العالمية، وطموح الكتاب العرب


سحبان السواح

السؤال الذي يراودني دائمًا هو: لماذا لم يستطع أي مبدع عربي في العصر الحديث، باستثناءات قليلة، الوصول إلى العالمية؟ مع العلم أن عددًا لا بأس به من كتابنا مؤهل لذلك. قد يقول قائل ولكن كثير من الكتاب ترجمت أعمالهم إلى لغات أجنبية أخرى. أجيب وبقناعة تامة، أن من ترجمت أعمالهم إلى لغات حية أخرى، قد ترجمت إما عن طريق علاقاتهم الشخصية، أو عن طريق العلاقات الدولية التي تتقارب أحيانًا، وتتباعد أحيانًا أُخَر، ولكن كثيرًا منهم لم يحقق انتشارًا واسعًا وشهرة كبيرة كتلك التي حققها كتاب أميركا اللاتينية في العالم أجمع (ماركيز مثالًا).

السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا؟؟ لماذا ليس لدينا مبدعون يمكن أن يصلوا إلى العالمية، وهل حقيقة أن السبب يعود إلى أننا لا نمتلك مثل هذه الصفات التي تؤهلنا لها، أم أننا محكومون بحصار عالمي، وبرغبة دولية في أن نظل في آخر قائمة الدول المتخلفة. والملفت أن كثيرين من الكتاب غير العرب الذين وصلوا إلى العالمية لم يكونوا من دول العالم الأول، ولا الثاني بل كانوا من دول العالم الثالث، الفرق بيننا وبينهم أننا محاصرون دوليًا، ومطلوب أن نبقى متخلفين، والوصول إلى العالمية، قد يغير في المعادلة المرسومة لنا، لكيلا نصل إلى غايتنا، لأن في وصولنا إلى العالمية سنلفت نظر شعوب العالم إلى أننا لسنا شعوبًا متخلفة، وأن لدينا إمكانات تفوق إمكانات دول أخرى، وأننا نستحق أن نكون في المقدمة ونكون روادًا كما كنا دائمًا.

نحن العرب نفخر في أننا أحفاد أناس استطاعوا السيطرة على جزء كبير من المعمورة، وكانوا عادلين وغير همجيين وحضاريين.. ولكن العالم تكالب علينا، وتخاذل بعض حكامنا فخسرنا مجدنا وعدنا مئات السنين إلى الوراء. وفي حين كنا في فترة تاريخية طويلة -إلى حد ما- نصدر العلم إلى الخارج، إلى تلك الدول التي تسيطر علينا وعلى ما نملك من ثروات طبيعية وبشرية وصولًا إلى قدراتنا الإبداعية والفكرية.

الملفت أن معظم الأدب العالمي، الأدب الذي نال جوائز عالمية، جاء من دول غير أوروبية، وأغلبه من دول أميركا اللاتينية، أو من دول أخرى تشبهنا من حيث الوضع الاقتصادي، وأسلوب الحكم، إلخ. الفرق بيننا أننا نجاور دولة إسرائيل، وهي دولة عنصرية محتلة شاء العالم أو أبى. وإسرائيل تعني الصهيونية العالمية، والصهيونية العالمية تعني أن لا شيء يحدث في العالم إلا برغبتها، وتحت سيطرتها ونفوذها المادي العالمي.

حقيقة الأمر أننا نملك مبدعين يستحقون أن يكونوا في مصاف العالمية، وبخاصة أولئك المولودون في الدول العربية الأفريقية. وهذا لا يعني -طبعًا- أنه لا يوجد كتاب كبار في المناطق الأخرى، ولكني أرى أن من يستحقون البحث عن جائزة عالمية هم أولئك القادمون من أفريقيا.

حقيقة الأمر أننا نملك مشروعات كتاب يستحقون مراتب عليا في الأدب العالمي، لو تسنت لهم ترجمة أعمالهم، والحقيقة -أيضًا- أننا لو كنا في منطقة تحكم ديمقراطيًا لازداد عدد المبدعين ووصلوا إلى مصاف أرقى. ولو كنا نستطيع أن نعترف بالآخر الذي يشبهنا، ونقر له بالأفضلية لكنا وصلنا إلى مراتب مختلفة، ولاعترف العالم بنا وبكتابنا المتميزين.

مشكلتنا أننا نُحكم من أنظمة عسكرية متخلفة، لا تؤمن بأي أدب لا يمجد سلطتها، ولا يكتب عن زعمائها، لهذا طفا على السطح، أدب السلطة وشعراء السلطة وكتاب السلطة، وغاب الكتاب الذين رفضوا الانخراط في مستنقع كهذا، فاختلط الأمر على صغار المفكرين وأنصاف المثقفين، وما عاد أحد بقادر على أن يميز بين ما هو أدب حقيقي، وما هو غير ذلك.

نحن نعيش في منطقة لم تتشكل بعد، ليسس لها كيان حقيقي، نستجدي استحقاقاتنا من الآخرين الأوصياء علينا، لم نستطع في يوم من الأيام -بعد انتهاء الخلافة الأموية والعباسية طبعًا- أن نصنع كيانًا قادرًا على حماية شعرائنا وكتابنا والموهوبين منا عمومًا.. علينا قبل التفكير في أي شيء آخر أن نكون أقوياء، أن نتخلص من حكامنا العملاء، وأن نبني دولة يحترمها الآخرون ويتعاملون معها بندية واحترام، حينئذ، وحينئذ وحسب، نستطيع أن نقدم كتابًا وموسيقيين وشعراء ومخترعين.. ونعود إلى سالف أمجادنا.. دولة كبرى تضاهي ما يماثلها.

هل هو طلب غير مشروع، قد يكون غير مشروع من الدول الكبرى، ومن إسرائيل، وقد أبدو ساذجًا جدًا في مثل هذا الطرح.. ولكن أمام من؟؟ أجيب أمام المتخاذلين المتعاونين مع الدول الكبرى الخاضعين لسلطة الدولة اليهودية.. أليس أكثر حكامنا كذلك؟؟




المصدر