النظام و(داعش) والغاز السوري


حافظ قرقوط

كثرت التقارير الدولية والمحلية عن تبادل المنافع بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والنظام السوري، وبعيدًا عن بعض المعارك المصطنعة، أو الخطط المشتركة بينهما لمحاصرة مناطق المعارضة، والحاضنة الشعبية للثورة، كان من الملفت أن تمدد التنظيم جاء بين آبار النفط ومصادر الطاقة.

فجّر (داعش) قبل نحو أسبوعين، (شركة غاز حيان)، وذلك بحسب فيديو بثه التنظيم عبر وكالة (أعماق) التابعة له، وعدّ التنظيم أن تفجير الشركة “جاء لأنها تشكّل موردًا اقتصاديًا كبيرًا للنظام، وكان يستغلها في تمويل عملياته العسكرية”.

تقع الشركة على مسافة نحو 100 كم إلى الشرق من مدينة حمص، وتعد واحدة من أهم وأكبر الشركات المنتجة للغازفي سورية، اذ كانت تنتج نحو 3,7 مليون م3 من الغاز يوميًا، وبدأ العمل فيها مع مطلع عام 2011، وتغذى من خلالها محطات الكهرباء للعاصمة دمشق وللمنطقة الجنوبية عمومًا، وتنتج أيضًا بحدود 180 ألف طن من الغاز للاستعمال المنزلي، عدا عن توفيرها عددًا كبيرًا من فرص العمل.

إلى ذلك نقلت صحيفة (وول ستريت جورنال)، قبل عدة أيام، عن مسؤولين أميركيين وأوربيين قولهم: “إن تنظيم الدولة الإسلامية كان قد ضاعف من مبيعات النفط والغاز لنظام السوري بشار الأسد، ما يوفر الوقود الحيوي للحكومة مقابل ما يحتاجه التنظيم من أموال”.

وذكر المسؤولون: “أن مبيعات النفط والغاز لنظام الأسد، تُعَد حالياً أكبر المصادر المالية لتنظيم الدولة، لتحل محل العائدات التي كان التنظيم يجمعها سابقًا، من الرسوم التي كان يفرضها على عبور البضائع والضرائب والأجور داخل الأراضي التي يسيطر عليها”.

وأوضح أن مشتريات النظام “تُسهم في صمود التنظيم في ظل الضغط العسكري غير المسبوق”.

كشفت الصحيفة في مقال نشرته في التاسع عشر من الشهر الجاري، وترجمته وسائل اعلام عربية، أن مسؤولين غربيين قالوا “إن نظام الأسد قد تخلّف عن الدفع لتنظيم الدولة الإسلامية مقابل الغاز”، وأضافوا “أنهم يشتبهون في أن تنظيم الدولة هو من قام بتفجير محطة الغاز السورية (حيان) في 8 يناير/ كانون الثاني، ليوصل رسالة يطالب فيها بتسديد الفواتير”.

تشير تقارير الأسعار من أماكن سيطرة النظام، أن أسعار عبوات الغاز المنزلي، قد ارتفعت ارتفاعًا كبيرًا خلال الأسبوعين الماضيين بعد هذا التفجير.

من جانب آخر، فإن توقف تغذية الغاز عن محطات توليد الكهرباء بالمنطقة الجنوبية، يزيد من حدّة الكارثة التي تتعرض لها العاصمة، وتحديدًا بعد قطع مياه  نبع الفيجة عنها، وهو ما يمكن عده مساهمة جديدة في حصار سكان العاصمة، لدفعهم للنزوح أو الهجرة، وتدعيمًا لخطط النظام وإيران بالتغيير الديموغرافي الذي يقومان به.

وكانت ساعات تقنين الكهرباء قد وصلت في بعض مناطق العاصمة وجوارها والجنوب السوري، إلى ما يقارب 20 ساعة يوميًا.

يُشار إلى أن استفادة النظام من ندرة الغاز المنزلي تجعله يتحكم بالمنافذ التي توزعه، ومضاعفة الأسعار ليدعم اقتصاده، كذلك فإن حواجز النظام والميليشيات الداعمة، قد وجدتها فرصة لابتزاز الناس لتمرير أسطوانات الغاز.

أشار تقرير الصحيفة إلى أن أموس هوشيستين، المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية المشرف على عرقلة أعمال الطاقة التي يقوم بها (داعش)، قال: إنه يجب على إدارة ترامب “دراسة موضوع إنهاء عمل منشأة الأكرم للغاز الطبيعي، التي يستخدمها تنظيم الدولة، والواقعة بين مدينتي تدمر والرقة السوريتين”.

وأضاف أن مسؤولي أمن غربيين أوضحوا أن “كلًا من روسيا وإيران خفّضت، في الأسابيع الأخيرة، من شحنات الغاز الرخيص الذي يغذي عادة محطات الطاقة الكهربائية في سورية، وقد أسهمت تلك التخفيضات في تعزيز حاجة النظام، إلى موارد أخرى للنفط والغاز الطبيعي خاصة”.

تعيش العاصمة دمشق حاليًا عبئًا مزدوجًا، بين انقطاع المياه والكهرباء والغاز من جهة، وارتفاع أسعار البدائل إن توفرت من جهة ثانية، مع تراجع مستوى الدخول، وانخفاض قيمة الليرة السورية، وغلاء بقية المواد الغذائية الأساسية، والضغط الذي تمارسه حواجز الميليشيات التابعة للنظام.

إنها حرب متعددة الأوجه تمارس على السوريين أينما وجدوا، إن كان في المناطق الخاضعة لسلطة المعارضة، أو في مناطق سلطة النظام، أو في المخيمات، كذلك في بلاد اللجوء، إذ تجري محاصرتهم بعدة ذرائع، وكأن وجودهم في تلك الدول، هو خيار اتخذوه بملء إرادتهم.

هذه المآسي التي يعيشها السوريون في الألفية الجديدة، في منطقة غنية بكل مقومات الحياة، هي بحد ذاتها كارثة أخلاقية للدول صاحبة القرار، ولا تقل بشاعة عن استخدام النظام لأسلحة محرمة دوليًا، ليعقد المجتمع الدولي صفقة معه على حساب الأرواح البريئة.




المصدر