الرواية التاريخية “صورة ذات عمق بعيد”


أوس يعقوب

وصول “مذبحة الفلاسفة” للسوري تيسير خلف إلى القائمة الطويلة لبوكر 2017

أعلن في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، أمس الأول (الإثنين 16 من الشهر الجاري)، عن القائمة الطويلة للروايات المرشّحة لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية لـ عام2017، وتشتمل على 16 رواية صدرت أخيرًا خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، وجرى اختيارها من بين 186 رواية ينتمي كتابها إلى 19 دولة عربية، من لجنة تحكيم مكونة من خمسة أعضاء، برئاسة الروائية الفلسطينية سحر خليفة. وكان من بين قائمة الروائيين الستة عشر الذين وصلت أعمالهم إلى القائمة الطويلة، الروائي السوري تيسير خلف (المقيم في دبي)، عن روايته مذبحة الفلاسفة”، ليكون بذلك صاحب العمل الروائي السوري الوحيد الذي يصل للقائمة الطويلة. وبهذه المناسبة اتصلت به صحيفة “جيرون”، فكان هذا الحوار.

بداية سألت “جيرون” تيسير خلف كيف تلقى نبأ وصول روايته “مذبحة الفلاسفة”، الصادرة العام الماضي، عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” (بيروت وعمّان). فأجابنا: “تلقيت الخبر من الصديق الكاتب والصحافي معن البياري، وشعرت بسعادة؛ لأن جائزة البوكر جائزة محترمة والأعمال التي تصل إلى القائمة الطويلة أعمال مهمة، وشيء جميل أن يقدر عملك الآخرون. هذا الخبر أكد لي أنني أسير على الطريق الصحيح، وأن البحث التاريخي الذي أدمنته يمكن أن أعبر عنه أدبيًا وبشكل جميل، لذلك؛ فسأتابع الكتابة في هذا الأفق البحثي الإبداعي. ولدي كثير من المشروعات في هذا الإطار، وكثير من محاولات فك طلاسم بعض المراحل التاريخية أو إعادة إحياء بعض الشخصيات التاريخية المؤثرة في سيرورة التاريخ؛ فكثير مما يحيط بنا هو نتيجة حتمية لما حصل قبل سنوات طويلة أو قصيرة، ونحن لسنا سوى محصلة لمن سبقونا، ولذلك؛ أؤمن بأهمية الرواية التاريخية كونها صورة ذات عمق بعيد”.

ترصد رواية “مذبحة الفلاسفة” عبر مئتي صفحة من القطع المتوسط، السنوات الأخيرة من حياة مدينة تدمر التي أصبحت في عصر ملكها أذينة عاصمة إمبراطورية المشرق. وتتحدث الرواية بلسان كاهن تدمر الأكبر في عهد الملكة زنوبيا، وتضيء جوانب غامضة من تاريخ تلك المدينة التي تحولت في عهد ملكتها زنوبيا إلى مشروع مدينة فاضلة لم تأذن الأوضاع لها أن تكتمل؛ إذ هاجمت قوات الإمبراطور الروماني أورليانوس، بمساعدة قوات بعض القبائل العربية جيوش زنوبيا، وأنهت حكمها في العام 275، واقتيدت الملكة ومجلس حكمائها (الفلاسفة) مخفورين إلى حمص؛ حيث نصبت محكمة هناك حكمت على الفلاسفة بالإعدام وبالإقامة الجبرية على الملكة في قصر تيبور قرب روما.

ويرى صاحب “موفيولا”، أن “الرواية تندرج تحت مسمى ما يعرف بالرواية التاريخية، وهي تستلهم حقبة قديمة من تاريخ المشرق العربي، في نهضته الأولى بعد قرون طويلة من الالتحاق بالإمبراطوريات الكبرى، كانت جذوة هذه النهضة مجموعة من الفلاسفة الأفلاطونيين الذين استقطبتهم ملكة تدمر زنوبيا لإقامة إمبراطورية المشرق على أسس العدالة والفضيلة وتقسيم العمل، المستمدة من قوانين جمهورية أفلاطون، ولكن الأحوال المحيطة بهذه الإمبراطورية الممتدة من الأناضول إلى مصر لم تسمح لها بأن تستمر، فتآزر ضدها أعداء الداخل والخارج، إلى أن كانت النهاية المأسوية المعروفة بتدمير عاصمة الإمبراطورية، وإعدام الفلاسفة وحبس الملكة في قصر تيبور”.

