دمشق بلا مهن يدوية.. وسوّاحها إيرانيون وروسٌ
18 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017
المصدر: سوريتنا برس
بات المشهد السياحي لمدينة دمشق، هرِماً بشكل ملفت، خصوصاً مع اندثار الكثير من المهن اليدوية، أو تحوّل أماكن صناعتها إلى خارج دمشق، والتي كانت تعتبر عاملاً مهماً في جذب السيّاح إلى العاصمة.
لا زبائن، اليوم، تغصّ بهم المحال التي تبيع القطع الذهبية والفضية التراثية، وحتى السوق الداخلي القديم في دمشق القديمة زاد من شحوبه مناظر القطط الجائعة التي تنتشر في المكان، وكل شيء يبدو كما لو أنه خارج من زلزال، أو يعيش كابوساً منذ أكثر من ثلاث سنوات.
لا سوّاح ولا أهلُ بلد في الأسواق
«صار منظر السائح أمراً مستغرباً».يقول صاحب إحدى المهن التقليدية، في حيّ القيمرية بدمشق، وإلى جانبه يحاول صاحب محل الفضّيات الذي كان يعتمد على الوفود السياحية، في بيعه، لا على أبناء البلد، أن يصف الحال دون رتوش، فيقول «كنّا في مواسم السياحة، نعتمد كثيراً على السياح، وكانت المجموعات السياحية لا تنقطع عن السوق، وكانت تربطنا ببعضهم علاقات ويتصلون بنا قبل القدوم إلى سوريا ويطلبون تصميم أشكال معينة من الفضيات، عدا عن الطلبات التي نؤمنها كهدايا لبعض الوزارات ليقدموها للضيوف القادمين إلى البلد، وهذه أيضاً انقطعت بسبب ما تعيشه سوريا».
تغيّرت وجوه المارّة في حارات دمشق، وباتت اللجان الشعبية، وميليشيات من إيران وحزب الله، وغيرهم يتجوّلون في الشام القديمة، “هؤلاء لا يشترون شيئاً!”، يقول أبو فهد العامل في إحدى محال بيع السجاد، والذي تركه صاحبه وسافر إلى مصر ليعمل.
يتحدّث عن سوق مبيعات معدوم تماماً، إلا أن صاحب المحل، يصرّ على إبقائه فيه، رغم نقل عمله إلى مصر، فيعرض بعض السجاد على الواجهة، دون أن يسأل عن سعرها لا سائح ولا ابن بلد، بحسب قوله.
أمام أحد محال الفضّيات يجلس ستيني أنيق يشرب الشاي وحيداً، يقول في حديث لـ سوريتنا: «منذ أكثر من سنتين آتي إلى السوق، وأجلس في محلّي حتى صلاة العصر وأذهب بعدها إلى المنزل، لا شيء سوى شرب الشاي».
بائع العود وحيد
«الناس كسّرت الدف وبطلت الغناء».يقولها دمشقي، يعمل في تصليح العود، مؤكداّ، أن الناس لم يشتروا عوداً، أو يصلحوا آخر، منذ مدّة طويلة، ويتابع:«لا أحد في اتحاد الحرفيين يذكرنا إلا عندما يحتاجون إلى هدية أو يطالبوننا بالالتزام بدفع الأجور السنوية، كل فناني سوريا من العازفين وأصحاب المزاج وحتى من يعزفون في الأعراس كانوا من زبائني، فأنا لا أصلح الأعواد فقط، ولكن أبيعقطعاً لها، ولديّ أفضل أوتار تليق بالنغمات الشرقية، ولكن الناس لم تعد تحتفل ولا حتى تخرج بمشاويرها التي كانت بشكل أسبوعي.كل شيء تغير».
البروكار الدمشقي من المنسيات
البروكار الدمشقي والأنوال، التي كانت تنسج أقدم قماش في العالم وأجمله، إضافة إلى صناعة السجاد المحلي وبعض الصناعات الجلدية.
في وسط السوق تبدو عمليات الترميم المتوقفة تشبه بيوت أحياء الشام الجنوبية المهدمة بفعل هجمات النظام، وأعمدة خشبية تحاول منع سقوط القناطر القديمة.
محل البروكار الذي يتصدر المكان بجوار المسجد القديم يبدو شاحباً ولا يوجد فيه إلا الشاب الذي كان يشرح للمجموعات السياحية الأوروبية تاريخ هذا القماش وصناعته الدقيقة التي تأخذ وقتاً وجهداً.
