تجاذبات سياسية تسبق مؤتمر أستانة: المعارضة تعد استراتيجية للتفاوض


حاول النظام السوري استباق مؤتمر أستانة المقرر في 23 الحالي، بسحب أوراق من يد المعارضة، عبر فرض شروطه في اتفاق تهجير جديد تم التوصل إليه في وادي بردى، فيما كان ملف الوادي ورقة أرادت المعارضة طرحها خلال المفاوضات لتبيان نيات النظام الفعلية. في موازاة ذلك، استبق رئيس النظام السوري بشار الأسد، مؤتمر أستانة بتصريحات حاول عبرها التقليل من أهمية هذه المحادثات. بينما كان رئيس وفد المعارضة محمد علوش، يؤكد أهمية أن تؤدي المباحثات لتثبيت وقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين وفك الحصار للتقدّم نحو حل سياسي.

وبدأت المعارضة السورية الاستعدادات التحضيرية لمؤتمر أستانة، في ظل مؤشرات على إمكانية انضمام أسماء جديدة إلى تشكيلة الوفد المفاوض، والوفد الاستشاري، إذ تجري اتصالات حثيثة مع عسكريين وسياسيين وقانونيين من أجل ذلك. وعلمت “العربي الجديد” أن العاصمة التركية أنقرة تشهد اجتماعات مكثفة وصفتها مصادر بـ”التحضيرية” تضم أعضاء الوفد والمستشارين لوضع “استراتيجية” للتفاوض. وأشار ممثل لواء “شهداء الإسلام” في الوفد المفاوض، النقيب سعيد نقرش، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن المرحلة الأولى من عملية التفاوض تنحصر في “تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، ووقف حملات النظام العسكرية”، مشيراً إلى أن وفد الفصائل يذهب إلى مباحثات أستانة وفق ثوابت لا يمكن التخلي عنها، مضيفاً: لا يمكن تجاوز ثوابت الثورة وأهدافها. وأكد نقرش أن الوضع القائم ليس مدعاة لـ”تفاؤل” حيال المباحثات، مضيفاً: “لكن من موقع المسؤولية لا يمكننا إلا عمل كل شيء ممكن”، وفق قوله.
وعلمت “العربي الجديد” من مصادر أن وفد الفصائل المعارضة يغادر أنقرة على متن طائرة “خاصة” اليوم الجمعة باتجاه العاصمة الكازاخية، مشيرة إلى أن عدد أعضاء الوفد سيصل إلى نحو أربعين. فيما حسمت حركة “أحرار الشام” قرارها بعدم الذهاب إلى مباحثات أستانة. وقال المتحدث باسم الحركة أبو يوسف المهاجر، في حديث مع “العربي الجديد”: “لا نرى أنه يمكن تحقيق شيء من هذا المؤتمر”. وأشار إلى أن الدعوة للمؤتمر أعقبت التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار”، مضيفاً: “النظام لم يلتزم بهذا الاتفاق، فكيف يمكن له الالتزام بمخرجات من الممكن أن تصدر عن المؤتمر”. ولكن مصادر مقربة من الحركة أكدت لـ”العربي الجديد” أن الحركة تدعم الوفد المفاوض، ولن تقف حائلاً من دون تطبيق مخرجات المؤتمر “في حال كانت إيجابية، ولا تحمل تنازلات للنظام”.

وسعى النظام لسحب ورقة مهمة من يد المعارضة قبل المفاوضات عبر الدفع باتفاق وادي بردى، إذ كشفت المصادر أن وفد المعارضة كان ينوي طرح مسألة إيقاف العملية العسكرية على منطقة بردى في الجلسة الأولى من المفاوضات. وأكدت المصادر لـ”العربي الجديد” أن هذه المسألة كانت ستشكل اختباراً لجدية الروس في خروج المفاوضات بـ”نتائج إيجابية”.

