ترامب يغيّر نظرة الشعب الأمريكي للإسلام نحو الأفضل

من المتوقَع أن يعلن الرئيس ترامب حظراً على هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة، إلا أن استطلاعات الرأي التي أُجريت العام الماضي تُظهر أنه برغم نجاح ترامب الانتخابي، لم تحظَ وجهات نظره عن الإسلام والمسلمين بتأييد واسع لدى الرأي العام الأمريكي.

وقد كشفت أربعة استطلاعات للرأي خلال السنة الانتخابية عن تحولات غير عادية تقدمية، وغير متوقعة، كما لا يمكن تفسيرها عبر أحداث جرت أثناء تلك السنة. إذ أصبحت المواقف تجاه "الشعب المسلم" أكثر إيجابية تدريجياً لتزداد النسبة من 53% في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015 لتصبح 70% في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016.

هذا وقد شهدت المواقف تجاه الإسلام نفسه (التي تكون عموماً سلبية أكثر من المواقف تجاه المسلمين) تطوراً ملحوظاً: إذ ارتفعت النسبة من 37% في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015 لتبلغ 49% في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016، لتصل بذلك إلى أعلى مستوى من الإيجابية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

لكن الغريب في الأمر أن هذا التحول لا يحدث عادة في عام واحد ما لم تكن هناك أحداث استثنائية. في الواقع، جرت بعض الأحداث المتتابعة أدت إلى توقع تحوّل من نوع آخر: كالإرهاب باسم الدين الإسلامي في سان بيرناردو وأورلاندو، فضلاً عن عام الحملة المشحون الذي أعلن فيه المرشحون الجمهوريون -والعديد من مناصريهم- عن عدائية كبيرة تجاه المسلمين في خطاباتهم.

إذاً، كيف كان لهذه التحولات أن تتم في عام واحد؟

أحد دلالات هذا الأمر تأتي من الانشقاق بين الحزبين الرئيسين بشأن تلك القضايا. ذلك أن العديد من التحولات المذكورة كانت صادرة عن الديمقراطيين والمستقلين، لا عن الجمهوريين. فقد كانت التحولات، في أوساط الديمقراطيين، كافية للتأثير في النتائج الإجمالية؛ إذ تحسنت المواقف الإيجابية تجاه المسلمين لتتطور من نسبة 67% إلى 81%. أما بالنسبة للمواقف الإيجابية تجاه الإسلام شهدت تطوراً من 51% إلى 66%.

وكما يحدث حول جميع القضايا تقريباً، اشتد الانقسام الحزبي أثناء عام الانتخابات للغاية. وكلما أكّد أحد الطرفين تأييده لقضية ما - كما حصل بالنسبة لموقف ترامب تجاه الإسلام والمسلمين- اتخذ الطرف الآخر موقفاً معاكساً.

بالإضافة إلى ما ذُكر، كان هناك جانب آخر ذو صلة عزّز من التفاعل. نظراً لأن القضايا التي تتعلق بالشرق الأوسط تمس أهم القضايا ذات الأولوية عند الأمريكيين (فقد احتل قتال تنظيم الدولة الإسلامية خلال العام الماضي المرتبة الأولى)، كان نصيب السياسيين وقادة الرأي عالياً على وجه الخصوص. فبالنسبة للديمقراطيين، كان التنازل عن الرواية لصالح الجمهوريين فيما يخص هذه المسائل يُعدّ خسارة للمعركة الانتخابية.

كان لدى الجميع حافز كبير لطرح رواية مضادة، بدءاً من أبرز المرشحين، هيلاري كلنتون وبيرني ساندرز، وصولاً إلى الرئيس أوباما. وقد أضفت هذه الرواية المضادة، المعززة بتعاطف قادة الرأي، المزيد من الثقل إلى الانقسام الحاد وربما قد أثرت كذلك في المستقلين، وليس الديمقراطيون فحسب.

ومن المؤكد كذلك وجود اتجاهات ديموغرافية لصالح الديمقراطيين فيما يخص هذه القضايا: كتوسيع شرائح الرأي العام الأمريكي _ مثل جيل الألفية والأمريكيين من أصول لاتينية وآسيوية وإفريقية _ الذين يحملون وجهات نظر أكثر إيجابية تجاه الإسلام والمسلمين. لكن المحير في الأمر هو أن تأثير ذلك لا يمكن أن يُرى في سنة واحدة، ما يوحي بأن القوى المحرّكة الموضّحة أعلاه هي الأسباب الأساسية.

