ترامب يسبق تنصيبه بتوزيع الاتهامات الحادة

17 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017
7 minutes

حافظ قرقوط

عدّ الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، أن تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سورية “أمر سيء جدًا” وأضاف أن ذلك أدى إلى “وضع إنساني فظيع”.

ووصف ترامب، في مقابلة مشتركة مع صحيفتي “التايمز” البريطانية، و”بيلد” الألمانية، (الأحد) ما فعلته قوات النظام السوري خلال عمليات إجلاء المدنيين من أحياء حلب الشرقية، بأنها كانت “تطلق النار على المدنيين كأنها تمارس هواية الرماية”.

وقال ترامب أيضًا: كان لدى الولايات المتحدة القدرة على أن تفعل شيئًا في سورية، “لكن الآن أصبح الوقت متأخرًا جدًا”.

انتقد ترامب في المقابلة سياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بفتح الحدود والسماح لمليون لاجئ بالتدفق إلى ألمانيا، قائلًا بأنها ارتكبت “خطأ كارثيًا جدًا، وهو استقبال كل هؤلاء اللاجئين غير الشرعيين”، ووصف الاتحاد الأوروبي بأنه أصبح “عربة لألمانيا”، متوقعًا مزيدًا من الانسحاب منه على غرار بريطانيا.

الملفت ليس ما قاله ترامب عن سياسة إدارة أوباما تجاه حلب وسورية، ولا عن تدخل بوتين السيئ، بل اعتراضه على ما فعلته ميركل للاجئين، ومن يتابع الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في المنطقة العربية، وبعض الإعلام الروسي والأوروبي، يجد كيف كان يجري التركيز على سياسات ميركل تجاه اللاجئين على أنه خطأ، وأخذ هذا الموضوع عنوانًا رئيسًا للأخبار الخاصة بمقابلة ترامب.

جاء استعراض بعض وسائل الإعلام لخبر انتقاده سياسة ميركل نحو اللاجئين لا للنقل فحسب، بل لتبرئة الذمة، والقول إن تلك البلاد التي أغلقت حدودها، أو ضيّقت الخناق على اللاجئين الفارين من كوارث بلادهم -والغمز هنا من السوريين- هو القرار الصحيح، فهل كان على الدول أن تتركهم -كما هم الآن- على حدود صربيا على سبيل المثال، في أماكن لا تصلح للعيش، أم كان يجب تركهم في حدود الجحيم، وإيصال بعض المساعدات واستعراضها إعلاميًا.

احتفاء بعض تلك الوسائل الإعلامية بذلك، هو رسالة لميركل على سياسة “الباب المفتوح” التي اتخذتها تجاه اللاجئين.

وعن عاطفة الأمومة، التي طغت على السياسة، في لحظة ألمٍ كبرى انهزم فيها عديد من القيم الإنسانية أمام عنجهية بعض السياسيين، فكانت ميركل نقطة مضيئة بذلك، يفهمها السوريون جيدًا.

تطرق ترامب في مقابلته المشتركة، إلى حلف شمال الأطلسي، وقال: إنه منظمة “عفا عليها الزمن”، وأشار إلى أن هنالك عدة دول لا تدفع التزاماتها المالية للحلف، وهي تتكل على الولايات المتحدة الأميركية، وهذا “غير عادل بالنسبة لأميركا”، وتابع أيضًا: “هناك 5 بلدان تدفع ما يجب عليها”، والحلف “لم يهتم بمحاربة الإرهاب”.

طرح ترامب في مقابلته أيضًا موضوع اتفاقات بشأن الأسلحة النووية مع روسيا مقابل رفع العقوبات عنها، وذلك بشروط تفضي “إلى تقليص الأسلحة النووية تقليصًا ملحوظًا”.

