لم يمسّوا صبحي الطفيلي حتى الآن


أسامة الملوحي

صبحي الطفيلي، الرجل الذي كان -وما يزال- أكثر الأصوات فضحًا لدور إيران في المنطقة منذ أربعة عشر عامًا، بعد توافق إيران وأميركا في العراق، وأفصحها وأقواها نقدًا لإيران وحزب الله منذ أكثر من خمس سنوات ونصف السنة بعد تدخلهما في سورية. يبقى فوق الشبهات، ولا يُهادن المؤسسة الإيرانية، ومع هذا؛ لم تُرتّب إيران أو حزب الله للتخلص منه، على الرغم من قيامهما بتصفية عديدين أقل وضوحًا وجرأة منه.

المؤسسة الصفوية الإيرانية تقود إيران في أوسع وأشد توسع وانتشار فارسي منذ زوال الإمبراطورية الفارسية الأولى. والأشد فتكًا وخطورة على هذه المؤسسة الحاكمة في إيران هو الذي يأتيها من مأمنها الطائفي، ووسيلتها الأسطورية التاريخية التي تشحن بها، وتبرر من خلالها، ثم تتسلل وتجتاح، إنه الذي يأتيها من القواعد فيفند دعاواها ويشكك في أساطيرها ويكشف تحالفاتها العميقة وشعاراتها الزائفة.

المؤسسة الصفوية الإيرانية أقوى مؤسسة نشأت في إيران، وكثيرون تفاجئهم الحقيقة القائلة: إن المؤسسة الصفوية كانت متحالفة بقوة مع شاه إيران، محمد رضا بهلوي، وانقلبت عليه لمّا تكاثرت القوى المناهضة له.

وفي عهد الشاه، وبضغط شديد من المؤسسة الصفوية، جرت تصفية أول أخطر رجل على المؤسسة الصفوية، إنه الدكتور علي شريعتي الذي حذّر بشدة من التشيع الصفوي، ووصفه بأنه يمثل تعصب “شوفينية” الفكر القومي الفارسي، وقد فضح بالعبارة الجريئة وسائل المرجعية الصفوية في استغلال الناس من خلال استغفالهم، وتغليب الطقوس المثيرة للأحقاد على طبيعة الإسلام السمحة، ووصف شريعتي المرجعية الصفوية بأنها العلق الذي يمتص الدم الشيعي؛ طمعًا في المال الذي فرض بالخمس وغيره، وكان يدعو إلى إنقاذ التشيع مما علق به من طقوس صفوية ومجوسية وخرافات وبدع…

لم يُذعن علي شريعتي لكل محاولات إسكاته أو استيعابه؛ فتمت تصفيته في لندن عام 1977.

ومحمد باقر الحكيم، أراد -فحسب- في العراق مرجعية أخرى عراقية، مُتحالفة مع مرجعية إيران، فرُفض طلبه من المؤسسة الصفوية بتفجير مروّع في الكوفة عام 2003، جزم المقربون من الحكيم أنه من المستحيل على أحد غير المخابرات الإيرانية الوصول إلى منطقة الانفجار، فضلًا عن وضع ما يقارب الطنّ من المتفجرات فيها، قرب سيارة الحكيم.

ومحمد حسين فضل الله، وعبر محاضرات حاشدة ومُسجّلة في لبنان، بدأ يُفنّد الأساطير التاريخية التي تفترض العداء بين الرموز الإسلامية التاريخية، “بين الصحابة وآل البيت”، ونجح في دحض كثير منها، وأثَّر في كثيرين من الشيعة العرب وغير العرب.

لا نستطيع الجزم بأن محمد حسين فضل الله كان عامدًا متعمدًا في استهداف السياسة الصفوية الإيرانية… ولكننا نستطيع الجزم بأن محمد حسين فضل الله قد دخل إلى مستشفى بهمن الإيراني في الضاحية الجنوبية لبيروت؛ لإجراء فحوص روتينية وتوفي بعدها بأيام.

وفي العراق؛ هناك جواد الخالصي وأتباع أبيه، المرجع محمد مهدي الخالصي، الذي رفض ولاية الفقيه، فجرت ملاحقته ومحاولة قتله وملاحقة أنصاره، بل جرى هدم منزله وتهجيره.

وهناك تصفيات ومحاولات استهدفت كثيرين لم ينساقوا -ويسوِّقوا- مباشرة وراء الولي الفقيه رأس المؤسسة الصفوية في إيران.

وفي هذه الأيام التي بلغ فيها التوسع الإيراني أشده، وبلغ نشاط المؤسسة الصفوية الإيرانية أوجه، لا نجد صوتًا مؤثرا من بين الشيعة يعارض المؤسسة الصفوية الإيرانية سوى صوت صبحي الطفيلي.

