on
المعارضة وإسرائيل وخطأ بحجم الفضيحة
هوازن خداج
عقود التهميش والقمع الممارس من النظام السوري كان لها أثرها في أي فعل سياسي، فالاختلاف والتباين في القناعات والمنطلقات التي تحملها المعارضة، وعدم تبلور معارضة جماهيرية فاعلة قادرة على إدارة الأزمات الحالية، فتح الباب على مصراعيه أمام تسلق بعض أطياف المعارضة السورية الغارقة في حالة من التطرّف والتبعية للدول الداعمة التي لم تعمل إلا على مراكمة الأخطاء؛ بحيث لا يمكن ردّها -بعد نحو ست سنوات من التدمير شبه الشامل لسورية- إلى معاناتها من قمع النظام، وإنما إلى قصورها في فهم وسائل حل الأزمة التي فاقت الأزمات في تعقيداتها وتداخلاتها الإقليمية والدولية، ومن ثَمّ؛ عجزها عن تقديم مشروع إنقاذي متكامل لما تبقى من سورية، وانحصرت فاعليتها بالاجتماعات واللقاءات والتنافسات والارتجالات الإعلامية لشخصيات تضع نفسها في مصاف المعارضة، وتسيء إلى جوهر المعارضة السورية البناءة، لتشكّل خدمة كافية لاستمرار النظام وكسبه أصواتًا إضافية من شرائح عديدة في سورية، كانت قد أيقنت أن هذا النظام يجب ألا يستمر.
بعض شخصيات المعارضة تجاوزت المخرج الوحيد والصحيح للأزمة في سورية، وهو الالتحام بالشعب؛ لأنه الأقدر على حفظ مشروعه ومصالحه وتسييج وطنه، وعدت الحل –بالمطلق- سيتم خارج الحدود، أو بالتدخل الدولي؛ وصولًا إلى الاستجارة من “الرمضاء بالنار” والاستغاثة بالكيان الإسرائيلي لإسقاط النظام، أو الطلب منه إقامة منطقة عازلة تكون بمنزلة “كانتون” لهم، وهو ما اقترحته شخصيات محسوبة على المعارضة، وبحسب صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، فإن المعارضَيْن: عصام زيتون (الذي قدّم نفسه ممثلًا عن الجبهة الجنوبية في الجيش الحر، في مؤتمر هرتسليا للأمن القومي الإسرائيلي في 16/ 6/ 2016) والكاتب سيروان كاجو، في زيارتهما لمعهد ترومان التابع للجامعة العبرية في القدس الثلاثاء الماضية، تحدّثا باسم “المعارضة” عن الأزمة السورية، وعن اقتراح إقامة منطقة آمنة على طول الحدود مع إسرائيل في منطقة الجولان المحتل، وأن دور إسرائيل هو “تشكيل غطاء سياسي للمعارضة وإقناع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بمساعدتنا في إقامة المنطقة الآمنة، وإنشاء منطقة حظر طيران في الجولان”؛ بحيث تخدم الطرفين “المعارضة، وإسرائيل”، وتبعدهما من تهديدات النظام وحزب الله، هذا الكانتون أو الدولة الآمنة للمعارضة، كان قد طالب به منسّق ما يسمى “جبهة الإنقاذ الوطني في سورية”، فهد المصري، عبر بثّه شريط فيديو، يطلب فيه “الدعم من تل أبيب لإسقاط النظام وإنقاذ المعارضة من هزيمة كبيرة”، وفي حديثه للقناة “i24 news” الإسرائيلية عدّ المصري أن المناشدات لجميع الأطراف الإقليمية والدولية، ومن بينها إسرائيل، واجب أخلاقي، أما الحقوقي والسياسي “خالد خلف”، فقد بادر في مقابلة خاصّة مع قناة “i24 news” إلى تقديم شكره باسم المعارضة على “الفعل الإنساني الرائع” في الهجوم العسكريّ بالقرب من مطار المزّة العسكري قرب دمشق، مؤكدًا أنه في حال تكرار الهجمات ستنتصر المعارضة؟!.
