on
إيران وروسيا وما بينهما
حذام زهور عدي
اختلف المحللون حول العلاقة الإيرانية – الروسية عندما طلبت إيران من روسيا التدخل لحماية النظام الأسدي الذي كان باعترافهما على وشك السقوط، على الرغم من الحجم الهائل الذي ضخّته إيران بشريًا واقتصاديًا وعسكريًا، وسرّبت الأخبار في ذلك الوقت أن اتفاقًا بينهما يقضي بأن تكون القوة الإيرانية بأشكالها المختلفة على الأرض محمية جوًا من الطيران الحربي الروسي.
في ذلك الوقت تنبأ محللون كبار بخلاف مقبل بين البلدين على التركة السورية، بينما عدّ آخرون أن التنسيق واتفاق المصالح بينهما لن يسمح بمثل هذا الخلاف.. واليوم تمتلئ الصحافة ووسائل الإعلام بأخبار عن “خلاف” إيراني – روسي، وتسوق الأدلة والبراهين على أن انفجاره ليس بعيدًا.. فهتاف شباب الباسيج (غير الرسمي) “الموت لروسيا” في أثناء تشييع جنازة رفسنجاني، لا يمكن إلا أن يكون لسلطة الولي الفقيه علم به، ورفض الميليشيات الإيرانية تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار في وادي بردى وبعض الأماكن الأخرى التي تعدّها إيران مسألة استراتيجية لحماية خط “المقاومة”، وأخيرًا وليس آخرًا التناقض في التصريحات بين الخارجية الإيرانية والروسية بشأن إشراك الولايات المتحدة في محادثات آستانا، فهل يُمثّل كل ذلك خلافًا حقيقيًا يُنذر بنوع من المواجهة بينهما على الأرض السورية، كما يتفاءل بعض السوريين، وينشرون فكرة أن روسيا في طريقها إلى تكنيس المليشيات الإيرانية وحرسها الثوري، ويستدلّون على موقف القوة الروسية من تعفيش حلب، وربما بعض الإشارات الأخرى.
في البدء، من الواقعية السياسية الإقرار بأنه في العالم كله لا توجد دولتان مستقلتان تتطابق مصالحهما كليًا واستراتيجيًا، فالسياسة العالمية تعتمد على التحالفات التكتيكية ذات المراحل، في الوقت الذي يستعد فيه كل طرف للخلاف الذي قد ينشأ بعد انتهاء تلك المرحلة، فإذا طُبّقت هذه القاعدة على التحالف الإيراني – الروسي في سورية، كان علينا البحث عن أهداف كلٍ منهما، ومن ثَمّ؛ فهم التوافق أو الخلاف بينهما خارج “البروباغندا” الإعلامية التي قد تكون لها أهداف أخرى.
لاشك في أن المصالح الروسية -كما بدت- تتجاوز القواعد البحرية في المياه الدافئة، الحلم الروسي القديم، على أهميتها، كما تتجاوز مسألة التحكم بخطوط البترول والغاز التي قد يخطط أصحابها لاستثمار الأرض السورية من أجل الوصول إلى أوروبا، ومن ثم؛ تخفيض الأسعار على المستهلكين ومنافسة الأسعار الروسية في ميدانها، أيضًا على أهميتها، فلروسيا أجنداتها العالمية على مستوى العالم، كما أبلغت الوفود السورية التي قابلتها أكثر من مرة، وبالطبع سيبقى الشعب السوري والنظام الأسدي معًا رهائن بيديها حتى تُحقق أكبر قدر من مصالحها تلك… وفي هذا وظّفت -وما تزال تُوظّف- الحالة الأميركية بين نهاية ولاية رئيس سلبي ومجيء رئيس صديق -كما قيل- تدير الأمور بمهارة تُحسد عليها، إذ من جهة لا توقف قصفها للمدنيين في المدن السورية وقراها تنفيذًا لتعهداتها الأسدية، وفي الوقت ذاته تلوح للفصائل المقاتلة على الأرض بما يداعب أحلامها، وتُكثر من التسريبات الشفوية التي توحي للشعب السوري بتحقيق نوع من الاستقرار بإيقاف مقتلته ومأساته، وبأن لا غيرها قادر على ذلك، بل تُسرب إمكانية إعادة المهجّرين قسريًا لمنازلهم، وعرقلة التغييرات الديموغرافية التي تعمل إيران بنشاط عليها، إن لم يكن إيقافها.
تلك الأهداف تتطلب في النهاية الأمن والأمان للسوريين وإنهاء الفوضى، كما تتطلب حلًا ما يُعطي السوريين -بعد كل ما حدث- شيئًا من الكرامة، يُخفف شعورهم بالهزيمة، ويكون أرضية صالحة لمصالحة وطنية تضمن الاستقرار مستقبلًا، كما تضمن خروجًا مشرفًا للروس من المستنقع السوري بعد تحقيق ما يرونه من أولويات مصالحهم في علاقاتهم الإقليمية والعالمية، ولذا هم مضطرون لترضية الأطراف الإقليمية الأخرى ذات التأثير في الوضع السوري.