الشيخ صبحي الطفيلي هو أول أمين عام لحزب الله اللبناني.

ويعدّ الوحيد من الشيعة برتبته الذي انتقد الازدواجية الإيرانية في التعامل مع أميركا في المنطقة؛ فليس من المقبول “أن أتحالف مع الأميركيين في العراق، وأتحارب معهم في لبنان بقيادة واحدة؛ فهذا أمر لا يقبله عاقل”.

هو الذي قال: الشيعة بأمر من إيران تحالفوا مع أميركا في أفغانستان، وتحالفوا معها في العراق مرتين: مرة عام 1991، ومرة عام 2003.

انتقد الطفيلي تدخل حزب الله في “الحرب الأهلية السورية” في وقت مبكر، مُحذّرًا من أن زج إيران للحزب في المعركة بسورية سيفتح الباب أمام حرب بين السنة والشيعة، ومن شأنه أن يقضي على المقاومة ضد إسرائيل.

وفي 2013 قال بوضوح: “من يُقتل من حزب الله في سورية ليس بشهيد، وهو إلى جهنم، وحزب الله يورّط شيعة سورية في مأساة، ويتحمل مع إيران المسؤولية عن كل قتيل شيعي في سورية”، وأشار إلى أن “دخول حزب الله إلى سورية يخدم العدو الإسرائيلي”.

وفي 2016 شدد الطفيلي من حملته ضد التدخل الإيراني في سورية.

وقال في شباط/ فبراير: “على السعودية تسليح المعارضة السورية، بدلًا من تسليح الجيش اللبناني الذي يسيطر عليه حزب الله.

وقال في آذار/ مارس 2016: “في البداية تحدّث حسن نصر الله عن مساعدة بعض القرى لحماية أنفسهم، وكان الحزب -في ذلك الوقت- قد بدأ قتاله هناك، ثم قال لن تسبى زينب مرّتين، وهذه من مهازل الشعارات، أن يستحضر الذاكرة والعاطفة، وتساءل لماذا تستعمل زينب وكربلاء في موضوع ليس له علاقة، ألأنك لا تجرؤ على كشف الحقيقة؟ وأضاف: خيارات حزب الله تشوّه راهن الشيعة في لبنان، وأيضا مستقبلهم، وعدّ من يقاتل في سورية عميلًا للروس يموت في معركة ليس له علاقة بها، ودمه يُصرف على طاولة الروس والأميركيين… وأنهى الطفيلي كلامه بالقول: “سيلعن الشيعة يومًا ما هذا الزمن ورجاله، ويضعونه في خانة الخزي في تاريخ الشيعة”.

وفي نيسان/ أبريل 2016، قال: “أفراد حزب الله أصبحوا خلال الأزمة السورية جنودًا عند الطلب وحسب؛ لخدمة المشروعات الروسية في سورية…. واتهم الحزب بأنه “داعش الشيعة”.

وفي حزيران/ يونيو 2016، قال الطفيلي: “على نصر الله وخامنئي التنحي؛ لأنهما مسؤولان عن الدماء التي تراق في سورية”.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2016، صاح الطفيلي في خطبة له: “ما يحدث في حلب جريمة كبرى ويخدم اليهود… ماذا تفعلون في سورية؟ انسحبوا. أي عار ترتكبون! وألمح إلى أن النظامين: الإيراني والسوري، وغيرهما، هما من مدرسة عبد الله بن أبي بن سلول، رأس المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم”.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2016، وردًا على سؤال بشأن قول منتقدين إن إيران تستخدم حزب الله اللبناني شُرَطيًا لها في المنطقة، قال الأمين العام السابق للحزب: “لا يمكننا الحديث عن حزب الله ككيان، لأنه مسلوب الإرادة بالمطلق، وتتحكم إيران في تحركاته، ويوجد داخل الحزب نفسه غالبية تدرك أن الحرب السورية التي زُجُّوا فيها ملوثة الأهداف والادّعاءات، وهم على ذلك لا يستطيعون إلا السير في المخططات الإيرانية، ومن أجل حماية السياسة الفاشية داخل إيران”.

وفي الجانب الفكري الطائفي الممنهج، أشعل صبحي الطفيلي نار الخطر الأشد على حياته، عندما فنّد الأساطير بالتفصيل، فقال في مقابلة لمجلة “غارجيك حياة التركية” (الحياة الحقيقية): “إن إيران تسعى للاستفادة من الحملة الغربية على المسلمين، ظنًا منها أنها تكسب بهذا نفوذًا خارج حدودها، وشدّد النقد لها، وعدّ أنّها بذلك تدخل تحت خانة أعداء الدين من اليهود والصليبيّين”.

