حرب الرموز


يوم كانت المنظومة الاشتراكية تنشر قيم التحرر من الاستعمار، وأحلام المساواة، والتوزيع العادل للثروة. كانت المنظومة الرأسمالية تردّ بنشر قيمها عن الديمقراطية والعدالة أمام القانون، والحريات العامة، كحرية التنظيم والتظاهر والإضراب عن العمل.

وقد عملت المنظومتان على تقديم عدد من الرموز التي تستطيع أن تحلّ محلّ الخطاب السياسي، أو توجزه وتلخصه: صورُ لينين وهو يرتدي البيرية، أو يلقي خطاباته أمام حشود العمّال (في الاشتراكية)، أو قبّعة غيفارا، وهي لا تزال حتى اليوم واحدة من العلامات الرمزية التي تقدّم دلالات فكرية على هوية الفرد الذي يرتديها، أو هوية البيت الذي يضع صورة غيفارا، برفقة تلك القبعة الشهيرة، على الجدار.

وهناك من كان يسوّق صور ستالين بشاربيه المتحدّيين، ويدّعي أن تاريخه حافل بالصراع مع النازية. ولم يكن لكل من ماركس وأنجلز وهما مؤسسا النظرية، سوى حيّز صغير هامشي يبدو أحياناً وكأنه نوع من رفع العتب. فيما كان هناك من حاول أن يسوّق صور الزعماء المحلّيين في سلسلة الرموز.

أما الرأسمالية فقد راحت تسوّق رموزاً من طبيعة مختلفة: القبّعة الأميركية، والجينز الأزرق، والهمبورغر، والأحذية الإيطالية، وأصناف الموضة. وفي مقابل صور القادة الاشتراكيين، قُدّمت صور نجوم السينما الأميركية في المقدمة، ومن ثم صور بعض الممثلين النجوم الأوروبيين.

وقد كانت الثقافة هي الحقل الأكثر تأثراً في هذه الحروب الفكرية والرمزية. فقد كان أنصار الاشتراكية يرفضون قراءة أندريه جيد، وكافكا مثلاً بذريعة أنهما ممثلان للأدب البرجوازي، في حين كان أعداء الاشتراكية يرفضون قراءة شولوخوف وماياكوفسكي ويسينن أيضاً بحجة أنهم يكتبون التقارير الحزبية.

وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية، بدا أن بالوسع إجراء خلطات توفيقية بين الرموز. فقد ظلت قبّعة غيفارا، وصوره، تستخدمان لإعلان نوع الانتماء السياسي. غير أن القبعة التي تشير إلى بقاء الرجل في الوجدان العام، لم تكن أكثر من موضة أيضاً. إذ صار بوسعك أن ترى شاباً يرتدي تلك القبعة ويرخي لحية على الطراز الغيفاري، يقبل على التهام سندويشة همبورغر أمام أحد المطاعم التي تقدّم الطعام السريع على طريقة ماكدونالد، ويرتدي بنطلون الجينز.

وفي هذا السياق من الصراع على الرموز، كنّا عالماً ثالثاً من حيث التوصيف السياسي، كما أرادته لنا الرأسمالية، وعالماً نامياً، أو عالماً يسير في طريق التطوّر اللارأسمالي، كما أرادته لنا الاشتراكية. وهذا يعني أن نحرم من رموزنا، وأن نكون مجبرين على الاختيار بين هذه السلّة من الرموز، أو تلك.

وفيما يبدو الغرب اليوم، وجهة بديلة للملايين من الشبان العرب، وهم يقارنون بينه وبين أنظمة الحكم المحلية، من حيث الحرية، والتعددية وتبادل السلطة، وسيادة القانون. يسعى آخرون، من بينهم بعض اليساريين، والقوميين، لوضع روسيا في المواجهة.

غير أن روسيا التي ورثت الاتحاد السوفييتي تبدو عاجزة تماماً عن صناعة الرموز. وهي لا تقدّم، ولم تقدّم، أي بديل فكري مختلف لا عن الاتحاد السوفييتي، ولا عن الغرب. ولم يعد لدى أنصارها ما يستعينون به من الرموز سوى القوة العسكرية العارية، والتشهير بالغرب، وأميركا الإمبريالية.

 



صدى الشام