العائدون إلى حضن النظام


صبحي دسوقي

كلما طالت مدة معاناة السوريين، تتساقط أقنعة كثير من “المعارضين”، الذين انضموا إلى الثورة لأسباب شخصية، وتتكشف وجوههم الحقيقية، ويظهرون على حقيقتهم بأنهم أشخاص يبحثون ويقاتلون من أجل مكاسب مادية ومناصب وحسب، وتتضح مواقفهم الحقيقية وانتهازيتهم، وأنهم مجرد تجار يبحثون عن الربح من دماء أهليهم، ويعملون على إطالة أمد معاناة السوريين؛ كي تمتلئ حساباتهم البنكية بالمزيد.

هم يسهمون في تشويه الثورة؛ وحتى الوطن، وقد أجادوا في إظهار أنفسهم على أنهم أنقياء، وأنهم ضحايا مجبرون ومرغمون على التنصل من مواقفهم التي أعلنوها، وأردوا منها ما أرادوا، وعندما وجدوا من يدفع لهم أكثر، ويحقق لهم الوصول إلى مناصب انتقلوا إلى الصف المعادي.

استغلوا مصطلح “المعارضة” وتحينوا الفرص لإطلاق مواقفهم وتصريحاتهم النارية التي يرومون منها المنافع والمغانم وحسب، وعندما انتهت مهماتهم التي أفلحوا من خلالها في تزوير الحقائق، جرى إظهار وضعهم في الحيز الذي يمثلهم، بوصفهم طلاب شراكة في السلطة، وقد ارتضوا أي شيء يقدم لهم، وانتقلوا إلى الضفة التي تكسبهم المزيد، وجميعهم أجاد وضع الأقنعة وبهرجتها، وأوهمونا بأنهم ينتمون إلى البشرية.

تراكم أخطاء الذين مثّلوا الثورة وعملوا ونظروا وسرقوا وباعوا الثورة، مع تزاحم تجار الدين وتجار السياسة، والتسابق والتدافع إلى السقوط الاخلاقي.

منذ زمن، عاد ستة معارضين سوريين إلى دمشق، ممهدين الطريق لغيرهم، وذلك في إطار تسوية مع النظام السوري، وقدم لهم النظام مناصب وأموالًا وإقامة في أفخم الفنادق وسط العاصمة دمشق، وقد تنصلوا من مبادئ ثورة الكرامة والحرية، وتنصلوا من أهليهم بذريعة أنهم يتلمسون السبل لإيقاف نزيف الدم، وهذا جيد، لكنه لا يعني التفريط بحقوق وثوابت الثورة التي خرج السوريون من أجلها، والشعب السوري يملك القدرة على التمييز بين من يريد اللعب وحرق الثورة وتمزيقها، وبين من يريد إيجاد حل لمطالب أهلنا المظلومين، وتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم.

القائمة تتسع وتزيد من عودة بعض المأجورين الذين أرادوا الثأر من الثورة، لأنها لم تتح لهم تسيد المشهد، ولم تغدق عليهم الأموال التي تدفعهم إلى السكوت والبقاء في صفوفها، أو لتوقف الهبات التي كانت تنهال عليهم.

لن تنفع حجج العائدين إلى حضن الأسد الواهية، بأن المعارضة السياسية قد تخلت عنهم، وأخلفت في وعودها لهم، وأنها جففت سيل الدولارات التي تغرقهم، وتضمن صمتهم وسكوتهم.

سيدفع العائدون أثمانًا باهظة، سقوطهم الاخلاقي بداية وليس نهاية. الثورة السورية هي ثورة يتيمة، تُركت -هكذا- تواجه طواغيت الكون بمفردها، لا أهل لها ولا صديقًا ولا أخًا يقف معها، ويمدها بما يمكنها من تحقيق تطلعاتها بوطن جميل خال من القتلة واللصوص، وطن يتسع لكل أبنائه المخلصين.

هي ثورة ولن تتوقف، ولن تهدأ أو تستكين حتى تحقق أهدافها، بعضهم نجح في تحويلها في الوقت الراهن إلى معارضة تبحث عن الشراكة مع النظام وانتزاع المناصب منه.

الثورة هي قدر كل سوري شريف يعاني من الغدر والخيانات، وقد ترك الشعب السوري على مذبح الحرية لوحده، ووحده، أعزل إلا من صدقه وإنسانيته.

الثورة لا تموت ولن تموت؛ لأنها فكر ينتشر ويورث للأبناء والأحفاد، والمعارضة إلى زوال؛ لأن أهدافها آنية وتنحصر في المال والمنصب.

تحتاج الثورة إلى مشروع إنقاذي، يلبي رغبات الجميع مع ضمان الحد من صراعات الدول التي تعمل على تحقيق مصالحها، وايقاف تناحرها فوق أرض سورية، والمحافظة على الثوابت المحقة للثورة التي لا يمكن لصاحب وجدان وضمير أن يتجاوزها، والبحث عن أمل وخارطة طريق نستطيع من خلالها ايجاد مخرج مشرف لهذا الواقع المؤلم والقاتل.

أخيرَا، هناك فرق كبير بين العودة إلى حضن سورية، وهو حلم لمعظم السوريين المهجرين، وبين العودة إلى حضن النظام المجرم القاتل وتلميع صورته.

ليعد من يرغب إلى حضن النظام، وليرتمِ في أحضان الأسد، فهؤلاء لن يشكلوا تغييرًا، ولن يحدثوا فرقًا، ولن ينجحوا في إخماد شعلة الثورة.




المصدر