وقال في أساطير إثارة الأحقاد: “الجميع يعلم أنّ الصحابة وأهل البيت رضوان الله عليهم كانوا يدًا واحدة، ولم يفترقوا، على الرغم من تعدد وجهات نظرهم في بعض الأمور، لكن لخداع الناس عن دينهم، وتحريضهم على قتل بعضهم، تكونت المذاهب التكفيرية في إيران، الّتي تستحلّ دماء وأموال المسلمين ظلمًا، وبُنيت حولها روايات وقصص من صناعة الوضّاعين، وحمتها ودعمتها بالمال والرجال الدويلات المذهبية، ومكّنتها من عقول الناس ونفوسهم، وإيران لعبت دورًا في نشر الحريق المذهبي في المنطقة، وهناك طروحات مذهبية سخيفة وفدت من طهران وتلك الطروحات يخجل منها العلماء، ولا سيما المتعلقة بنشاط في أيام شهر محرم وغيره، وأفكار متعلّقة بأهل البيت، وبناء مقامات لأضرحة وهمية لا وجود لها، وطرح مفهوم لولاية أهل البيت والحاكم باسمهم، كلها أشياء لا يمكن أن يقبل بها أحد”.

وفي قراءته لمستقبل سورية، قال: “أعتقد أنّ الغرب يسعى لتدمير سورية تمامًا، وتمزيقها، كما يفعل بالعراق، لكن أتوقع أن تشهد سورية مقاومة عنيفة وطويلة، نسأل الله أن تتكلّل بالنصر للإسلام ووحدة المسلمين”.

ذاك هو صبحي الطفيلي خلال سنوات الثورة السورية، وهذا هو خلال آخر سنة، لم يترك شهرًا واحدًا دون أن يكون له كلام قوي وخطر ضد إيران وحزب الله، بخصوص التدخل في سورية.

صبحي الطفيلي لا يسكت ويكثّف نشاطه وخطابه في الأشهر الأخيرة الماضية.

صبحي الطفيلي ينتزع شرعية التدخل في سورية، ويفند الربط بين المقاومة وبين التدخل في سورية.

صبحي الطفيلي يفكك أساطير التدخل التاريخية والطائفية، ويُبطل دعاوى حماية المراقد المقدسة.

خطاب صبحي الطفيلي عبث بالوهم الزائف القاتل الذي صنعته إيران، وتديمه بجهد ضخم مبرمج لا يتوقف… إنه وهم المصير السعيد الهانئ إذا قُتل من يقاتل في سورية من الشيعة… خطاب لو تكرر ووصل باستمرار إلى أفراد حزب الله بدعاية منظمة؛ لجعلهم يترددون في تزايد مستمر قبل أن يتوجهوا إلى سورية.

إعلام ثوري مؤثر مفقود، ودعاية منظمة موجهة لو تكونت وفُعّلت واستخدمت خطابات الطفيلي، وأوصلتها إلى أفراد الحزب ووسائل تواصلهم وغرفهم ومواقعهم وصفحاتهم وكررتها وفندت بها دعاوى حسن نصر الله، لتغير الحماس الذي يندفعون به إلى سورية.

ولو أن الدعاية الثورية استخدمت الكاريزما الجذابة للطفيلي في مواجهة الكاريزما الصاخبة لحسن نصر الله التي ما زالت تلبس ثوب المقاومة، وترفع الشعارات النارية المؤثرة؛ لاهتزت صورته إلى درجة مؤثرة.

صبحي الطفيلي يحمل رمزية كاملة مضادة لرمزية أتباع الولي الفقيه، رمزية احتاجت منذ سنين إلى من يستثمرها ويستخدمها، ويتواصل معها في خضم المواجهة الهائلة أمام الاجتياح الصفوي الإيراني.

صبحي الطفيلي سبيل من سبل كثيرة، أضاعها المتحدثون باسم قوى الثورة والمعارضة السورية، فلم يتصلوا به، ولم يتصلوا بخطابه.. وأقصى ما اكتشفناه -بالصدفة- بيان باهت قديم على صفحة الائتلاف عام 2013 يمتدح موقف الطفيلي، ولم يلتفت إليه أحد، وبيان باهت أخر منذ أسابيع على صفحة الائتلاف، تبينَ على الفور أن معظم أعضاء الائتلاف لم يقرأه، وبعضهم لم يسمع به.

يبدو أن المؤسسة الصفوية الإيرانية لم تقرر تصفية صبحي الطفيلي؛ لأن خطابه -على الرغم من خطورته وقوته- ظل معزولًا بلا استثمار وبلا توجيه و بلا اتصال وبلا تنسيق.

إيران تحرص بشدة على عزل صبحي الطفيلي وخطابه، والمعارضة السورية تحرص على حياة صبحي الطفيلي كل الحرص.




المصدر