التهافت نحو إقامة علاقة ودّية مع اسرائيل، ليس جديدًا بالنسبة لبعض الشخصيات المعارضة التي وضعت نفسها في خندق واحد مع دولة الاحتلال، إضافة إلى علاج جرحى النصرة وداعش في مستشفيات إسرائيل. فالقياديّ السابق في الائتلاف، كمال اللبواني، حلّ ضيفًا على تل أبيب التي لقّبته بمانديلا سورية، وطالبها بالتدخل العسكري عن طريق مقايضة “يتم بها التخلي عن الجولان”، مقابل إقامة منطقة للمعارضة محمية بسلاح الجو الإسرائيلي، فضلًا عن لقاءات أخرى بين شخصيات معارضة ومسؤولين إسرائيليين نافذين، فالتأكيد على ضرورة العلاقة مع إسرائيل وعدّها “مصلحة لسورية”، في تعامٍ عن أن إسرائيل هي سبب رئيس في الويلات والنكبات التي أصابت المنطقة، وأن عداء السوريين للكيان الإسرائيلي ليس ناتجًا عمّا تبنّاه النظام في ما يسمى “محور الممانعة”، وإنما مرافق لنشوئه غير الشرعي فوق أرض عربية، والأهم هو تجاهل الرغبة الإسرائيلية الواضحة في امتداد أمد الصراع في سورية، دون حسمه لصالح أحد الأطراف، وتجاهل طموحها وهدفها الأساسي في تفكيك المنطقة إلى دويلات طائفية واثنية.
سورية التي تحوّلت ميدانًا للتنافس والتناغم بين الدول العظمى والإقليمية المتغلغلة في الحدث السوري، وباتت تتحكم به وتُقرر نتائجه، وغرقت في استباحة للدماء والحدود، لم تعد أكثر من مستعمرة تتجاذب أطرافها احتلالات طوعية وقسرية، أنتجها صراع عبثيّ بين نظام رهن البلد “لإيران وروسيا” وبين قوات متعددة الولاءات الخارجية، يواكبها احتلالات ميليشياوية موالية لهذه الدولة أو تلك، إضافة إلى استباحتها من بقية الدول المشاركة في التحالف الدولي لقتال تنظيم “داعش” وإنشائها لقواعد جوية أو متعددة الأغراض، كالقاعدة الجوية الأميركية في منطقة الرميلان التي تأسست لتقديم الدعم العسكري للميليشيات الكردية، والقاعدة العسكرية الفرنسية بالقرب من عين العرب، وكذلك القاعدة الألمانية في المنطقة ذاتها، وجاءت فكرة المنطقة الآمنة بدعم إسرائيلي؛ لتتمم صورة الاستباحة المهينة!.
بعيدًا عن تمثيل هذه الشخصيات للمعارضة، فاستخفافها بالمشروع الوطني السوري، والركض خلف التشبيك السياسي والأمني مع إسرائيل “دولة التطهير العرقي”، أعطى الماكينة الإعلامية “النظامية” القادرة على الاستفادة من كل “شاردة وواردة” هدفًا مجانيًا لتأكيد دورها في حماية هذا الشعب من كيد المؤامرات التي تريد تفتيت “منعة وطنه”، واستبدال هويته وهوية المنطقة؛ لإحياء مشروع إسرائيل، وأرض ميعادها في المنطقة.
مفهوم النفعية الذي تطور لدى هذه الشخصيات المحسوبة على المعارضة لرؤية إسرائيل مخلّصًا، بحيث لا تتردد في الاستغاثة بها، وعدّها شريكًا فعليًا لها، يعدّ فوزًا تاريخيًا للهوية الإسرائيلية، وإجحافا بحق المعارضة جميعها، علاوة على تقديمه خدمة جليلة للنظام، وهو خطأ بحجم الفضيحة نتيجة تجاهله للذهنية السورية، فمكافحة الاستبداد والعيش في وطن حر ومتحرر لا تعني قبول الاحتلال، وقرار التطبيع مع إسرائيل مستقبلًا ليس مجرد قرار تتخذه الأطراف المعارضة، فهو أيضًا قرار شعبي يجب أن يُتخذ بإجماع السوريين، وهو الحد الأدنى من الاعتراف بحقوقهم بعد كل ما دفعوه من دماء.
المصدر