on
السوريون في بعض المدن الألمانية بلا حراك ولا صوت
سلام اسكيف
أنا لاجئ سوري، وصلت إلى ألمانيا التي فتحت أبوابها للهاربين من الحرب وويلاتها قبل عام، ثم انتقلت للعيش في ولاية مكلنبورغ – فوبومرن شمال شرق البلاد، ولاية تُعدّ من أصغر الولايات الاتحادية مساحةً، يقيم فيها اليوم نحو عشرة آلاف سوري ويزيد، وهذه ميزة جيدة تُحسب لها نسبة إلى حجمها.
ما أود الوصول إليه في جوهر الموضوع، هي حالة السوريين -هنا- العصية على الفهم، حالتهم التي تدعو إلى كثير من الغرابة، فعلى الرغم من عددهم الذي لا بأس به، ويُشكّل نسبة قادرة على تحريك رأي مجتمع بعيد جدًا عن حال سورية وواقعها المرير، إلا أنهم غير موجودين فعليًا، صحيح أن الإعلام هنا يُشكل بؤر اهتمام أبناء الولاية، ولكنه في الوقت نفسه إعلام ضيق، يحصر القضية السورية على أنها محض حرب وقتل ودمار، ومعرفتهم بدور النظام السوري، اللاعب الأساسي والأول، ويتحمل مسؤولية كل ما جرى ويجري، يقتصر عليهم بأنه لاعب عادي، ومجرد واحد من اللذين يقتلون في سورية.
السوريين هنا بلا أي حراك، بلا أي صوت، كاتمين على صوتهم الذي من المفترض أن يكون حليفًا لنا في ثورتنا كونهم سوريين، معظمهم من النوع الانهزامي، النوع الحيادي، الذي لا علاقة له بأي حس وطني سوري، ويجوز القول إنهم ممن شكلوا حاجزًا من الحواجز التي أعاقت الثورة السورية، فالثورة اليتيمة كانت ولازالت بحاجة إلى صوت، إلى صراخ أحدهم لتنجو.
منذ عام ولم يحدث أن شهدت الولاية اعتصامًا واحدًا أو احتجاجًا واحدًا، أو مظاهرة تندد بإدانة النظام السوري وحليفه الروسي والإيراني وحزب الله، أو على الأقل ما يشرح قضية الثورة السورية، التي يطرحها كلّاً من القتلة المذكورين على أنها مؤامرة وحرب إرهاب وتخريب، أستطيع القول إن حالة من اللامبالاة تقبع في أوساط سوريي الولاية.
حتى سقوط حلب لم يكن له أثر غاضب في قلوبهم، سقوطها الذي دوى في قلوب الغرباء، كان للسوريين هنا محض خبر لا يُشكّل من اهتماماتهم شيئًا.
وخلالها قال أحد الشبان السوريين: ما النفع من صراخنا هنا؟! هل ستعود حلب؟ هل ستنتصر الثورة؟ لا أعلم إن كنت سأطلق على سؤال مثل هذا بالخيانة، متردد حقًا.
باختصار، كنت أتمنى مشهدًا غير هذا المشهد، مشهدًا يغمر فيه السوريين هنا حبًا لاهباً لانتمائهم، فالانتماء للحقيقة شيء كبير وعظيم، شيء لا يُقدّر بثمن، فكيف إذا كانت تلك الحقيقة هي سورية، والحقيقة المطلقة هي ثورتها.
أنا شاب في مقتبل العمر، وعيت الدنيا على حب الثورة، عشت ولادتها وصمودها، انتصاراتها وانكساراتها، مشاعري هنا يهزها الألم والحزن من كل جانب، والجانب الأكثر إيلامًا هو الجانب المحيط بي والقريب مني جدًا، الجانب الذي يدفعني للقول إن سورية هنا بلا صوت، ثورتها معزولة تمامًا، مكتوم عنها لأسباب مجهولة وبمبررات سخيفة، والمصاب الكبير أن السوريين أنفسهم يفعلون ذلك. هنا في إحدى ولايات العالم الأخر.. صفعة ما تعصف بنا.
المصدر