ما الذي قد يعنيه ذلك فيما يتعلق بتأثير رئاسة ترامب في المواقف العامة؟

ليس هنالك من شك في حدوث هجوم على الروايات المهيمنة فيما يخص كلاً من القضية الفلسطينية الإسرائيلية من جهة والإسلام والمسلمين من جهة أخرى. والسؤال هو التالي: إلى أين سيؤدي ذلك؟ ما هي فرصة نجاحه في تغيير المواقف العامة؟ ما الذي يمكن تعلمه من العام الماضي؟

في مرحلة ما، وعلى الرغم من تفرد دونالد ترامب، لمسنا بعض أوجه التشابه بالوقت الذي تولّت فيه إدارة جورج بوش الحكم بعد حقبتين متتاليتين لبيل كلنتون. ففي الأشهر السابقة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، اتّبع بوش سياسة مناهضة للعديد من سياسات أسلافه. فقد منح المزيد من الرخص لإسرائيل في مواجهتها مع الفلسطينيين، وقلل من أهمية تلك القضية في الأولويات الأمريكية، كما دافع الكثير من مؤيديه عن وجهة النظر تجاه الإسلام والمسلمين والتي تتوافق إلى حد كبير مع الأفكار التي تشير إلى وصفها بالصدام الحضاري. لكن، وعلى الرغم من أن الديمقراطيين كانوا في موقف دفاعي، لم يكن من المحتمل لتلك الجهود أن تنجح لولا كارثة الحادي عشر من أيلول التي مكّنت من إعادة خلط الأوراق السياسية، وحشدت معظم الأمريكيين تقريباً ليقفوا إلى جانب البيت الأبيض في الأعقاب المباشرة لتلك الحادثة.

ويعتمد الدعم الشعبي لحملة ترامب في حظر هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة على شعبية ترامب الخاصة والنجاح السياسي، كما تعتمد أيضاً على المجموعات والقادة ممن لديهم الحافز لمعارضة تلك الرواية. والواضح من الانتقال الرئاسي ومن الأيام الأولى القليلة لإدارة ترامب هو التالي: أن الحزبية لم تنته، أو تتوقف، مباشرة عقب الانتخابات. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الرئيس بدأ ولايته بمستوى شعبية متدنٍ لم يسبق له مثيل.

كما تشير الدلائل إلى أن مواقف معظم الأمريكيين تجاه الإسلام والمسلمين، خلال العام الانتخابي، قد تحسنت إجمالاً، وذلك يرجع بالتحديد إلى أنهم وجدوا أن ترامب، المرشح، يحمل وجهة نظر مغايرة. أما ترامب، الرئيس، ينبغي أن يكون له الكثير من التأثير، لكنه بدأ في مكان لم تشهد الحزبية فيه أي شكل من أشكال التناقص، بالإضافة إلى خطابه الرئاسي الذي عكس شخصية مرشح حزبي.

ولا يمكن لنا أن نتجاهل أيضاً الحافز لمعارضة وجهات نظر ترامب الذي تبدّى في مسيرة النساء التاريخية في اليوم الذي تلى التنصيب. وقد تمكن ترامب أيضاً، عن طريق مهاجمته لمؤسسة واشنطن في خطاب تنصيبه، من أن ينفر وسائل الإعلام، والعديد من أعضاء الكونغرس كذلك. في بيئة كهذه، قد يكون تأثير الروايات التي تدعمها المجموعات المعتمدة على نجاح ترامب، محدوداً، أو ربما تولد نتائج عكسية.

نحن في بداية عهد هذه الإدارة _ وقد تتغير الأمور بسرعة كبيرة. مع ذلك، لا يشهد الخطاب الحزبي للحملة أي تراجع ويبدو أنه من غير المرجح له أن يتوقف دون حدوث أزمة استثنائية. علاوةً على ذلك، ما يزال الحافز لدى بعض القادة والجماعات لتطوير روايات معادية لتلك التي يدعو إليها أنصار ترامب مرتفعاً للغاية.

يعد عهد ترامب عهداً فريداً من نوعه، ويرجع ذلك في جزء منه إلى أن الرئيس بحد ذاته لا مثيل له. لكن حقيقة أن يبدأ في تولي إدارته كمرشحٍ، بدلاً من توليها كرئيس، يعني أن قدرته على تمكين تحولات نموذجية كبيرة في المواقف العامة الأمريكية ستكون محدودة، على الأقل في المدى القصير.

الكاتب الأصلي: Shibley Telhami المصدر: اضغط هنا تاريخ النشر: 26 كانون الثاني (يناير), 2017 الناشر: الواشنطن بوست - The Washington Post اللغة الأصلية: الانكليزية

لمحة عن الكاتب:

شبلي تلحمي (Shibley Telhami): أستاذ جامعي في العلوم السياسية، أمريكي من أصل فلسطيني من عرب 48. زميل غير مقيم في مركز صبان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكنجز. بالإضافة إلى عمله باحثاً ومحللاً سياسياً، يجيد اللغة العربية والعبرية والإنكليزية. ألف الكثير من الكتب فضلاً عن العديد من المقالات في السياسة الدولية وشؤون الشرق الأوسط.