واستبق الأسد مؤتمر أستانة بتصريحات من المتوقع أن تلقي بظلالها على المفاوضات، خصوصاً أنها تحمل تأكيداً واضحاً على نيّة النظام تمييعها. وقال الأسد في مقابلة مع قناة يابانية، نُشرت مقتطفات منها أمس الخميس، إنه ليست لحكومته أي توقعات حيال المؤتمر “بل آمال فقط”، مضيفاً: “الأولوية يجب أن تكمن في التوصل إلى وقف إطلاق النار”. ووصف الأسد المعارضة بـ”مجموعات إرهابية”، مؤكداً أن أقصى ما يمكن أن يقدّمه لها في أي مفاوضات هو “عفو من الحكومة” المشروط بـ “تخليها عن أسلحتها”، مشيراً إلى أن مؤتمر أستانة “سيكون على شكل محادثات بين الحكومة والمجموعات الإرهابية من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار والسماح لتلك المجموعات بالانضمام إلى المصالحات”.

في المقابل، قال رئيس وفد المعارضة محمد علوش، إن هدف المعارضة من الذهاب إلى المفاوضات هو تثبيت وقف إطلاق النار بالدرجة الأولى، والإفراج عن المعتقلين والمعتقلات في سجون النظام، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة. واعتبر علوش، في حديث لوكالة “الأناضول” أمس، أنه بتناول هذه الموضوعات وتحقيق تقدّم فيها يكونون قد “حققوا إنجازاً كبيراً يساعد على التقدّم والمضي في الحل السياسي”.

ورأى عضو الائتلاف الوطني السوري وأمينه العام السابق يحيى مكتبي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تصريحات الأسد “محاولة استباقية لإفشال المؤتمر”، معرباً عن اعتقاده أنها جاءت “استجابة لرغبة إيرانية”، مشيراً إلى أن طهران ترغب في نسف المؤتمر للعودة إلى سياق الحسم العسكري.

من جهته، قلل رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري أحمد رمضان، من أهمية تصريحات الأسد، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن الأسد “ليس طرفاً فاعلاً في أستانة، ولا ينبغي أن تؤخذ تصريحاته على محمل الجد”، لافتاً إلى أن الأسد يعترف بأنه ليس لديه معلومات عن الاجتماع، وبالتالي هو خارج سياق ما يُقرر، مضيفاً: “الأسد خاضع لنفوذ روسيا وإيران وهما يقرران من دون مراجعته أو التشاور معه”. واعتبر رمضان أن روسيا “تحت تأثير الضغط الدولي، بدأت تتجه لمحاولة جعل مؤتمر أستانة منسجماً إلى حد ما مع مرجعية جنيف، وامتداداً لها، ولكن ضمن سياق فرض تفسيرها وقراءتها لبيان جنيف 1 وقرارات مجلس الأمن، خصوصاً القرار 2254”. ولم يستبعد رمضان “حدوث مفاجآت” في مؤتمر أستانة “بالنظر إلى أن كل ما يتصل بالاجتماع شفهي أو غامض، فالدعوة للقاء شفهية، والضمانات كذلك، والمرجعية غير متفق عليها والمخرجات لم يجر التفاهم بشأنها، مما يجعل اللقاء مفتوحاً على كل الاحتمالات”، وفق رمضان.

في غضون ذلك، دعا رئيس الائتلاف الوطني السوري أنس العبدة في كلمة له أمس روسيا إلى تبني قرار في مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة لمحاسبة من يقوم بخرق وقف إطلاق النار.

ولم تتضح بعد الكثير من التفاصيل حول المؤتمر المرتقب، إذ لم يتم توزيع أوراق وأجندات تفاوض من قبل راعيي المؤتمر (تركيا وروسيا). وذكرت مصادر في المعارضة، لـ”العربي الجديد”، أنه من المتوقع أن تُعقد اجتماعات تمهيدية “غير رسمية” في أستانة تسبق المباحثات الرسمية، بين وفد الفصائل المسلحة والطرفين التركي والروسي، مشيرة إلى أن وفد المعارضة المفاوض سيطالب بدخول مراقبين دوليين لضمان عدم خرق اتفاق وقف إطلاق النار من قبل قوات النظام والمليشيات الحليفة له.
وسيشارك المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي مستورا في محادثات أستانة، على رأس وفد الأمم المتحدة. فيما أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الوفد الروسي إلى أستانة سيضم ممثلين عن وزارتي الدفاع والخارجية وغيرها من الهيئات.



صدى الشام