عود نصير شمّة يجذب جمهوراً حاشداً في المعهد الوطني اللبناني للموسيقى


افتتح المعهد الموسيقي الوطني في لبنان باقة الاستضافة العربية المدرجة على جدول اعماله حفلاته للعام 2017 مع الفنان العراقي والمحدِّث في آلة العود نصير شمّه. كان اللقاء الجميل مع الموسيقى عشية الخميس في 19 الشهر الجاري. قاد الفرقة الموسيقية المايسترو اندريه الحاج بانجذاب واستمتاع كبيرين. بعد تحية الحاج للجمهور وعزف النشيد الوطني، دخل الكواليس مصطحباً ضيفه داعياً الجمهور للوقوف ترحيباً في سابقة غير معهودة من قبل.

الحفل الذي غصت به صالة قصر الاونيسكو وملحقاتها من بلكون والأطراف حضرها عراقيون وعرب مقيمون في لبنان، وكذلك رسميون لبنانيون بخاصة وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري، وسفير العراق في لبنان. ومن المفارقات أن يعلن المايسترو قبل بدء الحفل بأن عطلاً مفاجئاً طرأ على الـ»ميكسر» وعاد لينسحب مع شمّة إلى الكواليس. الأقدار أو التكنولوجيا سمحت بإعادة سريعة لـ»ميكسر» إلى العمل ليبدأ الحفل.

البرنامج الذي ضمّ ثماني مقطوعات موسيقية هو بالكامل من تأليف نصير شمّه، من بينها تحية للفنان اللبناني العفوي والمبدع في ألحانه دون أن يدرس النوطا الراحل فيليمون وهبة. تلك التحية جمعت ثلاثة من ألحانه وهبة غنتها السيدة فيروز وهي: منن سرقتك، يا طيارة ويا مرسال المراسيل. تلك الألحان الخالدة زادت تألقاً مع الفرقة الموسيقية الواسعة للمعهد الموسيقي، وبين الفينة والأخرى كان شمّة يستفرد بأنغامه ويتجلى بعد تصاعد الآهات والتصفيق من الجمهور. إذ يعرف أن الراحل فيلميون وهبة كان عازف عود حساس وموهوب دون دراسة. وكان لشمه الذي احسن اختيار المُكرم أن يضفي على نغمه مزيداً من التألق والخلود.

تميزت المقطوعات الموسيقية التي اختارها شمّة لحفله بالحيوية والجاذبية والرقة معاً. مقطوعات كانت تحلق في التعبير عن مشاعر مؤلفها، وتعبر عن عمق أحاسيسه بما يقول من انغام. فشمّه يكتب الموسيقى معبراً عن حالات إنسانية في وطنه العراق، وأخرى خاصة بالدول العربية. فالمقطوعات الموسيقية هي تعبيره وخطابه حيال الاضطراب الكبير والموت المتنقل من مكان لآخر.

في مقطوعاته التي حملت عناوين «من الذاكرة، بياض، غداً أجمل، على حافة الألم، طاب صباحك بغداد، اشراق والعامرية» كان شمّة حريصاً على تطعيم بعضها بقليل من الفلوكلور الذي صار جزءاً من هويتنا الموسيقية العربية ك»فوق إلنا خل، البنت الشلبية» وغيرها. «على حافة الألم» مقطوعة أهداها شمّة للمرأة الفلسطينية المناضلة، وتميزت بالقوة، الصمود والتصميم. وفي تقديمه لمعزوفة «إشراق» كان لشمّه أن يتجلى ولدقائق عازفاً بأصابعه اليسرى على زند العود فيما يشبه الانتشاء النغمي، فكان له التصفيق الهادر من الحضور. وعاد إلى نقرات شجية من «ألف ليلة وليلة» وبتواؤم وانسجام كلي مع الفرقة الموسيقية التي قادها الحاج بفرح لافت.

وقبل أن يختم حفله بمعزوفة «العامرية» الرائعة، كان لشمّه تكريم ودرع من وزير الثقافة غطاس خوري الذي عبّر عن رغبة بعودة «ثقافة الحياة». وتكريم من مدير المعهد الموسيقي الدكتور وليد مسلم الذي وصف اعمال شمّة الموسيقية بالذهبية. شمّة شكر لبنان واللبنانيين على الحب الذي احيط به منذ وصوله. شكر الفرقة الموسيقية ووصفها بالساحرة. وقال مازحاً «لا يجوز شكر شريكي في هذا العمل المايسترو اندريه الحاج لأنه شكر للذات».

الختام مع «العامرية» التي تميزت بالأوتار الغاضبة والثائرة. صمت يخيم رغم الموسيقى هو شبه خشوع على ارواح الضحايا وهم كانوا بالمئات. وتر شمّة زرف دمعاً منسكباً دافئاً. انغام العامرية تراوحت بين أنين وصلاة، وناي يناجي، لتعود الفرقة بكليتها إلى النغم بما يشبه النشيد الذي ينشد الحياة تحدياً للموت المرسل بطائرات أمريكية. العامرية انغام تدين القتلة، وتدعو للإنتفاض.
يذكر أنه خلال إقامته في بيروت تباحث شمّة مع المعنيين، وكان قرار بإنشاء «بيت العود» على غرار بيت العود في القاهرة.



صدى الشام