وبسؤاله عن الشواغل التي عمل عليها في منجزه السردي الرابع، وقدمه بلسان كاهن تدمر الأكبر في عهد الملكة زنوبيا؟ يبيّن مُحدثنّا أنه “على مستوى الأفكار طرحت وجهة نظر جديدة في طريقة التعامل مع تاريخ تلك الحقبة، فصراع زنوبيا مع أورليانوس، ليس صراعًا بين الشرق والغرب، كما حاول كثير من المؤرخين التأكيد عليه؛ بل هو صراع بين وجهتي نظر في الحياة، كان لها مؤيدوها في غرب الإمبراطورية، ولها -أيضًا- معارضون في الشرق، ولذلك؛ كان مؤيدو زنوبيا يعدون أنفسهم مؤيدين للمملكة الفضيلة. أما على مستوى اللغة، فقد اشتغلت على موضوعة اللغة القديمة، وطرائق الخطاب التي كانت سائدة قبل 18 قرنًا من خلال قراءاتي لأدب وفكر تلك العصور، وأظنني وصلت إلى ماكنت أريد”.

يحاول “خلف” الإجابة في روايته هذه، عن مجموعة من التساؤلات المتعلقة بالهوية الثقافية للمشرق في ذلك الزمن، واستحالة إقامة مملكة فاضلة في عالم تتناهبه المصالح السياسية والتناقضات الدينية. راويًا كيف اغتال الغرب المدينة في العام 275 للميلاد في وقت ترتكب فيه “داعش” اليوم جريمتها الكبرى مغتالة حاضر وتاريخ تدمر. وفي هذا السياق سألناه: هل تعمدت كتابة هذا التاريخ روائيًا في محاولة لمحاكاة الحاضر، والربط بين ماضٍ منيرٍ حكمه العقل وحاضر بغيض يسيطر عليه استبدادين: سياسي وديني؟ وكيف ترى الأدب كشهادة حية عن اللحظة التاريخية؟ فقال: “أنا مشغول بالحاضر، ولكي أفهمه أبحث وسائل تحليله حتى في التاريخ، كنت أتساءل دومًا لماذا قتل أورليانوس الفلاسفة وعفا عن الجنود الذين عاد وأرسلهم إلى شمالي إفريقيا؟ لا شك في أنه كان يدرك خطر استمرار هذا الفكر لأنه -لا شك- سيعيد بناء نهضة حتى لو خسرت تدمر المعركة، الخطر بالنسبة لأورليانوس لم يكن في جيوش تدمر، وإنما في فلاسفتها ومفكريها، تمامًا كما يفكر أي ديكتاتور مغتصب في هذا العصر، حين يسجن المثقفين ويقتلهم ويطلق سراح المتطرفين ويعقد الصفقات مع حملة السلاح.”

ونسأل “خلف” عن الحدود الفاصلة في العمل الروائي بين الاشتغال على التوثيق والخيال الروائي؟ وهل هناك فروقًا بين كتابة التاريخ المعتمد على الوثائق التاريخية، وبين الرواية التاريخية؟ فأجاب: “أعتقد أن فن الرواية يحتمل مالا يحتمله النص التاريخي، في الرواية ثمة هامش للخيال، إجابات عن أسئلة معلقة، وجهة نظر جديدة، فأنت غير ملزم بحرفية الرواية التاريخية وقوانينها الصارمة، أنت هنا حر في قراءة التاريخ، تُسبغ عليه رؤيتك كما كونتها من مصادر شتى، ولذلك؛ فإن الرواية التاريخية هي فن شديد الوعورة، وفيه مغامرة كبرى تحتاج إلى عمل توثيقي مضاعف، وجهد بحثي لا يقل عن الجهد الإبداعي الذي تفكر فيه”.

وعن سؤالنا الأخير، هل يتفق تيسير خلف مع الرأي القائل إن “الرواية تحكي ما لم يقله التاريخ”؟ يقول: في الرواية هوامش كثيرة تساعد الروائي على استبطان روح الشخصيات التاريخية، فهي أشبه بالروح التي تنفخ في النص التاريخي وتحوله إلى مادة حية تتنفس وتشعر”.

أخيرًا، يشار إلى أن من بين قائمة الروائيين الستة عشر الذين وصلت أعمالهم إلى القائمة الطويلة في نسختها العاشرة، ثمة أسماء مألوفة، من بينهم ثلاثة سبق أن وصلوا إلى القائمة القصيرة للجائزة، هم: العراقي سنان أنطون، والسوداني أمير تاج السر، والسعودي محمد حسن علوان. هذا إلى جانب خمسة آخرين سبق أن أُدرجوا في القائمة الطويلة، هم: إلياس خوري، ومواطنته رينيه الحايك، والكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، والمغربي عبد الكريم جويطي، والمصري محمد عبد النبي. ومن بين الأسماء التي تظهر للمرة الأولى على القائمة الطويلة الاماراتي سلطان العميمي، والليبية نجوى بن شتوان، المغربي ياسين عدنان، والمصري يوسف رخا، وسعد محمد رحيم، وعلي غدير، وزهير الهيتي (من العراق)، والسوري تيسير خلف.




المصدر