الطائفية المستترة… عن مدخلات الثورة ومخرجاتها القسرية
19 يناير، 2017
منصور حسنو
ليس من المبالغة القول: إن الشاعر السوري أدونيس من أكثر المثقفين السوريين وضوحًا في موقفه من الثورة السورية، والمقصود هنا زمرة المثقفين الذين لم يروا في آذار/ مارس 2011 إلا ثورة دينية إسلامية سنّية، وهم أكثر الناس بهجة اليوم في تصديق مقولاتهم عندما ظهرت “النصرة” و”داعش” قوتين تزعمان وقوفهما ضد النظام السوري، فالأمور عند هؤلاء المثقفين بخواتيمها وليس ببداياتها!
يعرف النظام السوري أن الثورة السورية ستتجه إلى هذا المنحى، لذلك؛ عمد إلى مواجهة الشباب السلمي بالاعتقال والتعذيب والرصاص والقتل. هذا هو منطق النظام ومنطق أنصار رؤية الأمور بخواتيمها، ويجب في منطقهم الخاص فصل النهايات عن البدايات وفصل النتائج عن المقدمات.
لكن ثمة ما يلفت النظر -أيضًا- في شريحة أخرى من المثقفين انحازوا إلى الثورة، وناصبوا الاستبداد العداء، ولكن ناصبوا في المقابل العداء بأقلامهم وألسنتهم ومواقفهم لشخصيات علمانية لمجرد أن تلك الشخصيات لم تنظر للثورة السورية إلا باعتبارها ثورة شعبية سورية بامتياز، ورأت أن البوصلة التي لا يجب أن يحيد عنها الموقف الثوري هي هذا النظام، وكل الطحالب والمشروعات التي تكوّنت بعد قيام الثورة بسنتين وثلاث “التشكيلات الإسلامية”، ليست إلا حالات طارئة زوالها رهن بزوال النظام.
هذه الفئة من المثقفين لا تتوانى عن اتهام بعض العلمانيين، مسلمين ومسيحيين، بأنهم متحالفون مع الإسلاميين، ما يعني أنهم ضمنيًا موافقون على المشروع الإسلامي، وهي تهمة لا تحتاج إلى ردٍ بقدر ما تستبطن موقفًا طائفيًا من الثورة، بل وطائفيًا من الغالبية السورية.
في هذا السياق، يمكن ذكر الهجوم الحاد الذي ناله المفكر الراحل صادق جلال العظم، عندما جزم بأنه لا يمكن إنهاء الصراع في سورية دون سقوط العلوية السياسية. والراحل العظم ليس رجلًا عاديًا حتى يُطلق مصطلحاته كحاطب ليل، فالرجل يُدرك أن النظام العسكري والأمني في سورية، أو ما يمكن أن نسميه روح النظام القائم، وقلبه الذي يغذّيه بالحياة، هي روح قائمة على الجذر الطائفي، وقلبٌ مُغذّى بدم طائفي، وهي المعضلة التي سمحت بتعميق الشروخ بين السوريين وتعميق الجراح، وكون النظام طائفيًا لا يعني بالضرورة أن الطائفة العلوية طائفية [!] الأمر الذي يُشكّل حساسية بالغة عند مثقفيها الذين يناصرون الثورة.
لذلك؛ يجب تقويم المواقف، فمن الخطأ الكبير، بل من الطائفية المقيتة المستترة، اتهام برهان غليون، صاحب كتاب “المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات” بالطائفية، أو اتهام صاحب “نقد الفكر الديني” بأنه صار دينيًا عندما وصف واقع الحال الثوري والسلطوي في وطنه.
الغريب في الأمر، أن هؤلاء المثقفين أنفسهم يتفهمون موقف أدونيس -وغيره كثر- ويجدون له ألف عذر يُنجيه من النقد، بينما عجزوا عن تفهّم هؤلاء المثقفين!
ليس عيبًا أن يكون الإنسان ابن أقلية، كما أنه ليس شرفًا أن يكون الإنسان ابن أكثرية، وكما يجب على الأكثري ألاّ تحمله أكثريته على الهيمنة والغرور، بل يجب عليه احترام خصائص الأقليات أخلاقيًا وقانونيًا، يجب على الأقلوي أن يتخلى عن شعوره الأقلوي قليلًا، فهذا الشعور يُشكّل عائقًا ومعيقًا أمام التعبير الوطني والشعور بالانتماء إلى وطن، يجب أن يكون وطن الجميع، وتحرره وعبوره نحو الديمقراطية مطلب وحاجة الجميع، فدولة المواطنة حق مُنقذ للجميع، لن تتحقق بدون شعور وطني راسخ موجود عند الجميع ايضًا.
[sociallocker] [/sociallocker]