“نقطة نظام”


باسل العودات

بعد أيام سيُعقد مؤتمر آستانا، الغامض والمرتبك، بأهدافه السرية، وبرنامجه المجهول، وضماناته الخلّبية، وستُشارك فيه “المعارضة السورية المسلّحة”، مُمثَّلة بعدة فصائل عسكرية إسلامية، جرى اختيارها بـ “الفرازة”، يشاركهم “للديكور” بعض السياسيين بصفتهم الشخصية.

بعيدًا عن كل ما يمكن أن يُقال، ويمكن أن يملأ عشرات الصفحات، من انتقادات ومخاوف وسوء نيّة ومشكلات تُحيط بهذا المؤتمر، الفخ، وبعيدًا عن قضية تهميش المعارضة السياسية، وتسييد العسكرية، يمكن -هنا- تأكيد وجود “نقطة نظام” كبيرة، يحق لكل سوري التوقف عندها.

إذ يمكن الجزم بأن أولئك الذين سيشاركون في المؤتمر، بوصفهم ممثلين للمعارضة السورية، هم قادة فصائل عسكرية إسلامية “فاشلة”، وهذا الجزم يستند إلى واقع يعرفه كثير من السوريين، ولا علاقة له بأي موقف أيديولوجي محدد.

فشل هؤلاء في استراتيجيتهم العسكرية، فلا هم انتصروا على النظام ووحوشه، ولا جنّبوا المدنيين الدمار، وحوّلوا “المدن المحررة” إلى “مدن خارج عن سيطرة النظام”، بل وبعضها “خارج عن القانون أيضًا”، بما تعنيه هذه التوصيفات من دلالات، وربما حلب هي آخر مثال على ذلك.

فشل هؤلاء في الاندماج، وفشلوا في توحيد البندقية والراية والكلمة، ولم يستطيعوا لم شملهم وجمع شتاتهم، وفرّخوا عشرات ومئات الفصائل، وانشقت عنهم كتائب، ولم يحتمل بعضهم بعضًا، واختلفوا على كل شيء، فاقتتلوا وتحاربوا، وكانوا أسوأ من المعارضة السياسية التي يُضرب بها المثل في هذا المجال.

فشل هؤلاء في التوافق مع المعارضة السياسية، ولم يستطيعوا قبولها، ولا فرض أنفسهم عليها، ولم يؤسسوا أجنحة سياسية قديرة وخبيرة، ولم يؤمنوا بأن السياسة هي الهدف النهائي، وساروا دون مشروع سياسي واضح شامل يلائم جميع السوريين.

فشل هؤلاء أيضًا، في الإدارات المحلية التي يُفترض أنها تحت سيطرتهم وإدارتهم وإشرافهم، فلم ينجح قطاع التعليم و”كتاتيبهم”، ولا قطاع الصحة، ولا الإغاثة التي تاجروا بها، كما فشلت محاكمهم “الإسلامية” وفتاوى “شرعييهم”، ولم تنجح بـ “نصرة المظلوم والمستضعف وإغاثة الملهوف”.

فشل هؤلاء، أيضًا وأيضًا، في تبنّي فكرة دولة حديثة، وبدلًا من القفز إلى القرن الواحد والعشرين، عادوا ألف سنة إلى الوراء، واعتقدوا أن قوانين وركائز الألف الأول للميلاد هي الأصلح، وآمنوا بأن مذهبهم صواب لا يحتمل الخطأ، ومذهب غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب، ونسوا أن شرعيتهم الوحيدة هي الثورة التي أرادت دولة حديثة مدنية ديمقراطية تعددية حرّة.

فشل كل هؤلاء في توحيد الراية والأعلام والأسماء، وضاع السوريون وسط غابة من الأعلام المُزخرفة بكلمات مستوحاة من الدين، ونسوا العلم الذي زخرف تظاهرات الثورة، وأصرّ كل منهم على أن رايته هي راية الإسلام، وغيرها زندقة، كما فشلوا في اختيار أسماء وطنية بحتة لـ “جيوشهم”.

كذلك فشلوا في كسب تأييد وودِّ الحاضنة الشعبية التي سهّلت وجودهم في البداية، وائتمنتهم على أرواحها وممتلكاتها، على حاضرها ومستقبلها، ومارسوا ضدها ما “طفّشها” من حولهم.

فشل هؤلاء في معرفة الفرق بين التعاون مع الدول الصديقة، وبين الارتهان للدول الصديقة، وصار قرارهم بيد غيرهم، كحال قرار النظام السوري المرتهن بيد روسيا وإيران وبضعة ميليشيات طائفية مرتزقة.

قد لا يُعجب هذا الانتقاد كثيرين، من أنصار تلك الفصائل، لكن، من واجبهم عندئذ أن يُقدّموا مثالًا واحدًا ناجحًا، لعمل واحد ناجح قام به هؤلاء، مهما كان نوعه وحجمه وشكله، سياسيًا أم عسكريًا أم اجتماعيًا، لعدّهم غير فاشلين.

سيُقوم هؤلاء بتقرير مصير السوريين، يُشاركهم في ذلك وفد يُمثّل النظام، لا يُحلّل ولا يُحرِّم، ينوب عن قاتل تسلسلي، مجرم لا يعرف رحمة، فاسد طائفي بلا ضمير، وانطلاقًا من هذه التركيبة يمكن أن يتوقع السوريون النتائج المقبلة.

ومع هذا، يأمل السوريون أن ينجح هؤلاء “الفاشلون”، لمرة واحدة في حياتهم، بأن يضعوا نصب أعينهم أهداف الثورة، وهموم الشعب المكلوم، وحاجته إلى حياة حرّة كريمة في ظل دولة مدنية ديمقراطية تعددية.




المصدر