يقول أحد الباعة:«كل المجموعات السياحية كانت تأتي أولاً إلى هنا وتتوقف أكثر لمشاهدة الإبداع السوري، ولكن كما ترون لا أحد يلقي علينا السلام هذه الايام، وهذه البضاعة من ثلاث سنوات، واضطررنا لإضافة بضائع رخيصة لبعض المهتمين من الشباب الذين يعدُّون على الأصابع، وهم أيضاً اختفوا بسبب الهجرة، أو الهروب من الخدمة العسكرية».
أسواق دمشق عبر التاريخ:
تاريخياً، كان سوق مدحت باشا يعتبر من أهم الأسواق الدمشقية، وفيه العديد من الأماكن والمواقع والبيوت القديمة وأهمها مكتب عنبر وهو بيت دمشقي عريق، وهناك بيوت نظام والسباعي وغيرها من البيوت الدمشقية العريقة، ويضم السوق كثيراً من الخانات القديمة التي كانت تستخدم مستودعات للبضاعة، والتي يتفرّع عنها سوق الصوف وسوق الخياطين.
ومن الأسواق الدمشقية الشهيرة التي تربط بين سوقي الحميدية ومدحت باشا، سوق البزورية وجميعه مغطًّى بساتر هرمي معدني وكان يسمى سوق العطارين، حيث مازال السوق مخصصاً لبيع الكثير من المنتجات وأهمها قمر الدين، أحد الصناعات الدمشقية الغذائية التي تصنع بشكل يدوي.
خان أسعد باشا، من أكبر وأجمل خانات دمشق، وفي بدايته يوجد قصر العظم الشهير، وبين سوق الحميدية والبزورية توجد سوق الصاغة الذي كان أصحابه متخصصين ببيع المنتجات الذهبية والفضية مع التركيز على عرض المصوغات المصنعة يدوياً.
وهناك أيضاً سوق الحرير والمسمى سوق النسوان وهو متخصص ببيع اللوازم النسائية من أمتعة وخيطان وعطورات ولوازم الخياطة ولباس الأفراح النسائية، وهناك تسمية طريفة يطلقها الناس على سوق الحرير وهي (سوق تفضلي يا ست) كناية عن إلحاح الباعة المتوقفين أمام حوانيتهم على دعوة كل سيدة تمر في هذه السوق للدخول إلى حوانيتهم لتشتري من البضاعة التي تريدها، إلا أن ذلك تراجع بشكل كبير الآن.
سوق الجمرك، وهو مجاور لسوق الحرير ومتخصص ببيع الأقمشة الحريرية والبروكاروالآغباني، ومن أسواق دمشق القديمة المسقوفة أيضاً سوق السروجية وهو مغطى بساتر قوسي من الحديد والتوتياء، ويسير محاذياً لجدار قلعة دمشق الشمالي ويعود للعهد المملوكي، وكان متخصصاً ببيع سروج الخيل وهوادج الجمال.
سوق القباقبية، وهو سوق صغير نسبياَ إلا أن شهرته تأتي من كثرة عدد السياح والزوار الذين يعبرونه يومياً حيث يأتيه القادم من سوق الحميدية والمتجه باتجاه أحياء دمشق القديمة وخاصة حارة النوفرة، حيث يوجد مقهى النوفرة الشهير.
سوق باب الجابية وباب سريجة المغطّى، بساتر معدني وهو متخصص ببيع الخضار والفاكهة والمنتجات الغذائية واللحوم والأسماك والدجاج.
سوق مردم بك، وهو سوق مغطى تبيع محلاته الشرقيات والألبسة الرياضية وألعاب الأطفال وهناك سوق القوافين وكان متخصصاً ببيع أصناف الأحذية.
سوق الصقالين، ويباع فيه أكياس النايلون والورق والأغطية البلاستيكية، وسوق السكرية، وكان متخصصاً ببيع السكاكر والحلويات والمربيات ومن ثم تخصص ببيع الألبسة المستعملة (البالة).
سوق الذراع، المتخصص ببيع القماش وسوق القطن المتخصص بتجارة الصوف الخام وسوق السنانية، حيث تنتشر فيه حالياً متاجر بيع (الفروات) والألبسة العربية، إلا أنها أصبحت خاوية من الزبائن.
[/sociallocker]