التلفزيون والعمل الانساني … «على المحك»
15 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017
يختار بعض الناس المخاطرة بحياتهم وحتى التضحية بها في سبيل حماية الآخرين من دون ادعاء. يموتون بصمت ومن دون أن يلتفت إليهم أحد. هؤلاء، قرر برنامج «حياة على المحك» تقديمهم إلى العالم لقوة مثالهم ونبل أفكارهم وشجاعتهم في مواجهة صنوف الشر.
في مدينة فيراكروز المكسيكية تقود امرأة، اختفت ابنتها الشابة في ظروف غامضة وانقطعت أخبارها، حملة تطالب السلطات بالعمل على إعادتها أو على الأقل كشف مصيرها. في الشوارع والحارات لا تكف الأم آراسيلي عن رفع لافتات تحمل أسماء المختفين وترسم على الجدران صورة ابنتها، مع علمها بخطورة ما تقدم عليه لتورط سياسيين فاسدين ورجال شرطة في عمليات الخطف، وقد وصلتها تهديدات مباشرة منهم بعد انتشار فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيه وهي تقف في طريق أحد أعضاء البرلمان وتتهمه بالتواطؤ مع عصابات المخدرات. وقد كررت ذلك أمام معدي البرنامج السويدي. «تصور أن ابنتك أو أحد أقربائك يختفي فيما الشرطة تقف متفرجة، بل بالعكس تشعر أنهم غير متعاطفين معك. يكرهونك ويراقبون تحركاتك بدل مراقبة المافيات».
علاقة مافيا المخدرات بعمليات الخطف والقتل معروفة لسكان المنطقة لدرجة أنه أثناء التصوير وصلها تهديد منهم فاضطر فريق العمل إلى الانتقال معها إلى مكان بعيد وتحت حماية وحدة أمنية خاصة.
احتمال قتلها فرض سؤال عن جدوى ما تفعله؟ جوابها عليه كان واضحاً: «إذا سَكت فستتمادى المافيات في قتل أولادنا واختطاف بناتنا. بإصراري على التظاهر والاحتجاج أحفز الآخرين الساكتين وأشجعهم للخروج في وجه العصابات وأجبر بعنادي أيضاً رجال الشرطة والسياسيين على أداء واجبهم». لا تخشى الأم الشجاعة على حياتها، فأكثر ما يهمها هو حماية أرواح شباب صغار ولا تستبعد تورط قسم قليل منهم في أعمال غير قانونية، لكنها ترفض بقوة أن يعاقبوا على أيدي الخارجين عن القانون. «لا ينبغي لغير العدالة أن تحاسبهم، وفي مدينة تسيطر عليها المافيات، فإن احتمال تواجد المراهقين والشباب في المكان الخطأ والزمان الخطأ أمر أكثر من وارد».
في كمبوديا يخوض الناشط البيئي بري لانغ صراعاً خطيراً ضد لصوص الغابات المطرية وبسبب نشاطه مع مجموعة صغيرة التفت حوله تعرض أفرادها لأعمال انتقامية أدت إلى مقتل عدد منهم. يقدم الوثائقي معلومة تفيد بمقتل أكثر من مئتي ناشط بيئي كل عام، ومع هذا لا يكف لانغ وأصحابه عن مطاردة اللصوص قاطعي الأخشاب ليل نهار، وعن دق مسامير كبيرة في سيقان بعض الأشجار كوسيلة لإعاقة مناشيرهم من قطع نسلها. «تتعرض أسنان المناشير الكبيرة عند اصطدامها بالمسامير للكسر وتحدث صوتاً قوياً يجبر اللصوص على الهرب».
يعلم المتطوعون جيداً تورط شركات أخشاب كمبودية كبيرة وموظفي دولة في تجارتها غير الشرعية، ولهذا يلجأون إلى التنقل هم وعائلاتهم من مكان إلى آخر، ويحيطون عملهم بالسرية. تكشف إحدى المتطوعات بعض آثار جروح خطيرة أحدثها «ساطور» لص هاجمها على ساقها. «أثناء الليل دخل عليّ في الغرفة رجل ملثم وطعنني بساطور وقال لي بوضوح: سنقتل كل من يحاول منعنا من قطع الأشجار». أثناء تواجد معد البرنامج داخل إحدى الغابات جرت مراسيم توديع رمزي لناشط من بينهم قتل أثناء مطاردته اللصوص وخلالها همس بري لانغ في أذن المراسل السويدي: «اليوم تلقت عائلتي تهديداً بالقتل وأن مصيري سيكون مثل مصير صديقي تشوت ووتي ولهذا قررت الاختفاء موقتاً عن الأنظار… لكني حتماً سأعود سريعاً إلى الغابة المهددة بالموت مثلي».
في كابول تخوض ليلى حيدري صراعاً يومياً غير مباشر ضد عصابات وتجار المخدرات، من خلال محاولتها انتشال المدمنين على تناولها واستعادة حياتهم السوية. تكرس الممرضة المتطوعة جل وقتها لزيارة المناطق القريبة من النهر والتي اتخذها المدمنون مكاناً ثابتاً لهم في العاصمة الأفغانية. تزورهم بانتظام وتقدم النصح والإرشاد الصحي لهم، كما تفتح بيتها للذين يبدون استعداداً لترك المخدرات.
الممرضة التي مرّت بالتجربة أثناء فترة مراهقتها، قررت بعدما نجت من الإدمان، العمل على مساعدة المبتلين به. «تخليص مدمن مخدرات من إدمانه إنقاذ له ولعائلته ومنعاً لسقوط أفرادها في شر الأعمال». تدرك حيدري عدم رضى تجار المخدرات على عملها ومع هذا تصر على الاستمرار به، على رغم كثرة الضغوطات عليها. فالخطر لا يأتي من تجار المخدرات فحسب، بل أحياناً من المدمنين أنفسهم. «أثناء تواجدي بينهم يحدث أن يُقدم أحدهم على تهديدي بالقتل إذا لم أوفر له لحظتها ما يحتاج جسده من جرعات». كما تزيد ردود فعلهم غير المتوقعة خوفها منهم، وقد لمس المصور الفوتوغرافي السويدي نيكلاس بيريلوند هذا بنفسه أثناء وجوده في المكان ذاته. ثار المدمنون لمجرد رؤيته بصحبة الممرضة ورموا الحجارة عليهما ولم تنفع توضيحاتها لهم بأنه في مهمة صحافية خاصة لا علاقة لها بها. تعترف حيدري بصعوبة مهمتها التطوعية، لكنها تصر على المضي بها على رغم كل خطورتها، حالها حال أمثالها من متطوعين كرسوا حياتهم لمجابهة الشرور بشجاعة نادرة.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]