الدين في خدمة السياسة.. لماذا يصر رؤوساء أمريكا على الدعاء والصلاة في خطاب القسم؟


رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

شهدت الولايات المتحدة مساء أمس تنصيب الرئيس 45 للبلاد، الجمهوري "دونالد ترامب"، في حفل شد العالم بأسره نحو أقوى دولة في العالم.

ولفتت كلمات الخطاب الناري والمظاهر الدينية لعملية التنصيب أنظار الكثيرين في العالم، حيث راح "ترامب" يهدد بمحو "الإسلام الراديكالي" كما أسماه.

وأدى "ترامب" اليمين الدستورية، حيث وضع يده اليسرى على الكتاب المقدس ورفع اليد اليمنى قائلاً: "أنا، دونالد جون ترامب، أقسم رسمياً بأنني سأؤدي مهام رئيس الولايات المتحدة بإخلاص وبأن أبذل كل ما في وسعي لحماية وصون والدفاع عن دستور الولايات المتحدة، فليكن الرب بعوني" قبل أن يرفع قبضته.

مراسم التنصيب

كانت أول مراسم تنصيب لرئيس منتخب في الولايات المتحدة قد جرت في 30 أبريل/نيسان عام 1789. وعادة تجري مراسم التنصيب يوم العشرين من شهر يناير/كانون الثاني، لكن تم تأخير ذلك في التاريخ الأمريكي 7 مرات إلى 21 يناير/كانون الثاني، أو حتى إلى مارس/آذار أو أبريل/نيسان.

كما أن على كل رئيس جديد أن يؤدي اليمين الدستورية واضعاً يديه على الإنجيل، وعادة يستخدم كل رئيس الإنجيل الذي تحتفظ به عائلته في دلالة هامة على إيمانه بالرب والمسيحية.

كما يشهد التنصيب عرضاً عسكرياً، وحفلاً موسيقياً باذخاً، ويقوم الرئيس الجديد بإلقاء خطاب يوضح فيه أولوياته، ويكون إلقاء الخطاب من أهم أجزاء مراسم التنصيب.

الدين والسياسة

المتتبع للسياسة الأمريكية يعرف أن الرؤساء الأمريكيين يتكلمون عن الدين وعن الحرية في خطاباتهم الأولى، فالدين والحرية هما عنصران رئيسيان للهوية الأمريكية، حيث لا يخلو خطاب لرئيس أمريكي من ذكر الدين وذكر الحرية.

وبينما وصف "جورج واشنطن" أول رئيس أمريكي الله بأنه "المفكر الأعظم" دعا "رونالد ريغان"  لأن يكون يوم تنصيب الرئيس هو يوم للصلوات والدعاء في أمريكا، وشهد يوم تنصيبه عقد الكثير من الصلوات والتجمعات في الكنائس الأمريكية.

أما الرئيس "جورج بوش الأب" فقد حوّل خطاب تنصيبه عام 1989م إلى صلاة قال فيها: "أول عمل سأقوم به كرئيس هو الصلاة، أنا أطلب منكم الانحناء: سبحانك الله نحن نحني رؤوسنا لنشكرك على محبتك تقبل شكرنا على السلام الذي يحل اليوم وعلى إيماننا الذي يجعل استمراره محتملاً ليجعلنا أكثر قوة للقيام بعملك قادرين على الاهتمام والاستماع إلى إرادتك".

وعندما جاء ابنه "جورج دبليو بوش" كان يتحدث عن الدين باعتباره يتلقى خطاباً من الله لتبرير سياساته.

لكن المفارقة أن خطاب القسم نفسه الموجود في الدستور الأمريكي لا يذكر الله على الإطلاق وإنما الرئيس الأول "جورج واشنطن" اختار أن ينهي خطابه بعبارة (Help Me God) والتي تترجم بما يشبه قولنا "ساعدني يا رب" بمعنى "إن الله على ما أقول شهيد"، ولم يجرؤ بعدها أي رئيس أمريكي على إلغاء هذه العبارة.

