طارق حمود: منظمة التحرير مع النظام ضد فلسطينيي سورية


غسان ناصر

كشفت مؤسسات ومراكز حقوقية عن واقع مأسوي يعيشه أبناء المخيمات الفلسطينية في سورية، من انتهاكات جسيمة يمارسها النظام السوري ضدهم، وسط صمت و”رضا” فلسطيني رسمي من رام الله. وثقت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية”، أن عدد الضحايا الذين قتلوا على يد النظام السوري منذ بداية الثورة السورية وحتى نهاية العام 2016 بلغ 3419 شخصًا.

ما حصل في مخيم اليرموك، جنوب العاصمة دمشق “يعدّ من عجائب ما حصل للفلسطينيين”. ففي الوقت الذي دخل فيه تنظيم (داعش) إلى المخيم، وتوقع الناس جبهة ملتهبة مع النظام، ساد المخيم هدوء غير مسبوق منذ العام 2012، ومع ذلك؛ “دفع الناس فاتورة مضاعفة، واحدة بسبب انتهاكات (داعش) داخل المخيم، والأخرى بسبب استمرار إغلاق المخيم دون طرح أي حل بديل للمدنيين الذين لاحول لهم ولا قوة”.

وأشار طارق حمّود مؤسس ومنسق “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية”، والمدير التنفيذي لـ “مركز العودة الفلسطيني”، ومقرهما لندن، إلى أن عدد قاطني المخيم اليوم قد “لا يتجاوز 3000 من أصل 220 ألفًا كانوا يقطنون اليرموك قبل الأحداث”.

ونفى حمود في حديث خاص لـ (جيرون) وجود مجموعات مسلحة تحمل هوية فلسطينية خالصة، فـ”داعش” و”فتح الشام” وبعض المجموعات الأصغر، تشترك “جميعها في أنها ليست من نسيج المخيم، وهذا وحده يمثل مشكلة سكان المخيم، إضافة إلى كونها مجموعات متصارعة أصلًا”. المجموعات الفلسطينية الخالصة لم يعد لها وجود داخل المخيم، منذ “آخر صراع بينها وبين تنظيم الدولة قبل عامين تقريبًا، ولذلك؛ المخيم اليوم هو ضحية مزدوجة لمن يحاصره من الخارج، ولمن يسيطر عليه من الداخل”.

وثقت المجموعة انتهاكات التنظيم داخل المخيم، خاصة في ما يتعلق بالإعدامات على خلفيات إيديولوجية، إضافة إلى الانتهاكات المتعلقة بالحريات العامة “التي تعدّ متأصلة في طبيعة هذا التنظيم الدموي” الذي أعدم قبل نحو شهرين شابًا، ثم إعدام شابة، وهناك سلسلة طويلة من انتهاكات تقييد الحريات الشخصية، وممارسة النشاط الاقتصادي والاجتماعي.

لا يستبعد حمود إمكانية تحييد الفلسطينيين عن “الصراع بالعموم”، على الرغم من صعوبته؛ “نظرًا للتداخل الاجتماعي والجغرافي والديموغرافي بين الشعبين الشقيقين”. ويشير إلى أن هذا “كان يتطلب -وحسب- مسؤولية فلسطينية جادة وجامعة بين مختلف الفصائل؛ لعدم الاصطفاف لصالح أي طرف، لكن للأسف هذا كان شبه مستحيل نظرًا لالتزامات فصائلية لا تخفى على أحد”. وهذا كان عاملًا رئيسًا في “توريط عدد من المخيمات”.

يعاني الفلسطينيون في دول الجوار من ضغوط ومصاعب كثيرة، ففي لبنان يجري التعامل مع اللاجئ الفلسطيني على أنه سائح، ويُتعامل معه على هذا الأساس من الناحية القانونية بكل مقتضياتها المالية والعقابية. والوضع في الأردن وتركيا ليس أفضل حالًا. فجميع دول الجوار تشترك في نقطة تمييز حالة الفلسطيني عن اللاجئ السوري الذي يتمتع -إلى حد ما- بنوع من الحقوق.

وألقى هذا الواقع بظلاله على واقع الفلسطينيين داخل وخارج سورية، فكثير من الفلسطينيين اضطر أن يواجه مصيرًا محتومًا بالقتل أو الاعتقال داخل سورية، بسبب إغلاق الحدود اللبنانية بوجه فلسطينيي سورية في العام 2014.

أكّد حمّود أن منظمة التحرير بفصائلها كافة، وقفت سياسيًا مع النظام وتبنت روايته، كما أن حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وعلى الرغم من التفاوت بين موقفيهما إزاء الأحداث الداميّة التي تشهدها سورية، إلا أنهما يتشاركان فلسطينيًا في جزء من المسؤولية عما تعرض له أكثر من نصف مليون فلسطيني سوري من أوضاع كارثية، بحكم مكانتهما ومستوى تأثيرهما في المشهد العام.

وقفت “منظمة التحرير الفلسطينية” والسلطة الفلسطينية بفصائلها كافة “مع النظام سياسيًا وتبنت روايته، حتى في أوضح مراحل المأساة مثل حصار مخيم اليرموك؛ ما وفر الغطاء المريح للنظام كي يستمر في الانتهاكات”، ويشير إلى مبعوث منظمة التحرير لهذا الملف (أحمد مجدلاني – الوزير السابق في سلطة رام الله) الذي “مارس عملية تشويه للحقائق لصالح النظام على حساب الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره”.

أما حركتا حماس والجهاد الإسلامي، فعلى الرغم من “التفاوت بين الموقفين، إلا أنهما يتشاركان فلسطينيًا في جزء من المسؤولية؛ بحكم مكانتهما ومستوى تأثيرهما في المشهد العام”.

يلفت حمود إلى جهد إغاثي ملفت وجيد بذلته الفصائل الإسلامية، لكن هذه الجهد كان يتعامل مع النتيجة، ولم يقدم شيئًا لتعديل أسباب المأساة.

يذكر أن “مجموعة العمل” هي مبادرة قدمتها شخصيات فلسطينية ناشطة في لندن عام 2012 بعد ورشة عمل رعاها “مركز العودة الفلسطيني”. انطلقت المبادرة من لندن خلال الورشة، وقدمت برنامج عملها وخطتها خلال شهر واحد من تاريخ المبادرة، لتنطلق مؤسسة حقوقية تقوم بتوثيق الانتهاكات، ونقل أخبار فلسطينيي سورية ومحاولة التعريف بمأساتهم، وهي اليوم تنتشر على رقعة واسعة داخل وخارج سورية، وقد قدمت -حتى الآن- أكثر من 1500 تقريرًا، ووثقت بالاسم والزمان والمكان أكثر من 3000 ضحية من فلسطينيي سورية. كما أن المجموعة تصدر تقارير دورية نصف سنوية، وتتعاون مع طيف واسع من المؤسسات الحقوقية في العالم.

وكانت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية”، وثقت في تقرير أصدرته الشهر الماضي، مقتل 3419 شخصًا، بينهم 455 امرأة، إضافة إلى مقتل 457 شخصًا منهم؛ نتيجة التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام.

بينما لا يزال نحو 1145 شخصًا معتقلين في سجون النظام، بينهم 80 امرأة، ونحو 301 شخص مختف قسريًا، كما قضى نحو 190 شخصًا بينهم نساء وأطفال، نتيجة نقص التغذية، والرعاية الطبية، بسبب الحصار ومعظمهم في مخيم اليرموك.




المصدر