النعسان: الغوطة الشرقية عصية على التهجير


أحمد مظهر سعدو

كانت الغوطة الشرقية، وخاصة في مركز ثقلها، مدينة دوما، موئلًا للمعارضة المدنية السلمية، والسبّاقة في الثورة السلمية في ريف دمشق، ومركزًا حواريًا طالما أنتج تجمعات وهيكليات سياسية متعددة في خدمة حالة الانتفاض المستمرة الكامنة، في قراها وأحيائها، وفي هذا الاطار عمل بعض الناشطين والسياسيين في دوما والغوطة، على تأسيس “التجمع الوطني الشعبي لإنقاذ سورية”، في محاولة منهم لدعم المعارضة المسلحة، عبر وجوه سياسية، تعي ماهية العمل الوطني المدني، وتدرك الفرق بين العمل السياسي والعمل العسكري، وقد جرى التوافق بين المؤسسين على مجموعة من المبادئ والأسس، التي يعتقد التجمع أنها ضرورية في المرحلة الحالية، وأنها قواعد ومسلمات يجب تبنيها، لتكون بمنزلة ميثاق ودستور جامع، يحملها أعضاء التجمع.

حول مبادئه، قال المحامي محمد النعسان، رئيس المكتب السياسي للتجمع لـ (جيرون): إنها تشمل “الحقوق والحريات العامة، ودور الجيش الحر في الثورة، وضرورة العدالة اﻻنتقالية، العمل على مؤتمر وطني سوري شامل جامع وعام، لتحديد مستقبل سورية، وقد نشأت الفكرة من ضرورة العمل السياسي المنظم، وعدم وجود تنظيمات سياسية حقيقية تستوعب المرحلة الثورية التي تعيشها البلاد، والحاجة إلى استيعاب أكبر قدر ممكن من الناشطين والفاعلين في الثورة”.

وعن رؤية التجمع السلمية للثورة السورية، قال النعسان: “إن التجمع يرى في ما يحصل في سورية، ثورة شعب مضطهد مسلوب الإرادة، وهي لم تبدأ في 2011، بل منذ أن بدأ الاستبداد في سورية، واستمرت طوال عهده، لكن بأشكال مختلفة، واستئنافها في 2011 هو مرحلة ثورية متقدمة على طريق الخلاص من الاستبداد، ومحطة آستانا أو غيرها، ليست سوى حلقة من حلقات التجاوز للحل المطلوب في سورية، الذي يقوم على معرفة السبب الحقيقي للثورة، وأنه مالم يتم التخلص من الاستبداد واسترداد الشعب ما سلب منه، فإن ذلك يُشكّل إطالة لأمد الصراع واستمرار للمآسي وعدم اﻻستقرار”.

وحول الهدن ومآلاتها على الأرض، أكدّ النعسان أن “التجارب السابقة مع الهدن تثبت أن عصابة النظام تستطيع الالتفاف عليها وتفريغها من مضمونها، ومن ثم؛ ﻻ معنى لأي هدنة إﻻ إذا جرت بمراقبة دولية فاعلة، شريطة أن تترافق مع فك الحصار وإطلاق سراح المعتقلين وتمكين المهجرين من العودة الآمنة إلى موطنهم، وأن تترافق كذلك بالشروع الجاد لحل سياسي حقيقي لإنهاء عصر اﻻستبداد، وهذا ما حصل أخيرًا؛ إذ أقدم النظام وحلفاؤه، ومنذ اليوم الأول لسريانها في وادي بردى، بخرقها بذريعة وجود تنظيمات إرهابية، فالنظام لديه القدرة على اﻻلتفاف وتفسير أي قرار أو معاهدة وفق مصالحه ومصالح حلفائه، ويجب على الدول الراعية لاتفاق وقف اطلاق النار، وخاصة روسيا، العمل بجدية أكبر على فرضها وتثبتها، هذا إن حسنت نياتها”.

