لافروف والمحاصصة بين سليمان ومرتضى


فؤاد عزام

وصفت روسيا رد فعل النظام وإيران على تصريحات وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، التي قال فيها: “لولا التدخل الروسي لكان النظام سقط في غضون أسبوعين”، بأنه يُشكّل إساءة للقوات الروسية في سورية وفي روسيا الأم، وصدر عن شخصيات رسمية تعمل في سورية، بحسب بيان أصدرته قاعدة حميميم الروسية، وعبرت فيه عن أملها في أن يكون رد الفعل خطأ عابر فحسب، ولا يعبر عن فكرة مدروسة ومعدة مسبقًا من أصحابها.

وكان اللواء بهجت سليمان، سفير النظام السابق لدى الأردن وأحد أركانه، قد صرح بأن كلام لافروف هو “سقطة كلام لا أكثر”، بينما قال حسين مرتضى، مدير مكتب “قناة العالم” الإيرانية في سورية وأحد الأذرع الإعلامية المقربة من الحرس الثوري، في تغريدة بهلوانية له: “إنه لولا الجيش السوري و(حزب الله) وصمود سورية لكانت أوكرانيا احتلت موسكو خلال أيام.

هذه الرسائل المتبادلة بين الحلفاء، يبدو أنها تدخل في إطار معلن وجدّي مفتوح، وإن كانت نظرية المؤامرة حاضرة، وهي ليست كلها مغلوطة في أحوال التقلبات الكبرى التي تمر بها القضية السورية، لكن جميع هؤلاء يكشفون أوراقهم الآن، فهم في مرحلة التحاصّ السياسي والاقتصادي , وقد بدأت الصفقات الاقتصادية وتقاسم مناطق النفوذ توقع بين هذه الأطراف، وكلام  لافروف الذي أراد منه تذكير النظام بأن روسيا كانت شرط بقائه، ليس بعيدًا عن البازار السياسي الذي يرمي إلى رفع أسهم الاستحواذ على حصص أكبر من قواعد عسكرية برية في حميميم، مع آلاف الهكتارات من الأراضي المحيطة بها، وقاعدة بحرية في طرطوس.

لقد أزعج الإيرانيين تجاهل لافروف دورهم في منع سقوط النظام، فهو يجعل أسهمهم في البازار أقل مما يرغبون، وهم لطالما ذكروا النظام من خلال (حزب الله)، ومن خلال إعلان حجم خسائرهم البشرية والمادية، بأنهم أنقذوه من السقوط، لكنهم يريدون كما الروس، استنزاف النظام لطاقات البلاد أكثر، ثمنًا يقبضونه مقابل حمايته ومنع سقوطه، وهذا الثمن بالنسبة إليهم هو ميناء نفطي وعقود مشغل خليوي ومناجم الفوسفات.

كان الهدف من استثمار الإيرانيين في النظام جعل البلاد سوقًا اقتصادية سياسية، فهم يريدون أن تكون مناطق النفوذ التي هي عمليًا مناطق اشترتها من النظام مقابل منع سقوطه، هي إحدى مرتكزات مشروعها التوسعي في سورية، كما في العراق ولبنان، بعد أن عملت على تغيير الطابع الديمغرافي في هذه المناطق تغييرًا تخريبيًا.

لا يملك النظام في سورية الآن سوى صفة “شرعية” رسمية، تتيح له توقيع العقود بالإكراه أو بالقبول، ويدرك الروس والإيرانيون أن تلك الشرعية لن تستمر طويلًا، فهي شكلية وليس لها مرتكزات وجذور في الأرض السورية، ولهذا تعمل روسيا على الضغط السياسي من خلال تصريح لافروف، والضغط الميداني من خلال سحب بعض أسلحتها الاستراتيجية، وكذلك تعمل إيران من خلال تعزيز سيطرتها على مناطق في البلاد، كانت استفادت من الدعم الجوي الروسي في السيطرة عليها.

تبدو روسيا -الآن- في طرف، والنظام وإيران في طرف آخر، لكن لا يعني ذلك، بالضرورة، وجود خلافات بين هؤلاء، بقدر ما هو تباين ما قبل تقاسم الغنائم، لرفع سقف المطالب، فهم يرون أن خطر سقوط النظام في المستوى المنظور قد زال، وإن المحاصّة يجب أن تكون متناسبة مع الجهد الذي وظفه كل طرف، فالنظام لم يعد باستطاعته أن يقدم للجانبين على الأرض أكثر مما قدمه، ولم يعد لديه سوى “شرعية” سياسية تحميها قوة السلاح، والروس يريدون حصة من هذه “الشرعية” تتناسب مع ما قدمته آلتهم العسكرية من قتل وتدمير، وفي الوقت نفسه يريدون الظهور بمظهر دعاة تسوية سياسية، فيما الإيرانيون يريدون حصة متناسبة مع مناطق نفوذهم في البلاد، وهم معنيون أكثر بالحل العسكري كالنظام.

النظام سيعمل على تعزيز “شرعيته” التي تهددها أي تهدئة شاملة، لأنها ستعني بالنتيجة بداية نهايته طال الزمن أو قصر، وسيكون ذلك من خلال تخريبه التهدئة بتصعيد عسكري، مستخدمًا تنظيم الدولة “داعش” ذريعة في ذلك، فيما يظهر أن هذا التنظيم سريع الاستجابة لمطلب النظام، فهو كان شريكًا في منع سقوطه مع الروس والإيرانيين.

تمر القضية السورية الآن، بأخطر مراحلها، فهي أمام منعطف، أبرز المتحكمين بمفاصله هم الأطراف الممسكة بالأرض بقوة السلاح، وإن بدا الروس أكثر استحواذًا على القرار السياسي إلا أنهم الأضعف ميدانيًا، بحيث يتجاوزهم مستوى التنسيق بين النظام وإيران، وهذان الطرفان يعملان على أن تكون محاولات اقتحام وادي بردى، الآن أنموذجًا ورسالة ميدانية، تُضاف إلى رسالتي بهجت سليمان وحسين مرتضى، لما ستكون عليه حال أي تهدئة يعمل عليها الروس، وتُهيئ لعملية سياسية قد تقلص من صلاحيات بشار الأسد.




المصدر