الائتلاف، وبين أن تكون ضيفة، أو ملحقة بالوفد الرئيس : الفصائل المسلحة، أو جزءًا من حضور واسع لأطياف متعددة.
هنا يجب القول الصراح أن تحويل مهمات الفصائل العسكرية إلى طرف سياسي أمر يحمل كثيرًا من الدلالات الخطرة بالنظر إلى أن تلك الفصائل يفترض أن لا علاقة لها بالشأن السياسي التفاوضي، وليست صاحبة خبرة، وأهل اختصاص في مسار التفاوض، والقرارات الأممية، وعراقيل مفاوضات جنيف 1، وجنيف 2، وملابسات تفسير القرارات الأممية، وبما يعني أن النيات معقودة لخلخلة مؤسسات المعارضة وتغليب العسكري على السياسي.
بعض الفصائل فرح برفع سيف تهمة الإرهاب عنه من روسيا، وعدّه انتصارًا يستحق غضّ النظر عمّا يحمله ذلك من إبهام قد يكون محشوًا بالألغام والفخاخ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن “اتفاق” وقف إطلاق النار يشير إلى كثير من الثغرات والأخطاء التي مرّت بالمشاركين فيه من طرف الفصائل التي شاركت، ويطرح السؤال: هل كانت واعية ومنتبهة لما احتواه من بنود ملتبسة؟، أم أنها كانت مجبرة على التوقيع؟
من جهة أخرى، وكما تشير بعض المعلومات المتناثرة، فإن النيّة تتجه لدعوة عدد من الأسماء بصفة شخصية وليس بما يمثلون، وهذا يعني بصورة واضحة إضعاف، أو تجاوز، الهيئات الممثلة للمعارضة، خاصة الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف، فحين تجري دعوة هؤلاء بصفتهم الشخصية وليس التمثيلية يعني ذلك أن روسيا لا تعترف بالجهات التي يمثلونها، كما أن توسيع دائرة المدعوين إلى عدد من ” المنصات” المحسوبة -في أغلبها- على موسكو يشير إلى توسيع دائرة الوفود والتمثيل، وإقحام أسماء معروفة بسقفها المنخفض إزاء النظام ورأسه، ويعني ذلك، عدا الخلخلة، إمكانية التنازع بين المحسوبين على المعارضة، وصولًا لتمرير سيناريوهات سياسية أقل سقفًا بكثير مما نصّ عليه بيان جنيف 1، وما تلا من قرارات دولية.
لقاء أستانا، إضافة إلى ذلك، يحاول التغريد خارج سرب المجتمع الدولي بخطّ طريق آخر مواز، وإن كان اتبع المبادرة بذكر مرجعية الأمم المتحدة، والقرار 2254، ثم اتخاذ القرار 2336 الذي نصّ على “أخذ العلم” بما يعكس عدم رضا الدول الأوروبية والولايات المتحدة، والأمم المتحدة ومبعوثها ديمستورا ومحاولاتهم إضعاف اللقاء، أو إفشاله، وخاصة أنه يعقد في الأيام الأولى لاستلام الرئيس الجديد مهماته، وقبل أن يتاح له، وفريقه، التعاطي الفعلي مع الملف السوري.
بغض النظر عن موقع هذه “المبادرة” من الحل السياسي الشامل، ونصيبها من النجاح، أو الفشل.. فإن الواضح أنها تنطلق من الإقرار ببقاء النظام ورأسه بشكل ملتبس لم يجر التطرق له ولا بشكل من الأشكال، وهناك تصريحات متناقضة وغامضة عن مصير الأسد ونظامه، وهل سيستمر حتى المرحلة الانتقالية، مثلًا؟، أم لمدة أطول تمتدّ حتى ما يعرف بالانتخابات الرئاسية؟
لعل الأخطر، أيضًا، أن تحاول روسيا تصوير فعل الثورة ومبررها مجرد صراع، أو خلاف بين متصارعين، بل ما هو أكثر، أي اعتبار النظام هو الجهة الرسمية، الشرعية وأن “الآخرين” عصاة أو متمردون!!!، وأنها تقوم بفعل “تاريخي” بتوبة هؤلاء العصاة وإعادتهم إلى “حضن النظام، أو حضن الوطن”، وربما تقديم بعض “المكافآت” لهم بإشراكهم في ما يعرف بـ “حكومة وحدة وطنية”، أو توزير بعضهم، وطيّ صفحة الثورة وتضحيات الشعب، والمطالبة بتغيير النظام وإقامة البديل التعددي الديمقراطي.
تبقى الأسئلة مطروحة على الحكومة التركية التي تقف إلى جانب الثورة، وما زالت تصريحات عدد من مسؤوليها تعيد تكرار الخطاب السابق، وإن ببعض التعديلات، حول رحيل الأسد وإسقاط النظام.
هل توافق تركيا على استبدال المؤسسات السياسية بالفصائل العسكرية؟
هل تقبل بتوسيع دائرة التمثيل من خارج الهيئة العليا والائتلاف، وعلى حساب موقعهما في المفاوضات، بإشراك أطراف “مرنة” وتصالحية؟
بل هل تقف تركيا مع تشكيل حكومة تصالحية مع النظام؟، وعدّ محاربة الإرهاب هو الشغل الشاغل والمهمة المحورية؟، بل وإشراك النظام في تلك المعمعة؟
ولئن كانت مشاركة “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي خطاَ أحمر لدى الحكومة التركية، بما يعدّ مساسًا بأمنها، فهل تملك الحكومة التركية قوة الضغط على الجانب الروسي في ما يخصّ طبيعة اللقاء، وتشكيله، ومضمونه، ونتائجه؟
مُحرّكات الموقف التركي معروفة، لكن السقف الذي يمكن ألا تتنازل عنه ما يزال عرضة للغموض، بانتظار الإفصاح من الجهات التركية الرسمية.
المصدر