غياب المحاسبة في الثورة سبب كل هزيمة وجريمة

21 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017
5 minutes

يمكن لنا أن نتفهم هامشًا من الفوضى، وقلة الرقابة والمحاسبة، في بدايات الثورة، إبّان التحرك الشعبي غير المنظم، وسط غياب الخبرة وقلة الإمكانات.

لكن وبعد مضي ستّ سنوات على بداية الثورة، وقيام تشكيلات عسكرية، وأخرى سياسية للثورة، كانت ولا تزال الحلقة المفقودة هي غياب الرقابة والمحاسبة، والتي ساهمت بشكل كبير في ارتكاب أخطاء وجرائم بحق الثورة، دون أن يخضع أصحابها للمساءلة والمحاسبة.

ومع حاجة الناس في المناطق المحررة لضبط الأمن، وحفظ الحقوق، قامت المحاكم الشرعية، المدعّمة بسلطة الفصائل، بدور مقبول في حماية حقوق الناس وضبط الأمن، لكنها لم تستطع أن تثبت جدارتها في محاسبة أصحاب النفوذ من القيادات والشخصيات البارزة في الفصائل والأجسام الثورية القائمة.

الأمر الذي تسبب بتراكم الأخطاء وازديادها مع مرور الأيام، خاصة أن هذه المحاكم في كثير من الأحيان كانت تابعة لفصيل أو تجمع فصائل، وليست مستقلة.

ومع ازدياد الحاجة لجهازٍ أمني يتعقب الجواسيس والعناصر المخرّبة، ويستبق كشف الجريمة قبل وقوعها، ويكشف العناصر المخترِقة لمفاصل الأجسام الثورية، رأينا أجهزة أمنية تابعة للفصائل، همها الأكبر جمع المعلومات عن الفصائل الأخرى، والكيد لها، وملاحقة المنتقدين لهذه الفصائل واعتقال المخالفين، دون أن تتجاوز ذلك للمهام المأمولة شعبيًّا من الأجهزة الأمنية.

غياب المساءلة

نتيجة غياب المساءلة، وجدنا المعارك الارتجالية، والتصريحات غير المسؤولة، والظهور وقت النصر والغياب وقت التراجع لكثير من الشخصيات القيادية والثورية.

ونتيجة غياب المساءلة والمحاسبة وجدنا بعض الفصائل تتباهى بكثرة أعداد الشهداء في معارك وأحداث قد تستحق عليها المساءلة والمحاسبة لا المباهاة والتفاخر.

ونتيجة غياب الرقابة والمساءلة وجدنا سقوطًا لمناطق محررة عدّة، دون أن تتم محاسبة من قصّر في واجبه فيها، أو تسبب بالتراجع فيها، أو ساهمت أقواله أو أفعاله بتسريع سقوطها.

غياب المحاسبة

نتيجة غياب المحاسبة وجدنا فصائل تتلاشى وأخرى تظهر وأخرى تكبر وغيرها يصغر، دون أن تتم محاسبة المتسبب بتلاشيها واضمحلالها سواء كان المتسبب من داخلها أم من خارجها.

ونتيجة غياب المحاسبة، وجدنا جبهاتٍ تهادن، وأخرى تصالح، وفصائل تغادر وتترك سلاحًا خلفها للعدو، وأخرى لا تستجيب للمناشدات بفتح الجبهات مع امتلاكها للإمكانات.

ونتيجة غياب المساءلة والمحاسبة وجدنا من يسرِق قوت الفقراء، من أصحاب الجمعيات أو الهيئات الخيرية، ووجدنا استغلال حاجة الفقراء، والاحتكار عند التجار.

إن غياب الرقابة والمساءلة والمحاسبة، سيظل يشجع كثيرًا من أصحاب النفوس المريضة، على مزيد من التعاطي غير المسؤول مع الدماء والأرواح والتضحيات.

الأمر الذي يزيد من معاناة الناس، ويشوّه صورة الثورة، بهذه الأفعال والتصرفات الصادرة عن بعض المجموعات والقادة والمسؤولين والسياسيين والمحسوبين على الثورة، فيما الثورة بريئة من كل لصٍ وخائن وغادر وفاجر ومحتكر وقاطع طريق وظالم.

تشكيل جهاز رقابي

ما يجعل إقامة هذا الجهاز الرقابي من أوجب الواجبات، وهو لا يمكن أن يكون بحالٍ من الأحوال ناجحًا إذا كان تابعًا لفصيل، لأنه عندئذ لن تكون له سلطة على قادة فصيله ولا على الفصائل الأخرى، بل لا بد أن يكون سلطة فوق الفصائلية، يقوم عليه رجال مشهود لهم بالنزاهة والصدق، وتلتزم الفصائل كلها بالامتثال أمامه، وأن تتعاهد على دعمه يدًا واحدة على كل مخالف ورافض.

قد يبدو قيام مثل هذا الجسم أمرًا في عالم المثاليات، وليس له في الواقع حظ أو نصيب، لكنه في ذات الوقت ليس ضربًا من المحال، إن توافرت الإرادة لدى المخلصين، وعلينا جميعًا مسؤولية الإعداد له ودعم تشكيله.

لعل من صوره المطروحة (مجلس قضاء أعلى) أو (هيئة عليا للرقابة والمحاسبة)، وأهم ما فيه ألا يبنى على المحاصصة وأن تعترف وتلتزم به كل الفصائل، وتتعهد بالمثول أمامه قادة وأفرادًا، ما لم يقم هذا الجهاز الرقابي، سنظل نشهد تصرفات وأقوالًا غير مسؤولة.

نعم إن لدينا ثقة بأن كثيرًا من الناس تضبطه أخلاقه وتربيته، ووازعه الديني، دون حاجة لجهاز رقابة ومساءلة، غير أن البعض الآخر بحاجة إلى من يضبطه بالقضاء والرادع الدنيوي، مع يقيننا بأن الجزاء الأخروي سيكون من نصيب الجميع، وعلى كل عمل ولو مثقال ذرة من الخير أو الشر.