إضافة إلى ذلك، انتقد جون برينان، مدير المخابرات المركزية الأميركية في عهد باراك أوباما، ترامب، ونصحه بالتخفيف من اندفاعه، وقال في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” الأميركية: يجب على ترامب أن يكون منضبطًا في أقواله، فهو “سيصبح الشخص الأكثر نفوذًا في العالم، على رأس حكومة الولايات المتحدة، وعليه الانتباه إلى أن لكلماته أثر”، وأضاف برينان “العفوية لا تحمي مصالح الأمن القومي، وسيكون لديه فرصة لفعل شيء بدلًا من الحديث وإطلاق التغريدات”.

وأوضح برينان “أن المسألة أكبر من أن يتعلق بترامب، بل بالولايات المتحدة الأميركية”، معتقدًا أن “ترامب يدرك تمامًا قدرات روسيا ونياتها وأفعالها”.

وكانت “وكالة الاستخبارات الأميركية” قد اتهمت بوتين بالتدخل المباشر في الانتخابات الرئاسية لدعم ترامب، مقابل المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، إذ فتح مجلس الشيوخ أخيرًا تحقيقًا بذلك.

اعتقد كثير من السوريين بأن حجم الجرائم التي ارتُكبت بحقهم من النظام، والميليشيات الطائفية الإيرانية وروسيا، تستطيع تحريك مشاعر السياسيين وأصحاب القرار بطريقة أكثر دينامية، فمسألة اللاجئين في ألمانيا خصوصًا، وأوروبا عمومًا، ليست حدثًا عابرًا، ولم تأت نتيجة هواية العوائل في ركوب البحر.

تُغمض العين عن أجساد الضحايا طالما أن أرصدة الأنظمة تنمو في بنوك هذا الغرب، وطالما أن صفقات السلاح تمر عبر صفقات دولية، تديرها مراكز القرار السياسي والاقتصادي معًا.

لا يمكن البناء على مقابلة ترامب، في أي اتجاه يمكن أن يخدم الناس المنكوبة، فهو لم يخف إعجابه ببوتين، ومباحثاته النووية المطروحة مع روسيا، قد تحمل في طياتها ثقلًا على السوريين، يشبه ثقل اتفاق أوباما مع إيران.

كما أن انتقاده لميركل في مسألة اللاجئين، وتجاهل أصل البلاء، لا يعكس إدراكًا حقيقيًا بالاختناقات التي وصل إليها عالمنا الحالي، نتيجة السياسات الفوقية للدول المتقدمة، وعدّ أمن إنسانها هو الأصل.

من مفارقات هذا الزمن التي يجب فهمها بعمق؛ كي يدرك العالم حجم المأساة في دولنا، أن عائلة محمد البوعزيزي -الذي فجّر الربيع العربي في تونس بإحراق جسده- قد باتت لاجئة في كندا، في وقت يدّعي فيه الساسة وغيرهم، أن الثورة التونسية قد نجحت، كون الترويكا فيها جنبت البلاد حربًا وفوضى داخلية. هكذا أصبح المعيار، وهو التهديد بالفوضى والموت، فأين تلك القطبة المخفية في كل ذلك، هل يتأملها من ينتقد اللجوء قبل إطلاق التعاريف المختلفة.

يُذكر أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، قال: إنه “غير نادم على استخدام عبارة (الخط الأحمر)، لدى حديثه عن احتمالية استخدام سورية لأسلحة كيماوية عام 2012”.

وأضاف أوباما في مقابلة تلفزيونية في برنامج “60 دقيقة”، على شبكة التلفزيون الأميركية “سي بي إس”، أمس الأحد، أنه ارتجل عبارة الخط الأحمر، ولم تكن موجودة في النص المكتوب.

وأكد: “لست نادما عندما قلتُ: إذا رأيت الرئيس السوري بشار الأسد يستخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه، فإن هذا سيغير من تقييمي لما سنفعله، أو لن نفعله في سورية”. وتابع حديثه، “كنت سأرتكب خطأ أكبر لو قلت إن الأسلحة الكيماوية لن تغير من حساباتنا المتعلقة بالنظام”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]