نحو استراتيجية وطنية لإدارة ملف الأشخاص ذوي الإعاقة


شذى ظافر الجندي

تقيم الجهات العاملة في مجال الإعاقة السورية، حملة وطنية للتوعية حول الإعاقة، بهدف إثارة الوعي حول جرحى وذوي الإعاقة وضحايا الحرب، الذين يعدون الأكثر تضررًا من الحرب السورية.

تهدف هذه الحملة التوعوية إلى تعريف المجتمع -عامة- بأسباب الإعاقة الناتجة عن العمليات الحربية. وستركز الحملة الاعلامية على أساليب الوقاية؛ بهدف التقليل ما أمكن من نسبة الإصابات، وأهمية توفير التدخل الطبي السريع.

سيُعمل على إضاءة هذه الناحية، بهدف الحصول على دعم مالي وطبي إضافي، لتوفير الإمدادات والتدخلات الطبية اللازمة.  ستركز الحملة الاعلامية أيضًا على أهمية العلاج وإعادة التأهيل المجتمعي، والعمل على حشد الموارد المالية والبشرية، اللازمة لتوفير العلاج اللازم للجرحى، لمنع تطور الإصابة إلى إعاقة دائمة ما أمكن ذلك.

هدفنا الأول توعية المجتمع المحلي والدولي، حول حجم الكارثة الإنسانية التي تتراوح أعدادها وفق التقديرات الدولية بين 2.8 مليون جريح حرب، ومليون شخص ذي إعاقة دائمة. إن استمرار الحرب وقصف المدنيين، يُعرّض الشعب السوري لأسوأ مجزره إنسانية عرفها التاريخ، إذ يتحول هذا الشعب إلى ضحايا حرب وجرحى ومرضى وذوي إعاقة دائمة، إضافة إلى الأمراض النفسية والصدمات التي تعاني منها شرائح واسعة من السوريين، فهناك 12 مليون مُهجّرعن أرضه وبيته.

ذوو الإعاقة ضحايا الحرب (الجانب المظلم من الحرب السورية)

أصيب مئات الآلاف من السوريين بإعاقات دائمة، من جرّاء القصف والمعارك الدائرة في سورية، ويقدِّر تقرير الإعاقة العالمي أنَّ 15.3 في المئة من سكان العالم يعانون من الإعاقة المتوسطة إلى المتقدمة، وأنَّ هذه النسبة سترتفع على الأرجح إلى 18-20في المئة لدى السكان المتأثرين بالنِّزاعات والحروب.  وقد حذّرت المنظمات الدولية من ازدياد نسبة الإعاقة من جراء استمرار الحرب.  ولا توجد احصاءات دقيقة لعدد الأشخاص ذوي الإعاقة الناتجة عن الحرب السورية، إذ اكتفت المنظمات بنشر النسب المئوية، وسط غياب إحصائية دقيقة عن تعداد الجرحى والمصابين من الشعب السوري خلال الحرب.

في آذار 2015، حذّرت “المنظمة الدولية للمعاقين” من أن مليون سوري مصاب، مُهدّد بالإعاقة الدائمة، دون أن تشير إلى عدد المصابين بالإعاقة منذ بدء الحرب، مشيرةً إلى أن جيلًا كاملًا من المصابين والمشوهين وذوي الاعاقة سيظهر في سورية إذا لم يتحرك المجتمع الدولي.

وأكدت منظمة “هاندكاب انترناشونال” أن 8 في المئة، أي 80 ألف شخص منهم، من ذوي بتر الأطراف، ويحتاجون إلى أطراف بديلة.

إن العمليات الحربية، تركت أثارًا مدمرة في حياة السكان المدنيين، وخاصة في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وحرمتهم من الحصول على العلاج وإعادة التأهيل، حتى أن معظم خدمات الإغاثة المحدودة، لا يستطيع الاشخاص ذوو الإعاقة الوصول إليها؛ حيث الحواجز، والخراب ودمار الطرقات من جرّاء القصف، ما يمنع الشخص ذا الإعاقة الجسدية من الوصول إلى أماكن الإغاثة والعلاج.

