نازحٌ من حلب يبيع ابنه بـ 100 دولارٍ في مخيمات الشمال


عبد الرزاق الصبيح: المصدر

حتى جيرانه في خيمة الشتات لم يصدقوا أن “أبا محمود” القادم الجديد من حلب المهجّرة قد يقدم على بيع فلذة كبده مقابل ليراتٍ معدودة، يسكت بها ظمأ وجوع من بقي لديه من أطفال.

هي ليست قصّة قصيرة أو فلم تراجيدي من وحي الخيال، إنها قصة حقيقية لوالد عجز عن تقديم الطعام له ولإخوته، فقام أمس الأحد (21 كانون الثاني/ يناير) ببيع ابنه لنازحٍ آخر، يبدو أن الخالق حرمه من نعمة الأطفال.

كان أبو محمود قد نزح من مدينة حلب، مع النازحين إلى مخيمات الشمال السوري في ريف إدلب ضمن تسوية قضت بخروج مئات آلاف العائلات من حلب الشرقية، بعد حرب ضروس اشتركت فيها ثاني أكبر قوّة عالميّة، واستخدمت فيها أحدث طائراتها وأقوى سلاحها، مع طيران نظام بشار الأسد، والميلشيات التي تتبع له، ونزح إلى ريف ادلب الشمالي، وسكن في مخيم الكرامة، والذي توقّع فيه طيب الإقامة، ولكنه وجد أن ليس لاسمه منه نصيب.

يجتمع النّزوح والفقر والتشرد مع هموم الحرب، وفقدان المنزل دفعة واحدة على “أبي محمود”، وبعد أن عجز الوسيلة، في إيجاد مصدر رزق لعائلته، وبعد أن كان يهرب من الإجابة عم سؤال حاجيات أولاده، يتّخذ القرار.

رغم صعوبة الأمر ومرارته، لكن الجواب كان نهائياً، فقد تم اتخاذ القرار ببيع الولد، لم يكن الأمر بالسّهولة، ولكنها الحقيقة المرّة، قصّة تضاف إلى آلاف القصص المأساوية اليومية، التي تحصل في سوريا.

وكان قد قبض ثمن ولده الصغير وفلذّة كبده وابن لحمه ودمه، ليرات قليلة لاتسمن ولا تغني من جوع، واتفق مع شخص نازح آخر من ريف حماة، على بيع الولد وطلب منه مبلغاً بالليرة التركيّة وكان وقع الحدث كبيراً في المخيم والمنطقة، واستدعت الحادثة تدخّل شرطة المخيم، للتحقيق من الموضوع، وتوصيف الحادثة.

رئيس مخفر مخيم الكرامة، وفي حديثه لـ “المصدر” قال: بعد وصول بلاغ لمخفر المخيم، توجّهنا لخيمة (أبو محمود) من أجل الاستماع لإفادته وتنظيم ضبط، لم ينكر الوالد بيعه لولده، وقال بأنه بالفعل تم بيع الولد بمبلغ (300 ليرة تركية).

يفقد رئيس المخفر القدرة على موازنة الأمور في هذا الواقع الأليم، فالرجل الحلبي كان مخيراً بين موت أبنائه جوعاً وبين أن يفتدي بأحدهم الآخرين، فيقول إن “الدواعي لبيع الولد كانت هي الحاجة للمال، حسب اعترافات والده، وأن أحواله المادية صعبة جداً، وهو غير قادر على الإنفاق على العائلة”.

وفي جوابه عن الإجراءات المتّخذة، قال رئيس مخفر مخيم الكرامة، نحن بدورنا، بعد استكمال الإجراءات، قمنا بإحالة الشّخص إلى القضاء في الشمال السّوري، ليبتّ في الأمر.

وعلى الرغم من وجود عشرات المنظّمات الدولية، إلّا أنها تبقى عاجزة عن مساعدة مئات الآلاف من العائلات، التي تسكن في مخيمات الشّمال السوري، وخاصة مع تدفّق آلاف العائلات من المهجرين من مختلف المناطق السّورية، ضمن السياسة التي يتّبعها نظام الأسد، لتهجير السوريين إلى منطقة جغرافية صغيرة جداً.

لم يكن ثمن الطفل رقماً مجرداً فقط، وإنما هي ثمناً للإنسانية التي تم بيعها مرات ومرات في سوريا، ولربما لن تكون قصة بيع والد لولده الأخيرة، ربما تبعها قصص أكثر مأساوية، كما يقول أغلب السّوريين، ولكن يختلف فيها المكان والزمان، على مدى سنوات من الحروب في سوريا، والتي أصبحت فيها المكان الوحيد في العالم لتصفية، حسابات القريب والبعيد، على حساب الدم السّوري.





المصدر