من عنان إلى ديمستورا… حصاد الهشيم
26 يناير، 2017
حافظ قرقوط
يعود الحديث من جديد عن جدوى مؤتمرات جنيف السابقة واللاحقة، وذلك مع دعوة الأطراف المفاوضة في آستانا، إلى مؤتمر جنيف جديد يعقد في 8 شباط/ فبراير المقبل، فماذا قدمت للسوريين، وإلى ماذا استندت تلك المؤتمرات.
بعد انطلاقة الثورة السورية في آذار 2011، واعتماد النظام الحل الأمني والعسكري بالتعامل مع السوريين، ابتدأت جامعة الدول العربية أولى الخطوات الديبلوماسية والحقوقية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، بتشكيل (لجنة مراقبة عربية).
بدأت اللجنة عملها في كانون الأول/ ديسمبر 2011، برئاسة الفريق محمد أحمد الدابي، ولكنها سرعان ما فشلت في مهمتها، فجرى تحويل الملف إلى الجمعية العامة لـ (الأمم المتحدة).
في 24 شباط/ فبراير 2012 كلّف الأمين العام لـ (الأمم المتحدة) بان كي مون، والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، كوفي عنان بصفة “مبعوثًا خاصًا مشتركًا للأزمة السورية”.
وقال بيان الأمم المتحدة إن عنان “سوف يسترشد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، الذي أيد خطة لـ (الجامعة العربية) تدعو إلى تنحي الرئيس السوري بشار الأسد والقرارات الأخرى للجامعة بشأن سورية”.
أعلن كوفي عنان خطته التي تم تداولها تحت عنوان (النقاط الست) وذلك في آذار/ مارس 2012، ولكنها لم تتضمن أي إشارة إلى رحيل الأسد.
تضمنت نقاط عنان الست، الالتزام بالعمل من أجل عملية سياسية يقودها السوريون، ووقف جميع أعمال العنف المسلح، وسحب القوات، ووقف تحركات الجيش نحو المناطق المأهولة، وتطبيق هدنة يومية لمدة ساعتين للسماح بإدخال المساعدات، والإفراج عن كافة المعتقلين تعسفيًا، وضمان حرية الحركة للصحافيين، وحرية تكوين الجمعيات وحرية التظاهر والتعبير.
هذه البنود العمومية التي تفتقد لآلية واضحة ولهدف نهائي، وافق عليها مجلس الأمن، فورًا وطالب النظام بالتعاون معها وتطبيقها.
دعا كوفي عنان “مجموعة العمل من أجل سورية”، للاجتماع في جنيف في 30 حزيران/ يونيو 2012، وتم إقرار بيان جنيف حول سورية.
ضمت مجموعة العمل أمين عام (الأمم المتحدة) بان كي مون، وأمين عام (جامعة الدول العربية) نبيل العربي، ووزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا الاتحادية، وتركيا، وفرنسا، والصين، والمملكة المتحدة، والعراق، وقطر والكويت وإيرلندا الشمالية، وممثلة الاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية، وكانت برئاسة كوفي عنان بصفته مبعوثًا مشتركًا.
تضمن بيان مجموعة العمل الصادر في 5 تموز/ يوليو 2012، التزام مجموعة العمل بسيادة واستقلال الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها، والعمل على وضع حد للعنف ووقف فوري لإطلاق النار وانتهاكات حقوق الإنسان، وجرى إيداعه لدى الأمين العام لـ(الأمم المتحدة)، ومجلس الأمن الدولي.
أدرج هذا البيان خطوات عمل وتدابير، تقوم بها الأطراف لتأمين التنفيذ الكامل لخطة “النقاط الست” وقراري مجلس الأمن (2042) و(2043) لعام 2012.
نص البيان على إنشاء “هيئة حكم انتقالية” تعمل على تهيئة “بيئة محايدة”، تجري خلالها العملية الانتقالية، وفق جدول زمني يكفل السلامة للجميع دون إراقة مزيد من الدماء.
وأشار إلى أن الهيئة يجب أن تتمتع بالقدرة على ممارسة كامل السلطات التنفيذية، ويمكن أن تضم في صفوفها أعضاء من الحكومة والمعارضة.
كما تضمن إمكانية النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية، ويتم عرض الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام، ثم إجراء انتخابات حرية وتعددية في ظل الدستور الجديد، وتمكين المرأة من أن تكون ممثلة في كل هذه العملية.
وضرورة استمرار عمل المؤسسات الحكومية والموظفين، والحفاظ على كافة الخدمات العامة، مع التزام الجميع بالمساءلة والمصالحة الوطنية.
فشلت خطة عنان واستقال من مهمته في آب/ أغسطس 2012، وقال “إن تصاعد العسكرة على الأرض، وانعدام الاجماع في مجلس الأمن الدولي، بدّلا دوري بشكل جذري”، وأشار إلى أن بشار الأسد سيرحل “عاجلًا أم آجلًا”.
كلّفت الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي بخلافة كوفي عنان في مهمته بصفة “المبعوث الدولي لتسوية الأزمة السورية”.
لم يقدم الإبراهيمي شيئًا جديدًا للسوريين، ولم يُحدث اختراقًا في المواقف الدولية، وبدا أنه يُدير الوقت، ووقعت مأساة حمص كبداية لتغطية التغيير الديموغرافي وتهجير السكان عن بيوتهم، وكان جلّ عمله بأن يحصل على إنجاز ما حتى لو كان على ورق.