إن عددًا كبيرًا من الجرحى والمصابين، تحولوا إلى أشخاص ذوي إعاقة دائمة؛ بسبب شدة الإصابة، أو لعدم توفر الإسعاف والعلاج الطبي وإعادة التأهيل اللازم. وقد قامت المستشفيات بتخريج المرضى بسرعة، بسبب الضغوطات الكبيرة، ولعدم توفر القدرات والإمكانات للتعامل مع أعداد كبيرة من المرضى والجرحى. وقد عانى عدد كبير من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين بترت أطرافهم، أو تعرضوا لتشوهات كبيرة من إهمال طبي نتيجة الوضع القائم. ونتيجة لذلك ازدادت الاضطرابات النفسية، مثل الإحباط والضغوط النفسية الشديدة في سورية، فالجروح النفسية قد تكون أصعب من الجروح الجسدية وخاصة بعد الإعاقة.

ازدادت معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة (المعاقون قبل عام 2011)، إذ لم تعد تتوفر لديهم قدرة الوصول إلى مراكز التأهيل والعلاج، التي أُغلق عدد كبير منها، وخاصة في الأماكن الساخنة (على سبيل المثال، الجمعيات أو المؤسسات ومراكز التأهيل والمدارس الخاصة بالأشخاص ذوي الاعاقة أُغلق معظمها نتيجة الوضع الأمني) وحُرم عدد كبير من الأشخاص ذوي الاعاقة من المساعدة وتوفير التأهيل والتعليم.

قابلنا عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين أصيبوا بجروح بليغة وجديّة. وصفوا لنا معاناتهم اليومية مع الإعاقة. فمثلًا الاشخاص الذي تعرضوا للشلل، قد يحتاجون إلى أجهزة خاصة، ومعالجة فيزيائية وأدوية خاصة لمنع الألم، وغير ذلك من الحاجات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

كما أن عددًا كبيرًا من الأشخاص المصابين والجرحى وذوي الإعاقة، فقدوا وظائفهم وفقدوا قدرتهم على التعلم (أكثرهم لن يستطيع العودة إلى العمل أو إلى الدراسة)، وفقدان العمل يؤدي إلى فقدان الدخل، وفقدان القدرة على تحمل الأعباء المعيشية، وتزداد معاناتهم مع الإعاقة لتصبح إعاقة وفقرًا.

أكدت دراسات عدة، أنَّ واحدًا من كل 15 لاجئًا سوريًا في الأردن، وواحدًا من بين كل 30 لاجئًا في لبنان، أصيب من جرَّاء الحرب. ويبين تحليل الفئات العمرية والجندر، أنَّ الرجال ممن هم في سنّ العمل يعانون من تعرضهم لخطر الإصابة، وتعود بعض أسباب ذلك إلى دورهم في القتال من جهة ولمسؤوليتهم في جلب الغذاء والماء من جهة، إضافة إلى أنَّ بعض الشباب كانوا مضطرين للعودة إلى سورية؛ لتفقد ممتلكاتهم هناك. وكثير من الأشخاص المتأثرين بالإصابة لا يتلقون الرعاية الكافية.

إن استمرار شنّ غارات جوية عشوائية على المناطق المدنية، التي تشمل إسقاط البراميل المتفجرة على المدنيين- في تحدّ لقرار “مجلس الأمن الدولي” رقم 2139 الصادر في 22 شباط/ فبراير2014 – يتسبب في إصابة آلاف الاشخاص بالإعاقة.  تُصنع هذه القنابل الرخيصة- البراميل- غير الموجهة وشديدة الانفجار محليًا من براميل نفط كبيرة فارغة، أو أسطوانات غاز أو خزانات مياه. تُملأ بالمتفجرات والخردة المعدنية لتعزيز التشظي، ثم تُرمى بعدها من طائرات مروحية.

وقد حددت “هيومن رايتس واتش” أكثر من 450 موقعًا متضررًا تضررًا هائلًا من جرّاء قصفه بالبراميل المتفجرة بين شباط/ فبراير 2014 وكانون الثاني /يناير 2015. وقدّرت مجموعة محلية ضحايا البراميل بحدود 6163 مدنيًا، منهم 1892 طفلًا، منذ تاريخ صدور القرار الدولي 2139 وحتى 22 شباط/ فبراير 2015. وعدد كبير من هؤلاء أصيب بإعاقة دائمة نتيجة عدم توفر وسائل الإسعاف السريع والرعاية الصحية والعلاج والتأهيل.

وأكد تقرير في آذار 2014 لجمعية “أنقذوا الأطفال”، أن أطباء اضطروا لبتر أطراف أطفال في سورية لعدم وجود المعدات اللازمة لعلاجهم، محذرةً من أن عدد الأطفال الذين أصيبوا بشلل الأطفال بعد بداية الحرب نتيجة الإهمال، ارتفع إلى 80 ألف طفل، بينما أكد الصليب الأحمر في عام 2015 أن 5.5 مليون طفل سوري بحاجة إلى مساعدات عاجلة.  وبينت دراسة لمؤسسة “هانديكاب انترناشونال” أن 88 ألف شخص يحتاجون الى أطراف صناعية، وقد بترت أطرافهم خلال الحرب السورية.

قد يجد الأشخاص ذوي الإعاقة، بأن أوضاعهم تزداد سوءًا، وذلك؛ بسبب فقدان أحد افراد العائلة، أو الشخص الذي يوفر لهم الدعم والمساعدة، وعدم القدرة على التحرك في منزل نتيجة للعوائق الكثيرة. إن فقدان القدرة على التحرك أو السمع أو الرؤية، وعدم توفر المساعدة، أو الدعم النفسي، وربما عدم توفر الغذاء وغيره من الحاجات الأساسية، يزيد من تعقيدات الحياة مع الإعاقة. كما أن بعض الأشخاص ذوي الإعاقة، وخاصة من النساء قد يتعرضن إلى العنف الجسدي والاستغلال والإساءة الجنسية. وقد أكدت الخبرات السابقة في إدارة الأزمات، بأن الأشخاص ذوي الإعاقة هم أكثر الأشخاص المتضررين من العنف، وأن الاستجابة اللازمة لتوفير العلاج وإعادة التأهيل غير كافية، أو قد تكون غير متوفرة.

إن نسبة الإحباط والألم النفسي، والصعوبات النفسية والاجتماعية بين الاشخاص الذين يعيشون في دول تعاني من الصراعات المسلحة، تصل الى 60-70 في المئة، بالمقارنة مع الدول الأخرى.  إذ يصبح الشخص ذو الإعاقة معتمدًا على غيره في الحياة اليومية، ويفقد استقلاليته، وينتج عن المعاناة مجموعة من الأعراض النفسية التي جرى توثيقها في عدد من الدراسات العلمية. وقد وفرت الأبحاث إثباتات، أن أكثر من نصف السكان في المناطق المتضررة من العنف، يستطيعون أن يتجاوزوا الألم النفسي، في حال توفرت لهم الرعاية الصحية-النفسية-الاجتماعية، بوصفها جزءًا من برامج الإغاثة وإعادة التأهيل.

في عام 2013، أجرت منظمتا “مساعدة المسنين الدولية” و”الإعاقة الدولية” دراسة في الأردن ولبنان، لتوفير أدلة وبيانات موثوق بها، حول أعداد اللاجئين ذوي الإعاقة، والمسنين والمصابين، وذوي الأمراض المزمنة، للوقوف على حاجاتهم. وسعت الدراسة أيضًا لإتاحة الفرصة أمام مقارنة هذه الحاجات بحاجات مجتمع اللاجئين، الذي يضمهم. أكدّت الدراسة إن التحديات الرئيسة التي يواجهها ذوو الإعاقة، هي التكيف مع بيئة جديدة في غياب الدعم الأسري والمجتمعي الذي اعتادوا عليه، وعدم تمكنهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية والمتخصصة. وحلّلت الدراسة أيضًا الصعوبات الماثلة أمام “النشاطات الحياتية اليومية” للأشخاص ذوي الاعاقة في مخيمات اللجوء. وتظهر النتائج أنَّ 45 في المئة من اللاجئين، من ذوي القصور الوظيفي، أو الإصابة أو المرض المزمن، يواجهون صعوبات في النشاط الحياتي اليومي.

وخلصت الدراسة إلى أن الحاجة أكبر بكثير من مجرد مساعدات طبية مباشرة.  حيث هناك حاجة مُلحّة إلى برامج طويلة المدى لإعادة التأهيل الفيزيائي والدعم النفسي، إضافة إلى حاجة المصابين بقصور وظيفي دائم إلى الرعاية مدى الحياة. ومن المخاوف الخاصة، محدودية إتاحة دعم إعادة التأهيل الفيزيائية، اللازمة للحيلولة دون تردي الأوضاع الصحية، المرتبطة بالإصابات الحالية ولتخفيف تطور الإعاقة المحتمل ديمومتها. ولذلك، من المهم جدًا أن يعمل مقدمو الرعاية الصحية المحلية والدولية معًا على مواجهة الحاجات الحالية لذوي الإعاقة، بل عليهم أيضًا التخطيط للمتطلبات المالية والبشرية بعيدة الأمد، بما يفي بإعداد المنظومات الصحية، والأسر والمجتمعات، لضمان توفير الدعم الكافي.