وما يخص مؤتمر جنيف المزمع عقده في 8 شباط/ فبراير المقبل يرى النعسان[جرى اليوم تأجيله إلى نهاية شباط]، أن “روسيا جادة في مسألة الوصول إلى المؤتمر، ليس حرصًا على تمكين الشعب السوري، وإنما لترتيب الأمور وفق مصالحها والظهور بمظهر بطل الحرب والسلام، وربما تحاول استباق ما هو غير متوقع من الإدارة الأميركية الجديدة، وبالتأكيد هي محاولة يائسة ومكشوفة، لمحو سجلها الدموي الأسود وجرائمها بحق شعبنا، ومحاولة أيضًا لشرعنة ما حصلت عليه من امتيازات وعقود في سورية، بحيث أن أي حكومة مقبلة لن تستطيع التملص من هذه المعاهدات”.

الأوضاع في الغوطة الشرقية والتخوفات المستمرة من محاولات النظام السوري للسيطرة على أجزاء منها، كانت مثار اهتمام التجمع، ولا سيما أن “وضع الغوطة الشرقية، يشبه الأوضاع في باقي المناطق المحررة والمحاصرة في سورية، فالنظام وحلفاؤه يحكمون سيطرتهم على الغوطة، عبر الحصار، ويخضع دخول المواد الغذائية المسموح إدخالها إلى إتاوات، تؤدي إلى تضاعف أسعارها”. أما بخصوص التخوف من التهجير القسري، فإنه “يجب التفريق بين التهجير القسري والتركيع القسري، الغوطة الشرقية ﻻ يمكن تهجيرها، يتخوف السكان من إمكانية تركيعها قسريًا، كما حصل في بعض المناطق”.

وكان “جيش الإسلام” خلال سيطرته على دوما، في ما سبق، قد اقتحم مقر التجمع، ثم حوّله إلى مقر لمؤسسة الحسبة، وجرى اعتقال النعسان، ويسيطر (الجيش) حاليًا على جميع المؤسسات المدنية وإغاثية.  وعلاقة التجمع به “حيادية”.

يرى النعسان “أن الثورة في سورية تمر بمأزق حقيقي، ما يستدعي معرفة أسبابه ومسبباته لتجاوز المأزق، وهذه الأسباب تتمحور حول تكالب أنظمة العالم الاستبدادية على هذه الثورة، بوصفها تشكل خطرًا حقيقيًا على أنظمتهم الشمولية، ومحاولة حرفها عن مسارها؛ لتكون عبرة للشعوب المضطهدة. وهناك سبب آخر يتمثل في تخلي قسم من السوريين عن قضيتهم، وخاصة نخبتهم الواعية المثقفة. بعض السوريين لحقوا بقضية خلاصهم الفردي، من ثم؛ فقد ترك ذلك العبء الثقيل على من بقي يحمل همّ البلد. وعليه؛ فإن مستقبل الثورة رهن بالتفاف السوريين حول مشروع وطني جامع، يخلصهم من أي استطاﻻت لدول اقليمية لها مصالحها الخاصة، وقد كان التجمع سباقًا إلى وضع مشروع وطني لسورية، يجمع كل السوريين -على اختلاف ثقافاتهم- من خلال ميثاق التجمع الذي يمكن عدّه لبنة من لبنات المشروع الوطني الجامع”.

نبّه النعسان، إلى تدني مستوى التعليم في دوما، والغوطة عمومًا، بسبب الحرب والحصار، وعدم كفاية الكتاب المدرسي، ونقص الإطار (الكادر) التعليمي، وكذلك وجود مدارس ومعاهد ذات مناهج تربوية تقدم تعليمًا وفق رؤية معينة. أما الصحة فهي -أيضًا- تعاني من نقص الإطار (الكادر) الطبي المؤهل، فمعظم الأطباء من طلاب الجامعات غير المجازين، وفي أحسن الأحوال غير المتخصصين. إضافة إلى نقص الأدوية وارتفاع سعرها إن وجدت، ومحسوبية توزيعها، وهذا يؤدي إلى تفاقم الأزمة أكثر فأكثر.




المصدر