حسام ميرو يكتب: «أستانة».. معطيات جديدة وأسئلة معلقة


حسام ميرو

يطمح السوريون بعد كل الذي شهدته بلادهم، خلال الأعوام الماضية، إلى رؤية بارقة أمل في المسار التفاوضي، وحدوث وقف إطلاق نار يشمل كل الأراضي السورية، وهو ما ترمي إليه المفاوضات التي تعقد برعاية أساسية من روسيا، في «أستانة»، عاصمة كازاخستان، وهي المفاوضات، التي أتت بعد حدث مفصلي في تاريخ الصراع السوري، فخروج الفصائل المسلحة من مدينة حلب، أتاح للروس الضغط على قوات النظام وفصائل إسلامية كبرى للذهاب إلى طاولة المفاوضات.
يطمح الروس فعلياً إلى تثبيت وقف إطلاق النار، بحسب تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، واختبار مدى الجدية للطرفين التركي والإيراني في دعم جهود التهدئة، وتوفير مناخات ملائمة للمرحلة المقبلة، تتعلق بالمسار السياسي، وهي المهمة الأصعب في الملف السوري، فما زالت المواقف بين الأطراف الإقليمية متباعدة، بخصوص آليات الانتقال السياسي، والأطراف التي يمكن لها أن تشارك في الحكم.

الإيرانيون من جهتهم، وعلى لسان وزير خارجيتهم، استبقوا مفاوضات «أستانة» بالدعوة إلى «خفض التوقعات»، وهو ما يعكس في العمق عدم الرضا عن المنجز الروسي، خصوصاً لجهة التفاهمات التي أنجزتها موسكو مع أنقرة، وجعلت من روسيا «بيضة القبان» في الميزان السوري، وأعطتها القدرة على التحرك بمرونة أكبر، خصوصاً بعد أن جرت لقاءات عدة بين الروس وقادة فصائل إسلامية مسلحة في تركيا؛ حيث تسعى موسكو إلى بناء اصطفافات واضحة في القوى العسكرية، انطلاقاً من القرارات الأممية المتعلقة بتصنيف المنظمات الإرهابية؛ بحيث تكون الفصائل المسلحة نفسها جزءاً من عملية مكافحة الإرهاب.
ضمن هذه المعطيات الجديدة، ثمة قبول ضمني من قبل معظم القوى السياسية المعارضة السورية للدور الروسي، انطلاقاً من المعطيات التي فرضتها معركة حلب، وانحسار التعويل على استمرار المواجهة العسكرية، والرغبة في أن تلعب روسيا دوراً مهماً في تقليص الدور الإيراني، والضغط عليها مستقبلاً من أجل إخراج قوات «حزب الله»، وباقي الفصائل العراقية، التي شاركت بالقتال إلى جانب النظام السوري، تحقيقاً لأهداف استراتيجية إيرانية، تتجاوز في طبيعتها دعم نظام الأسد.
لكن قوى المعارضة السورية ترى أيضاً أن مفاوضات «أستانة» رجّحت وزن القوى العسكرية على القوى السياسية، كما رجّحت كفة الإسلاميين على باقي التيارات الديمقراطية والليبرالية والعلمانية، وأن الأمرين لا يصبان في مصلحة بناء تصوّر واضح عن عملية الانتقال السياسي، كما أنه من شأنهما أن يؤثّرا على مستقبل سوريا، وقد يفرضان تسوية تقوم على المحاصصة بين النظام والقوى الإسلامية، هدفها تقاسم السلطات، وليس إيجاد حلول سياسية مستدامة.

لقد أيّدت «الهيئة العليا للمفاوضات» مؤتمر «أستانة»، رغم أنها لم تُدعَ له، لكن هذا التأييد يعكس حالة تذمر من تغييب القوى السياسية عن المفاوضات، أكثر من كونه تأييداً حقيقياً، فهذه الهيئة التي تشكلت لتقود المفاوضات ترى نفسها اليوم خارج المعادلة، وهو ما ينطبق أيضاً على وضع «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»؛ حيث يعيش ظروفاً صعبة، ويشهد استقالات من أعضاء بارزين، وسجالات حول فشله في أن يكون مظلة جامعة للقوى المعارضة، إضافة إلى انقسام ولاءات قوى أساسية فيه بين دول إقليمية مختلفة.

وفي إطار هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم، حول موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الدور الروسي؛ حيث بدا واضحاً أن الروس والأتراك يحاولون تثبيت مكاسب سياسية قبل أن تبدأ دورة العمل الفعلية للإدارة الجديدة، وقد اكتفت هذه الإدارة بالإيعاز إلى سفيرها في أستانة بالمشاركة في المحادثات .
اللاعبون الإقليميون والدوليون كافة يعلمون تماماً أن إنجاز أي تطور مهم وراسخ في الملف السوري، لا يمكن أن يحدث دون موافقة الإدارة الأمريكية على مخرجات التفاوض، وما سيليها من خطوات، خصوصاً أن الروس يطمحون إلى إيجاد شرعية أممية من خلال مجلس الأمن لعملية وقف إطلاق النار، وهو ما سيحتاج إلى بحث بين الجانبين الروسي والأمريكي.

ورغم وجود نقاط استفهام عديدة حول حظوظ مفاوضات «أستانة» في إنجاز وقف إطلاق نار شامل، تتعلق بإمكانية معظم الأطراف على خلط الأوراق، وخصوصاً الميدانية، إلا أنها تعكس سقوط وهم الحل العسكري بشكلٍ نهائي، الذي وقف، خلال السنوات الماضية، في وجه بلورة الحل السياسي، الذي كان بإمكانه وقف الاقتتال السوري، والحدّ من الأثمان الباهظة، التي دفعها السوريون، ومن التمزّق الذي عرفه النسيج الاجتماعي والوطني، وهو ما سيحتاج أن يؤخذ بالحسبان في أية مفاوضات سياسية، فما هو مطلوب ليس فقط وقف إطلاق النار، بل ترميم ما مزّقته الحرب من تعايش للمكونات مع بعضها بعضاً.

المصدر: الخليج

حسام ميرو يكتب: «أستانة».. معطيات جديدة وأسئلة معلقة على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا