النقد الذاتي مطلوب


عقاب يحيى

في إثر إصدار بيان النداء الموقّع من عدد من الشخصيات السورية، لاقى قبولًا جيدًا على الرغم من إطالته، لما تضمنه من نظرة نقدية شاملة لمسار الثورة ومؤسسات المعارضة، وتأشيره عددًا من المهمات والأفكار التي رأى فيها بداية مخرج من الوضع الراهن، خاصة من جهة إنهاض تيار وطني ديمقراطي، وما يعوّل عليه، وعديد المهمات الواجبة التي يجب أن تكون برنامج عمل المقبل باتجاه بلورة مشروع وطني، ورفض فكرة الوصاية والاحتكار، وترك أمر المبادرة للمعنيين من المؤمنين بمحتوى النداء، وعبر صيغ متنوعة.

في الوقت نفسه، وجّه بعضهم نقدًا متعدد الخلفيات لمعظم الأسماء الموقعة للنداء، بشكل عام، ولعدد منهم بشكل خاص، وتضمن النقد مجموعة أمور منها واجب أن يقوم هؤلاء بنقد أنفسهم، وتجربتهم، وأخطائهم بمنتهى الشفافية والشجاعة.

وعلى الرغم من وجود نوع من الكيدية المنتشرة في الوسط السوري، وبعض الذاتية، فإن عمليات النقد العام والخاص يجب أن تكون نهجًا ثابتًا، مستمرًا بهدف ليس جلد الذات، أو الثأر، وإنما التعرّف على الأخطاء بهدف تجاوزها، وفق الأحوال التي عاشتها الثورة، وتقلباتها، ومستوى ما دخلها من تعقيد.

لقد تناولت باستمرار، وفي مقالات متتالية، ومبكرة، أزمة المعارضة التقليدية وأمراضها المتعددة، إن كان لجهة ضعفها، أو انعكاس نتائج الفشل، وحصار النظام وأفعاله عليها، وعلى أدائها، وعجزها عن القيام بالدور المأمول منها، بدءًا من توقع قيام الثورة في بلادنا، والتهيئة لها، ثم محاولة ملء فراغ مقسور نتيجة عدم وجود قيادة شابة مسبقة، او مولّدة من الثورة، وفعل النظام المقصود في اغتيال وتصفية الناشطين البارزين.. بما فاقم مشكلات القيادة، وكان في صلب العجز عن تجسيد أهداف الثورة.

لقد تقدمنا -عبر الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية- التي كنت أمثلها في المجلس الوطني، ثم في الائتلاف، بعدد من المذكرات التي تبين وجهة نظرنا في واقع المجلس، وتلك الرهانات وآثارها، وغياب المأسسة، والابتعاد عن الشارع السوري، وانزياح القرار الوطني إلى درجة الغياب، ومحاولات إصلاح المجلس بمشروعات مكتوبة، ومثل ذلك فعلنا على صعيد الائتلاف منذ قيامه بعملة قيصرية أنتجتها دول إقليمية وخارجية، بوصفه ردّ فعل على مواقف المجلس الوطني، برفض تشكيل لجنة متابعة لمؤتمر المعارضة المنعقد في القاهرة ـ تموز 2012 ـ إذ عدّته تلك الجهات إضرارًا بهدف توحيد المعارضة، ورفضًا لما كانت تعدّه أمرًا حيويًا، اضيف إلى عوامل أخرى تراكمية.

الائتلاف عانى، إلى جانب تركيبته، إشكالًا عصيًّا في نظامه الأساسي الكابح لعمليات التطوير وتحويله إلى ائتلاف سياسي حقيقي، وإلى مأسسة تكرّس العقل الجماعي، وتمثل النسبة الأكبر من الثوار والمعارضة.

وعلى الرغم من محاولات لم تنقطع للإصلاح والهيكلة، واستخدام وسائل متعددة، وإنجاز بعض الخطوات في هذا المجال، إلا أننا لم ننجح، لا بشكل فردي، ولا جماعي، بتحقيق المراد، وعلى الدوام كانت العقبات والحسابات الكتلية، والمصلحية تعيق الوصول إلى نتائج مهمة.

وعلى الرغم من تلك التوسعة المعروفة باسم القائمة الديمقراطية، وما رافقها من توسعة فوضوية باسم الأركان، والحراك الثوري، وتصدّر المشهد من المحسوبين على الاتجاه الديمقراطي، المتحالفين مع الإخوان المسلمين، إلا أن الائتلاف لم يتمكن من تجاوز واقع تشكيله، ولا من التحول إلى مؤسسة جمعية. هنا تلعب عدة أسباب موضوعية وذاتية دورها، ومنها دور بعض الأشخاص، ومدى تماسك، وانسجام، وصدقية المحسوبين على الاتجاه الديمقراطي، وما أصابهم من خلافات وتمزقات.

لقد كان سؤال جدوى البقاء أو الخروج يطرح نفسه بقوة علينا، وباستمرار كان عدم وجود بديل، أو صعوبة توليد بديل سوري أفضل يرجّح الاستمرارية، ومحاولات فعل شيء، ولو بدا محدودًا، ومتقطعًا، ودون المأمول.

هنا لا يمكن الاكتفاء بإلقاء الأسباب على الجانب الموضوعي، والخارجي، وفعل التسلح وانعطافاته ونتاجاته فقط، أو على بعض الأشخاص، والكتل، والمال السياسي، وغيره وحسب.. كي يخرج الشخص نظيفًا، وطاهرًا، وكأنّ لا علاقة له بالذي جرى، ولم يكن جزءًا من هذا الجمع، أو كان كالأطرش في الزفّة.

نعم جميعنا مسؤول، إلى هذه الدرجة أو تلك، عن أوضاع الائتلاف، وعن الأخطاء التي ارتكبت، وعن العجز في القيام بالدور المأمول ليكون ممثلًا حقيقيًا للثورة.

مع ذلك فإن الاعتراف بالخطأ، ومهما كان منسوبه، لا يعني إعدام أصحابه المعنيين من الحياة السياسية، ولا استقالتهم منها، أو عدم الاستفادة من قدراتهم، وتجاربهم.. بل ستبقى الثورة بحاجة لجهد جميع أبنائها، خصوصًا من عاشوا تفاصيلها، وأدركوا تعقيداتها وتداخلها، وحجم الضغوط الخارجية وسبل التعاطي معها.

ومما لا شكّ فيه أن الثورة تحتاج إلى تقدّم أبنائها من الشباب إلى الصفوف الأولى؛ وذلك من خلال صيغ ديمقراطية بعيدة عن الانتقائية، والأحادية، والفرض، مثلما تحتاج الثورة إلى أولئك، أصحاب الخبرة والتجربة، الذين يمكن أن يكونوا في المواقع الملائمة دون احتكار، أو وصاية، أو أبوية.

إن المشروع الوطني، ونهوض تيار ديمقراطي يحتاج جميع المؤمنين به، القادرين على تقديم إسهاماتهم المطلوبة.




المصدر