ما الحل؟

ما يقدم حاليًا من الجهات الدولية والمحلية، هو مساعدات طبية مباشرة للأشخاص ذوي الإعاقة، وقد نجد بعض الخدمات التعليمية المبعثرة. ما نحتاجه في سورية اليوم، في ظل وجود ملايين من ذوي الإعاقة، طريقة لتوحيد الجه؛د لتقديم خدمات التأهيل الشامل للجرحى وذوي الإعاقة.

إن تعدّد الجهات والمنظمات والجمعيات المشرفة على تأهيل وعلاج ذوي الإعاقة، يُبعثر الجهد، ويسبب تضاربًا في الاختصاصات وتعدد وجهات النظر. وخاصة أن طرق علاج الإشكاليات مشتتة وغير منسقة وغير مهنية، بما يكفي للتصدي لهذه الكارثة الإنسانية.

الوضع الراهن اليوم يتطلب التخطيط الاستراتيجي الفعال باستثمار كل الجهد استثمارًا أمثل، ولن يتحقق ذلك دون توفير مظلة تتوحد تحتها هذه الجهات.  ما نحتاجه، جهة تُنسق جهد جميع العاملين في مجال الإعاقة، واستراتيجية شاملة واضحة الأهداف.

يبقى الحل الأمثل، الذي تقترحه المنظمات الدولية، هو الاعتماد على الجهد المحلي وتدريب الاسرة والمجتمع المحلي، ليكون قادرًا على مواجهة حاجات ذوي الإعاقة، من خلال برامج التأهيل المبني على المجتمع المحلي، والهدف الجوهري الذي يشمله التأهيل المجتمعي هو تمكين الأسرة والمجتمع، من تدريب وتأهيل ذوي الإعاقة وإتاحة الفرص المتساوية له، ليعيش حياته طبيعيًا في بيئته، ويعتمد على نفسه بالانتقال بين مراكز الخدمات المخصصة له، ويجري الاعتماد على مصادر المجتمع والأسرة في تمويل وإدارة هذه الخدمات.

عرّفت “منظمة الصحة العالمية”، التأهيل المبني على المجتمع، بأنه “استراتيجية تندرج في إطار تنمية المجتمع المحلي، وتهدف إلى تحقيق التأهيل والتكافؤ في الفرص، والحدّ من الفقر والاندماج الاجتماعي لجميع الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة، ويُنفّذ من خلال الجهد المتضافر للأشخاص المعاقين أنفسهم، ولأسرهم، ولمنظماتهم، ولمجتمعاتهم المحلية، والمرافق الصحية والتربوية والمهنية والاجتماعية المعنية”.

مسيرتنا طويلة لتحقيق الحق والعدل لشبابنا وأطفالنا ذوي الإعاقة (ضحايا الحرب السورية) وواجبنا الوطني –أولًا- يدفعنا إلى دعم وتوفير التأهيل لمن ضحى بحياته من أجلنا (الشهداء الأحياء)، وثانيًا على المجتمع الدولي، وجميع الجهات الإنسانية والحقوقية والطبية والاجتماعية، أن تعمل على توفير الدعم الطبي، والتأهيل والتعليم والعمل والاندماج والاحتواء المجتمعي لضحايا الحرب السورية من ذوي الإعاقة. ولا يكفي أن يقدموا لنا برامج إغاثية سريعة متخصصة، ما نريده هو حل مستدام في سورية، يعتمد على مواردنا وإمكاناتنا المحلية، وكل هذا لا يمكن لجهة واحدة منفردة أن تقدمه، ولهذا علينا مضافرة الجهد لنعمل معًا، ونوحد جهدنا، ليكون لنا رؤية موحدة، تهدف إلى عمل مشترك منسق من أجلهم واستراتيجية شاملة لمواجهة الإعاقة التي باتت من أخطر نتائج الحرب السورية.




المصدر