خطاب "ترامب"

وفي خطابه الناري الذي ضمنه رسائل للأمريكيين قال "ترامب" أمس: إن أمريكا "سوف تمحو الإسلام المتطرف من وجه الأرض"، مشيراً أنه "منذ الآن ستكون هناك رؤية تحكمنا وهي أمريكا أولاً"

وأضاف: "سوف أحارب من أجلكم ولن أخذلكم أبداً وستعود أمريكا للانتصار كما لم تفعل من قبل".

هذا الخطاب وصفه مدير المركز العربي للأبحاث، المفكر المعروف عزمي بشارة، في تغريدة له نشرها على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أمس، بـ"الشعبوي الكارثي".

وكان بشارة، قد خلص في وقت سابق إلى أنّ المشكلة الأساسية للرئيس الأميركي المنتخب، "ترامب"، ستكون داخليّة، وتحديداً في الصراع على هويّة الولايات المتحدة الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة، وليس مشكلة الشرق الأوسط  أو منطقة المحيط الهادئ، على أهميّة هذه المناطق.

وفي ندوة نظمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، في الدوحة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال بشارة إن "ترامب" استفاد من استهدافه المهاجرين والمسلمين منهم خاصة أثناء الانتخابات، فمع صعود الخطاب اليميني القومي، ومع أنّ الولايات المتحدة دولة بناها المهاجرون؛ إلا أنّ الذين توطنوا جيلاً بعد جيل منهم ينمّون شعوراً بأنّهم سكانٌ أصليون، وأن فقراء العالم يتدفقون إليهم ليشاركوهم ثروات توافرت بجهودهم وعرق آبائهم وأجدادهم.

وفي سياق متصل أثارت كلمة "ترامب"، خلال حفل تنصيبه، مساء أمس، وحديثه عن "توحيد العالم ضد التطرف الإسلامي" جدلاً واسعاً في الأوساط العربية، وتساءل الشيخ السعودي محمد العريفي، عن سبب التركيز على "التطرف الإسلامي."

وقال العريفي في تغريدة على "تويتر": "كل الأديان والمذاهب فيها معتدلون ومتطرفون، فلماذا يركزون على من يُسمّونهم متطرفين إسلاميين ويصمتون عن متطرفي البوذية واليهودية والنصرانية".

أما الشيخ عوض القرني فتنبأ بـ"سقوط أمريكا"، قائلاً في سلسلة من التغريدات على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي: "سيكون أفول نجم أمريكا كقوة مهيمنة في العالم أكثر وضوحاً وأشدّ تسارعاً في عهد ترامب والسؤال الكبير جداً: من البديل؟ المتوقع أن الداخل الأمريكي في عهد ترامب سيعيش انقسامات اجتماعية وسياسية وأزمات اقتصادية حادّة وغير مسبوقة منذ عقود."

الجدير بالذكر أن الرئيس السابق "جورج دبليو بوش" الذي شهدت ولايته أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 والتي أشعل بعدها حروباً في العراق وأفغانستان أسهمت في زيادة الاستقطاب والتطرف في العالم، كشف قبل ساعات من تنصيب "ترامب" أنّه يعدّ الساعات المتبقيّة ليأتي "رئيس أسوأ منه إلى البيت الأبيض".

وتابع في حديثه للمراسلين في منزله الخميس، إنّه سينتظر بصعوبة مجيء يوم (الجمعة)، إذ سيعزل عن "عرش أسوأ رئيس أميركي" وتسقط هذه التهمة عنه لصالح رئيسٍ آخر.

وقال: "أقرّ وأعترف، لم أشعر قبل الآن أنّه سيأتي هذا اليوم في حياتي". وتابع: "بصراحة، أنتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر ولا يأتي، إنني كالطفل الذي ينتظر عيد الميلاد".




المصدر