مفارقات ومحدودية حركة في محادثات أستانة


الأنوار

موسكو تستعجل السير على طريق طويل متعرّج ومملوء بالعقبات فوق خارطة الأزمة السورية. والانطباع السائد هو أنها تتصرّف كأن البعد الاستراتيجي من دورها العسكري في حرب سورية اكتمل بعد معركة حلب. فلولا الإصرار الروسي لما جرى إعلان وقف النار، بصرف النظر عن الخروق اليومية في أكثر من مكان. ولو لم يكن الاستثمار السياسي في وقف النار يخدم أكثر من طرف لما ذهب أحد إلى أستانة عاصمة كازاخستان التي اختارها الرئيس فلاديمير بوتين مكانًا لمحادثات بين النظام وفصائل معارضة مسلحة، حيث الحرارة درجات تحت الصفر.

ولا أحد يتوقع قفزة نوعية في المحادثات. ولا شيء يحجب المفارقات فيها. فالدول الثلاث الضامنة لوقف النار، روسيا وتركيا وإيران، مشاركة مباشرة في القتال، ولو تحت عنوان الحرب على الإرهاب واستثناء داعش وفتح الشام من وقف النار. وهي ليست على موقف واحد متكامل من الواقع الحالي في سورية كما من مستقبل البلد. وفد النظام ضد تركيا ودورها المباشر وغير المباشر عسكريًا وسياسيًا. وفد المعارضة ضد إيران ودورها المباشر وغير المباشر عبر الميليشيات المرتبطة بها ومشروعها الجيوسياسي الذي تمثل سورية حلقة مهمة فيه. وما يحلم به الوفد ويطلبه هو أن تمارس موسكو دورًا محايدًا يرى أن دمشق وطهران تعرقلانه.

فضلًا عن أن اللعبة التي أدارها طويلًا الرئيسان بوتين وباراك أوباما وكان فصلها الأخير اتفاق الثنائي كيري – لافروف توقفت بسبب مناورات الطرفين وصدام مصالحهما. فالجانب الروسي طلب في الاتفاق مع الوزير جون كيري ما اعترض عليه البنتاغون بوصفه معلومات حسّاسة، والجانب الأميركي لم يكن قادرًا ولا راغبًا في إقامة فصل كامل بين مواقع المعارضة المعتدلة ومواقع داعش وفتح الشام. وهكذا انهار الاتفاق وأعلنت موسكو إغلاق أقنية التفاوض والحوار مع واشنطن، وبالتالي انتهت الرعاية الأميركية – الروسية لوقف النار والمحادثات السياسية. ولم يكن التفاهم مع تركيا، بعد أزمة عنيفة، وبالطبع مع إيران على ضمان وقف النار ورعاية محادثات أستانة سوى بدل من ضائع هو الدور الأميركي. وهذا ما تأمل موسكو في العودة إليه بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وأقصى ما يمكن أن يخرج من محادثات أستانة هو تثبيت وقف النار وإيجاد آلية لمراقبة الخروق بضمان موسكو وأنقرة وطهران. والباقي كلام عام على مبادئ لتسوية سياسية يتم البحث فيها خلال شباط المقبل في مؤتمر جنيف بإشراف الأمم المتحدة من دون ضمان شيء. فلا وقف النار يمكن أن يصبح شاملًا ما دام داعش وفتح الشام على الأرض. ولا الخيار السياسي يصير جديًا ما دام الرهان مستمرًا على الخيار العسكري.

(*) كاتب لبناني




المصدر