on
بسبب ظروف العيش الصعبة بمراكز الإيواء بألمانيا.. لاجئون يفضلون العودة لسوريا
رحلت أم ماجد (اسم مستعار) رفقة ولديها إلى ألمانيا قبل حوالي سنة نصف. وكما هو الشأن بالنسبة للعديد من اللاجئين السوريين، فقد كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر، حيث استطاعت الوصول إلى برلين دون زوجها، وهي تعيش هناك في مركز لإيواء اللاجئين.
لم ينصع الزوج القابع في العاصمة السورية دمشق لموقف زوجته التي فضلت مغادرة سوريا بسبب الحرب ومن أجل حياة أفضل لها ولأبنائها كما قالت: "من أهم الأسباب التي جعلتني أقرر الرحيل عن سوريا هو عدم الاستقرار والخوف من الموت المحتم. زوجي رفض ذلك وأراد البقاء في دمشق بالرغم من الصعوبات التي يواجهها هناك." أم ماجد تنظر اليوم إلى الأمور برؤية أخرى، حيث إنها تريد العودة نهائياً إلى دمشق.
وجوابا على سؤال عن سبب قرارها هذا تقول السيدة أم ماجد: "لم تأت دوافع قرار الرغبة في العودة إلى دمشق محض الصدفة، لقد أخذت القرار مع زوجي المقيم في دمشق والذي أتواصل معه بشكل مستمر. الحياة هنا صعبة سيما مع الإدارة ناهيك عن الظروف المعيشية في مركز الإيواء وغياب الأب ودوره المهم في تربية الأطفال."
يبلغ ماجد من العمر 14 عاماً، وقد بات اليوم، كما تصرح والدته، "بدون رقيب"، حيث أصبح متمرداً على والدته وأضحى يقضي يومه في الشارع مع أنداده أو مع شباب أكبر سناً.
وإن كانت والدة ماجد قررت العودة إلى دمشق الآمنة، كما تقول، حيث إن زوجها في انتظارها، فإن عودة العائلة إلى أرض الوطن لن تكون مكتملة، واسترسلت قائلة: " لن أعود مع ابني الأكبر ماجد. أرى أن حياته هنا في ألمانيا أفضل بكثير من سوريا. وهناك فقد يُجبر ماجد على دخول الجندية أو قد يتم استقطابه من قبل مجموعات مسلحة، لذا قررت مع زوجي أن نتركه هنا كي يستفيد من التعليم والتكوين".
و تلقت أم ماجد بعض الإرشادات القانونية من مكتب الطفولة والشباب بخصوص إمكانية ترك ابنها في برلين. وهي تقوم حالياً بالترتيبات الأخيرة قبل الرحيل إلى زوجها في دمشق، مثل إعادة الهوية الألمانية إلى شرطة الأجانب وإبلاغها بمغادرة الأراضي الألمانية وحجز تذكرتي السفر بالطائرة لها ولابنها الأصغر إلى بيروت ثم تنظيم الرحلة براً من هناك إلى دمشق.
وتضيف: "إن قرار ترك ابني هنا بعيداً عن العائلة لم يكن أمراً هيناً، أنا حزينة جداً، لكن مكانه المناسب هو هذا البلد". وما كادت أم ماجد تنطق بهذه العبارات حتى انهمرت الدموع من عينيها وهي تقول: "هذا مصيرنا نحن السوريين من هذه الحرب المجنونة التي مزقت العائلات وشردتها في أنحاء المعمورة."
مصير عائلة السيد إبراهيم في برلين لا يختلف كثيراً عن مصير عائلة أم ماجد. فأسرته تعيش بكل أفرادها في مركز إيواء بالعاصمة الألمانية، غير أن السيد إبراهيم لا يرى تحسناً في مسار حياته هناك.
الحياة في مركز الإيواء الذي يعيش فيه مع زوجته وثلاثة من أبنائه الصغار لا تطاق، "ليس هنالك من حياة خاصة" ثم يضيف قائلاً: " نتحرك هنا في فضاء ضيق بين العشرات من الغرباء. لدينا غرفة واحدة، وبقية الأماكن تشبه غرف حمامات جماعية، وكثيراً ما تكون وسخة".
ويسهم في وضعه الصعب هذا التحركات المستمرة من إدارة إلى أخرى وضعف الدخل من أجل العيش بشكل مريح. إن كل ذلك دفع بعائلة إبراهيم للتفكير في العودة إلى سوريا.
وكان السيد إبراهيم يعمل في سوريا كتاجر لقطع غيار السيارات، لكن تدهور الوضع الاقتصادي جراء الحرب جعل إبراهيم يترك سوريا نحو برلين.
التفكير في عودة إبراهيم إلى سوريا انطلق أيضاً من خلفيات مادية وأمنية، حيث إن "أخي الأكبر الذي استلم متجري أخبرني عن وجود تحسن نسبي في مداخيل المتجر في الآونة الأخيرة، كما أن الوضع الأمني في دمشق يدعو للاطمئنان".
ويرى الأب الأربعيني أن وجود أبنائه الثلاث في سوريا بين جميع أفراد العائلة الكبيرة أمر هام جداً.
وأكد السيد إبراهيم على أهمية ترعرع أطفاله في جو عائلي في سوريا، كما ألمح إلى وجود تخوفات لديه من تربية أطفاله وسط تقاليد غربية بعيداً عن تقاليده العربية والإسلامية. وعلى غرار أم ماجد فقد بدأ هو الآخر بالقيام بالترتيبات الضرورية، حيث أشعر الدوائر الألمانية بنيت العودة النهائية إلى سوريا عبر لبنان.
"يفرض علينا القانون الاجتماعي التصرف فوراً في حالة وجود رغبة لدى العائلة للتخلي عن أبنائها لسبب ما" هكذا شرع السيد "بوك لسكين" نائب مدير مؤسسة حماية الطفل كلامه للتأكيد على أن القاصرين من بين اللاجئين السوريين يشملهم أيضاً القانون الاجتماعي القائم.
وذكر المتحدث أن ظاهرة تسليم أولياء لأبنائهم القاصرين إلى مكاتب الطفولة والشباب أو إلى مؤسسة حماية الطفل تظل ظاهرة محدودة، ثم يضيف المرشد الاجتماعي قائلاً: "وهنا يتوجب علينا التحرك فوراً من أجل توفير مكان مناسب وآمن للطفل أو للشاب".
المكان المناسب كما ذكر لنا السيد "بوك لسكين"، يتمثل في ضرورة توفير مبيت للأطفال أو لعائلة تريد تربية الأطفال، وكل هذا يتم برقابة مكثفة من لدن مكاتب الطفولة التي تقوم بتمويل كل متطلبات الطفل حتى سن الرشد.
وفي هذا السياق أفادنا السيد "مرات أرسلان" من مؤسسة مجلس اللاجئين في برلين بأن ظاهرة عودة السوريين إلى وطنهم ليست جديدة، إلا أن نسقها أصبح سريعاً خلال الأشهر الماضية، كما حصل بالنسبة للعراقيين في السنة الماضية.
وحول الدور الذي يمكن لمؤسسته الاضطلاع به فهو يؤكد أنه لا يتعدى النصيحة والاستشارة ثم يضيف قائلاً: "ما نؤكد عليه للسوريين هو أن الوضع الأمني في بلادهم لا يزال خطيراً ويهدد حياتهم وعليهم ألا ينجروا إلى أبواق دعاية النظام.
كما نتطرق في كلامنا إلى مستقبل الأطفال في ألمانيا عبر التعليم والتأهيل لأبنائهم من أجل حياة أفضل...".
لا يمكن لهذه المؤسسة غير الحكومية منع الأشخاص من السفر. وكل ما يمكن لها فعله هو تعريفهم بالمخاطر التي قد تلحق بهم في وطنهم.
ويضيف السيد "أرسلان" حول تمويل سفريات العودة قائلاً: "ليست هنالك أية مؤسسة سواء كانت حكومية أو غير حكومية تتحمل تكاليف السفر ولذلك يعمل بعض أرباب العائلات على توفير بعض المال وتوظيفه من أجل العودة إلى سوريا".