التنظيم يتقدم في دير الزور… مستقبل الحل الروسي في سورية


فراس محمد

يشن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منذ أيام هجومًا وصف بالأعنف على مناطق سيطرة قوات النظام في مدينة دير الزور، ومطارها العسكري، واستطاع التنظيم خلال هذه المدة القصيرة، تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض، كان أبرزها السيطرة على الطريق الواصل بين المطار العسكري، ومناطق سيطرة النظام داخل المدينة، على الرغم من الدعم الجوي الروسي الكبير لقوات النظام، وفشل -إلى الآن- في وقف تقهقر هذه القوات.

أمام هذا التقدم للتنظيم، بات احتمال سيطرته على كامل مدينة دير الزور احتمالًا مطروحًا وبقوة، وهو ما يترتب عليه مجموعة من الانعكاسات، سترمي بظلالها على كامل المشهد الميداني والسياسي في سورية، خاصة في ظل المساعي الروسية للعب الدور الأساسي في سورية، من خلال مسعاها لفرض حل سياسي في أستانة، ومحاولة الحدّ قدر الإمكان من أي نفوذ حقيقي للولايات المتحدة الأميركية في الملف السوري.

أما أسباب وتوقيت هذا الهجوم بالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية فمتعددة، منها محاولة التنظيم إعادة الروح المعنوية إلى عناصره، بعد الخسائر المتلاحقة له خلال الفترة السابقة على معظم الجبهات، فمن الموصل، للرقة، لريف حلب، مُنيَ التنظيم بخسائر كبيرة خلال الفترة الماضية، واهتزت صورته اهتزازًا شديدًا وخاصة أمام مقاتليه، لذلك؛ يسعى من خلال معركة الدير، إلى استرداد الروح المعنوية، وتحقيق مكاسب على الأرض لتعويض الخسائر السابقة، إذ  يُدرك أنه لن يستطيع الصمود في وجه القوى المدعومة من طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، بسبب القدرات الفائقة لطيران التحالف، والذي لا قبل له في مواجهته، لذلك؛ بدأ بتوجيه قوته باتجاه المناطق التي لا يستهدفها التحالف، لذلك؛ لم يبقَ أمامه سوى مناطق سيطرة النظام المدعوم من الطيران الروسي، وهو ما بدأ به فعليًا قبل انطلاق معارك دير الزور، من خلال مهاجمته لمدينة تدمر، والسيطرة عليها، والتوجه إلى عمق البادية السورية باتجاه مطار الـ T4، الذي يحاول التنظيم منذ مدة السيطرة عليه، كي يستطيع التوغل أكثر في عمق مناطق سيطرة النظام.

لكن هذا النهج الجديد لتنظيم الدولة، يحمل في طياته مسألة أكثر تعقيدًا، تخص صراع المصالح الدولية في سورية، وعلى وجه الخصوص الصراع الروسي- الأميركي، فوكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك”، وفي تعليقها على تقدم التنظيم في دير الزور، تحدّثت عن مساعدة الولايات المتحدة الأميركية للتنظيم في السيطرة على دير الزور، متوقعة أن سقوط المطار والمدينة بيد التنظيم ليست سوى مسألة وقت، إن لم تحدث أمور غير متوقعة.

ساقت الوكالة مجموعة مما قالت أنها أدلة على المساعدة الأميركية للتنظيم، منها استهداف الطيران الأميركي في 16 أيلول/ سبتمبر الماضي،  مواقع النظام في جبل الثردة، جنوب المطار، ما أدى لمقتل أكثر من 100 جندي، وتدمير عدة دبابات وقطع مدفعية، ما ساعد التنظيم في السيطرة على الجبل الاستراتيجي، حيث عدّت الولايات المتحدة ذلك الهجوم بأنه خطأ غير مقصود، أما السبب الثاني، فهو استهداف محطة الكهرباء في حقل العمر النفطي، إذ كانت آخر محطة تزود المدينة بالكهرباء، أما الدليل الثالث الذي ساقته الوكالة، فهو إصرار الولايات المتحدة الأميركية، بداية الحملة العسكرية على الموصل، على ترك الممر الغربي مفتوحًا لقوات التنظيم، ليتمكنوا من الفرار من الموصل باتجاه دير الزور، وقتذاك استخدم المئات إن لم يكن الآلاف من مقاتلي التنظيم الممر للوصول إلى دير الزور.

قد لا تكون الأدلة التي ساقتها الوكالة الروسية، بخصوص مساعدة الولايات المتحدة الأميركية لتنظيم الدولة دقيقة، لكن الأكيد هو الرغبة الأميركية الواضحة في إظهار الروس، بأنهم غير قادرين على الحل في سورية بدون الولايات المتحدة الأميركية، وذلك من خلال إظهار روسيا بأنها عاجزة عن إحراز أي تقدم في مناطق سيطرة التنظيم، على عكس الولايات المتحدة الأميركية وتحالفها الدولي، بل تتعرض روسيا بالمقابل لخسائر على الأرض كما حدث، ويحدث في دير الزور، وتدمر، والبادية السورية، خاصة أن دير الزور وتدمر هي مناطق التماس الوحيدة بين قوات النظام التي تدعمها روسيا ومقاتلي التنظيم، وبذلك يصبح المسوغ الذي ساقته روسيا لتسويغ تدخلها العسكري في سورية، والمتمثل بالقضاء على تنظيم الدولة بلا معنى، بل على العكس لم تنجح روسيا، سوى باستهداف مناطق سيطرة المعارضة المعتدلة، وتحميلها مسؤولية الخسائر البشرية الفادحة التي تسبب بها تدخلها العسكري في سورية.




المصدر