الثوب الشيشاني… ذكريات قبل سقوط حلب


هشام أسكيف

تحوّلت سورية، مهد الحضارات، إلى سلة مهملات، حيث تدفع دول العالم بكل القوى التي تؤرق أمنها؛ لتتخلص منها في سورية، وتخلق –تاليًا- أسبابًا موضوعية للعزوف عن للتدخل، أو للتدخل وفق ما تراه ملائمًا.

“الشيشانية” رمز لتحوير الهم الوطني المتمثل بالتخلص من استبداد آل الأسد، إلى همّ عالمي “إسلاموي” عنفي بطبعه، يحمل بذور فنائه، ويحمل عدمية لا محدودة في التصورات، وصفرية في الحلول، منتجًا لكوارث ومنتجًا لأزمات.

ظهرت “الشيشانية”، طوق نجاة للنظام، وهو ثوب لبسه المهاجرون. ومع ظهورها تحوّل رمز علم الاستقلال، علم الثورة، إلى علم الكفر وراية علمانية، ومخطط سايكس بيكو، وتحولت صورة هاشم الأتاسي التي وُضعت في أحد الملصقات المُمجّدة للآباء المؤسسين ورجال الاستقلال، إلى تهمة الترويج للعلمانية.

مع ظهور “الشيشانية” بدأت أهداف الثورة بالانتقال إلى تحكيم شرع الله، وكأن مشكلتنا مع نظام الأسد الإجرامي كانت في منعه لنا من ممارسة شعائرنا، ومن ثَمّ؛ كل رغبة بالقوننة أو ضبط بالقانون تصطدم بتهمة: علماني، راية الكفر. وليس بالمصادفة أن تشارَك النظام وهؤلاء العداء لعلم الاستقلال، رمز الثورة.

قدِم هؤلاء أيضًا لـ “محاربة الحلف الصليبي”، وبذلك تساوى النظام مع هؤلاء الذين أعلنوها حربًا مقدسة، كما أعلنتها إيران و(حزب الله) والنظام، وتاليًا روسيا الأرثوذكسية، وثالث الأهداف التي أتوا من أجلها هو إدارة التوحش، والمال السياسي القذر.

تحولت إدارات الدولة لديهم إلى عدو يجب القضاء عليه، وعلى أي محاولة لإعادة إنتاجها، فأي إدارة تُعنى في تنظيم شؤون الناس على الأرض المحررة، هي إدارة تريد بناء دولة، وبناء الدولة يفترض ضمنًا عداءهم.

أما “المال السياسي القذر”، وهي العبارة التي يحلو لهم أن يرفعوها في وجهك كلما لاح لهم خسران المنطق العام، وكأنهم طاقم من الملائكة، أرسلوا على جناح السرعة لإنقاذك من براثن المال السياسي القذر، وكأنهم لم يقوموا أنفسهم بالسيطرة على مكامن النفط والغاز والمعامل في حلب؛ وتفكيكها وبيعها كان مباحًا؛ لأن التأسيس لهذا الفعل جاء من خلال مفهوم الغنيمة الكارثي.

لم تكن المقاومة الثورية في أثناء التحرير مقاومة معدومة الهدف، بل كانت هناك أهداف وطنية تُحركها، وليس ببعيد الفيديو الشهير للعقيد يوسف الجادر (أبو فرات)، وهو يتمنى لو أنه لم يضطر لتدمير دبابة للنظام، فهي ملك للشعب، غير أن تجربة المقاومة الثورية لم تكن ملائكية، بل كانت تجربة لها ما لها وعليها ما عليها، ولكن يُحسب لها رغبتها وقدرتها إلى حد ما على المحافظة على الدولة بمالها العام والخاص.

حولت “الشيشانية”، المفهوم الوطني إلى أممي، عبر تغيّر المظهر الخارجي إلى مظهر له دلالات عابرة للأمم، وعابرة حتى للأوطان. فكر الغنيمة الذي أتى به هؤلاء حوّل المال العام إلى غنيمة يمكن الاستيلاء عليها من جماعة أو تنظيم، واستثماره بوصفه حقًا مكتسبًا بالقتال وليس ملكًا عامًا، على الثورة أن تحافظ عليه بوصفه أموالًا للشعب ودافعي الضرائب، وكانت الكارثة عندما تكرّس هذا المفهوم ليصبح قانونًا يحكم المعارك العسكرية، ويُحدّد موافقة فلان للمشاركة من عدمها.

مثّلت “الشيشانية” ثلاثة ركائز، لا زيًّا يمكن أن ينتقل من حضارة إلى أخرى، ومن ثقافة إلى أخرى، بل بوصفه دالًا على أهداف وصفات صُنِعت لها هالة قدسية، فصاحبها حكمًا مُقاتل شرس، وهو قد ترك الدنيا مقابل الدين، وطبعًا هذه دعاية لا أكثر.

أولى هذه الركائز، مناصبة النظام وهذه التنظيمات العداء لأهداف الثورة، في إقامة دولة القانون والحريات العامة، وثانيهما العداء لرمز الثورة علم الاستقلال، وثالثها فكرة الحرب المقدسة التي جلبت فكر الغنيمة، وجعلت من المال العام نهبًا للتنظيمات، بدلًا من أن يُعاد إلى الشعب لتستخدمه بنى الدولة البديلة، كل هذا مهّد، بل كان، أحد أعمدة سقوط حلب.




المصدر