خربشات كهل… هل تعرف هؤلاء؟


عبد الحفيظ الحافظ

عندما كنت طفلًا توفيت أمي، رحمها الله، فأكل القمل رأسي، ونهش الجرب جسدي، فأخذت نسوة من الجيران يدعكن رأسي بالكيروسين “زيت الكاز”، ويسلخن جلدي بنبتة “الشنان” و “تراب البيلون”. كنت خجلًا من نفسي، على الرغم من صغر سني، وعددتُ ذلك عيبًا. ثم أصبحت شابًا، وأدمنت قراءة القصص والروايات والكتب الفكرية والسياسية، فأدركت أن القمل والجرب الخارجي ليس عيبًا، فالعيب في القمل والجرب الداخلي. وفي العقد السابع عرفت أن النظافة ليست نظافة الخارج وحسب، بل نظافة الداخل، فمن يبدل “الغاز” بالتنور، ويسكن فيلات حديثة كل “بياضاتها” ورخامها مستورد من إيطاليا، تغيّر من الخارج، ولم يتغير من الداخل، هو استبدل البنطال بالسروال، ولم يخلع سرواله الداخلي. في حراك ثورة الشعب السوري العظيم رفع بعض الثوار شعاراتها الجميلة والبديعة، لكن رؤوسهم عشش فيها القمل والجرب، يحملون فيروسات ما قبل الثورة، ركبوا أحدث السيارات، واستثمروا أحدث تقنيات العصر، ولم يتخلصوا من فيروسات العهد الساقط. يتحدثون عن الوطن والوطنية والكرامة، مع أن المواطنة جذر كل ذلك، واحترام إنسانية الأخرين تتقدم على اللهث إليها لذاتنا، فالوطنية ليست شعارًا ولا لافتة، هي المواطنة المتساوية التي لا تنسجم مع الطائفية ونزعة الأكثرية وعقدة الأقلية، وتتناقض مع العصبية والتعصب والتطرف، وتتناقض مع اضطهاد المرأة والطفل، فكيف بقتلهما بالبراميل المتفجرة وفي الأقبية.

إن التدمير المتعمد للبنية التحتية سنعيد بناءه، والشعب الألماني جدير أن نتتبع خطواته ونتعلم منه، أما تدمير القيم والأخلاق وانتهاك إنسانية الإنسان وأبسط حقوق المواطن؛ فكيف سنرممه؟ وسنرممه. ولكي تنتصر الثورة لابد من أن نغتسل ونتطهر في مغطسها، ونتعمّد على طريق انتصارها، وتدويل الثورة وعدّ سورية الوطن حلبة صراع ومصالح إقليمية ودولية، لا يغفر لأبناء سورية أن يتركوها في هذه الحلبة المأزق والأزمة. فمصير سورية الوطن والشعب، ومصير الثورة يقررهما شعبها العظيم.




المصدر