دفع الإبراهيمي باتجاه عقد مؤتمر جنيف 2 بشأن سورية، في 22 كانون الثاني/ يناير 2014، واستمرت الجلسة الأولى منه نحو أسبوع، بحضور 40 دولة ومنظمة دولية، وحضور وفد عن المعارضة السورية وآخر عن النظام، وذلك برعاية أميركية- روسية مشتركة ومباشرة.
عُقدت الجولة الثانية من جنيف 2 في 10 شباط/ فبراير 2014، ولكن كلا الجلستين كانت لمناقشة كيفية تنفيذ بنود جنيف 1 وفشل المؤتمر فشلًا تامًا.
قال الإبراهيمي في مؤتمر صحافي بعد انتهاء أعمال جنيف 2 “أعتذر من الشعب السوري لعدم التمكن من تحقيق شيء خلال المفاوضات”.
كما أكد أن “وفد الحكومة السورية يعد أن القضاء على الإرهاب هو الأهم، والمعارضة تُصرّ على بحث هيئة الحكم الانتقالي”.
قبل المؤتمر قال علي حيدر وزير ما يسمى المصالحة الوطنية في حكومة النظام: “لا تتوقعوا شيئًا من جنيف 2، فلن يحل جنيف 2 أو 3 أو 4 الأزمة السورية، الحل بدأ وسيستمر عبر الانتصار العسكري”.
استقال الابراهيمي في أيار/ مايو 2014، وعبّر عن “حزنه الكبير لمغادرة منصبه فيما تمر سورية بوضع بالغ السوء”.
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة في تموز/ يوليو 2014، عن تعيين ستيفان ديميستورا (مبعوثًا دوليًا إلى سورية)، وكذلك عين نائبًا له، هو وزير الخارجية المصري السابق رمزي عز الدين.
عمل ديميستورا على تنظيم هدن محدودة في بعض المناطق، وخاصة في محافظة حلب، ولكنها فشلت، ليبدأ الإعداد لمفاوضات جديدة جنيف 3.
عقدت المعارضة السورية في كانون الأول/ ديسمبر 2015 مؤتمرًا لها بالرياض، وشكلت (الهيئة العليا للمفاوضات)، وقد ضمّت أطيافًا مختلفة، كما ضمّت ممثلي فصائل مقاتلة، وعينت وفدًا يمثلها لمفاوضات جنيف 3.
أعلن عن التمهيد للمفاوضات بجنيف بإشراف الأمم المتحدة، وابتدأت لقاءات أولية في بداية شباط/ فبراير 2016 بإدارة ديميستورا، وتقرر تأجيلها حيث طلبت المعارضة ضمانات برحيل بشار الأسد، ووقف إطلاق النار، والإفراج عن المعتقلين، ورفع الحصار عن بعض المناطق، وإدخال مساعدات.
أعلن تأجيل المفاوضات إلى آذار/ مارس 2016، وكانت بالإضافة لرعاية ديميستورا ومجلس الأمن الدولي، أيضًا بإشراف مجموعة (محادثات فيينا للسلام في سورية)، وهي مجموعة تضم عددًا من الدول، وأطلق عليها اسم (المجموعة الدولية لدعم سورية).
كانت مطالب المعارضة التمسك بحرفية بيان جنيف 1، وقرار مجلس الأمن 2118، والقرار 2254، الذي تم التوافق عليه من قبل أميركا وروسيا، ومشاركة عدّة دول، في لقاء فيينا بتشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
تقول المعارضة إن القرار 2254 فيه تراجع عن بنود اتفاق (جنيف 1)، حيث استُبدلت جملة “هيئة الحكم الانتقالي”، بمقولة “حكم تمثيلي شامل غير طائفي وذو مصداقية”.
كذلك تمسكت المعارضة بمرجعية قرار مجلس الأمن 2268، الذي تم التوافق عليه بعد فشل مفاوضات شباط/ فبراير وتأجيلها إلى آذار/ مارس 2015، ويدعو لوقف الأعمال العدائية.
علّقت الهيئة العليا للمفاوضات مشاركتها بجنيف 3، وطالبت النظام السوري بتطبيق البندين 12 و13 من القرار 2254 بشكل كامل.
يؤكد البندان المذكوران بالقرار، على التوقف عن قصف التجمعات المدنية، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، وإيصال المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين بداية من النساء والأطفال.
فشلت جهود ديميستورا في مفاوضات جنيف 3، وابتعد الحديث عن جهود سياسية تفضي إلى حل في سورية.
أجريت المفاوضات مجددًا في 23 و24 كانون الثاني/ يناير الجاري في أستانا، وكان هدفها إدخال فصائل المعارضة بمحادثات سياسية، تنطلق بجنيف في شباط/ فبراير القادم.
مفاوضات أستانا جرت برعاية روسية تركية، وخرج البيان الختامي بتوقيع إيران وروسيا وتركيا، وأعلنت عن تشكيل لجنة مشتركة لمراقبة وقف إطلاق النار.
أصرّ وفد المعارضة على طلبه بتثبيت الهدنة على كافة الأراضي السورية، واعتبر أن أي تهجير جديد للسكان سيؤدي إلى انسحابه من العملية التفاوضية.
تقول الدول الضامنة في أستانا، إنه خطوة على طريق استكمال مفاوضات جنيف، والتي لم يُعرف حتى الآن شكل الوفد المعارض الذي سيشارك فيها.
[sociallocker] [/sociallocker]