أما الأهداف الإيرانية، فلا شك في أنها، بالدرجة الأولى، تحويل أكبر كتلة من الشعب السوري إلى اعتناق مذهب الولي الفقيه، لأنهم بذلك يضمنون الطاعة العمياء لسلطته، ويحققون هيمنتهم على المشرق العربي كله، وفرسنته استعدادًا للقفز والتمدد إلى باقي المجتمعات العربية، وهم يسعون لتحقيق هدفهم سواء بشراء الضمائر أو استغلال حاجات الفقراء أو بالتغيير الديموغرافي القسري أو بـ “بروباغندا” المقاومة والممانعة، كل ذلك باسم آل البيت الذين تحوّلوا من أبناء قريش وهاشم إلى فرس، لا ينطقون لغة القرآن العربي. كذلك يرى الإيرانيون أن ضمانتهم الأهم في سورية هو هذا النظام الطائفي الحريص على كرسي المملكة العائلية لآل الأسد. وبالطبع يأملون السيطرة على الأرض السورية كلها، فهناك أجندات اقتصادية بالغة الأهمية تمتد من حقول النفط والغاز الإيرانية والعراقية، وما هو مكتشف في سورية من ثروات بعضها أصبح معروفًا وبعضها الآخر لا يزال طي الكتمان… إلى الوصول لموانئ شرق المتوسط الشديدة الأهمية في موقعها الاستراتيجي.
كما نلاحظ، هناك تقاطع بالأهداف الروسية – الإيرانية، وهذا ما دعا التحالف الإيراني – الروسي إلى التعاون لحماية النظام الأسدي من السقوط، لكنَ لا شك في أن خلافًا ومنافسة أيضًا على الثروات السورية، والموقع الاستراتيجي السوري، موجود أيضًا، والطرفان يعرفان ذلك، كذلك فإن المصلحة الروسية معدومة في تحول إيران إلى قوة عظمى تُمسك بمقادير الشرق الأوسط كله، جاعلة إمكانية الصدام بينهما ممكنة.
أغلب الظن أن إيران لن ترتكب حماقة الصدام الفعلي مع روسيا على الأرض السورية، على الرغم من غطرسة الولي الفقيه وغرور مؤسساته، كما من المستبعد أن تتخذ روسيا موقفًا عدائيًا من إيران على الأرض ذاتها، فكلاهما يدرك أن مثل هذه المواقف قادرة على جلب الأذى للآخرـ وأن حجم الوجود الإيراني على الأرض السورية ليس هيّنًا، كذلك القوة الروسية التي تسللت، شيئًا فشيئًا؛ حتى أصبحت ذات حجم يُحسب حسابه، وأغلب الظن -أيضًا- أن ما يحدث هو مناوشات إعلامية لإظهار العين الحمراء –كما يُقال- كلُ للآخر، للاستحواذ على أكبر جزء ممكن من الكعكة السورية، وما حدث في حلب لم تستطع إيران إلا أن تُسلّم به، وما يحدث في الغوطة ووادي بردى لم تستطع روسيا إلا السكوت عنه، وستدير الدبلوماسية الروسية الحل السوري بما يضمن المصالح الإقليمية لتركيا وإيران والسعودية، دون تهديد المصالح الغربية التي من الممكن التقاطع معها، وقد تعمد إلى “قرصات” عسكرية أو إعلامية هنا أو هناك، دون أن توسع الصدام، وهي مُدركة تمامًا بأن الحل الأمثل هو تقاسم النفوذ بما يُفرض عليهم جميعًا، وقد تجد في الموقف الأميركي الجديد من الاتفاق النووي مادة ضغط ومساومة، وقد تدفع أصدقاءها الآخرين للاستعانة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، وسيكون الشعب السوري في تلك المأدبة الخاسر الأكبر، لكن تلك الديبلوماسية ستراهن على التعب السوري ومشاعر الإحباط التي سيعمل كل الفرقاء عليها؛ لإقناعه بما سيقسمونه له.
الوضع السوري بالغ التعقيد، وتعمل الدبلوماسية الروسية على فكفكة عُقده دون استعجال، ومن خلال مناخ دولي يسمح لها بالعمل المريح ذي النفس الطويل، فهل ستنجح في تلك المهمة، وهل سيقبل الشعب السوري تلك النتائج؟! وهل سيبقى في حال انتظار وضياع، أم سيمسك زمام أمره ويفاجئ الجميع بقلب الطاولة عليهم؟!
المصدر