شاكر اليساوي قامة وطنية لم تنحن


أحمد مظهر سعدو

من القامات الوطنية السورية التي تترك الأثر أينما تحل، الباحث والمناضل الوطني السوري شاكر اليساوي، ابن مدينة دير الزور، وابن مرحلة وطنية سورية من أكثر المراحل حركة وتغيرًا. ولد في مدينة دير الزور، وتلقى علومه الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارسها، وتابع تعليمه الجامعي في جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية، ودرس ثلاث سنوات، ثم أعاد انتسابه إلى قسم التاريخ وتخرج فيها عام 1975.

وفي سياق العمل الوطني، انتسب إلى حزب البعث عام 1957، وكانت حياته الحزبية قريبة من صفوف الطلاب والعمال، واستطاع تنظيم كثيرين منهم، وتعرض للاعتقال والمساءلة في فترة الوحدة بين سورية ومصر عام 1958، بسبب نقده تسلط أجهزة المخابرات.

شارك في مظاهرات عديدة ضد الانفصال عام 1961، وعدّ الانفصال خطة موجّهة ضد المشروع النهضوي القومي العربي، واستمر في الحزب إلى أن حدثت خلافات سياسية، فانقسم الحزب إلى تيار يميني محافظ وآخر يساري، فانحاز إلى التيار اليساري الذي سمى نفسه “حزب البعث العربي الاشتراكي” اليساري، ثم تركه لينضم إلى حزب العمال الثوري العربي، الذي ضم في ظهرانيه نخبة من الباحثين والناشطين الوطنيين، انحاز إلى صفوف هذا الحزب وبقي عضوًا فيه، مع صديق دربه ياسين الحافظ، ثم جمّد نشاطه في الحزب بعد وفاة ياسين الحافظ 1988، ونذر حياته للمطالعة والكتابة والبحث عن الحقيقة والمعرفة.

شاكر اليساوي من الشخصيات السورية التي اشتغلت طويلًا بالبحث والتأليف؛ فأنتج مؤلفات كثيرة، كان رافدًا للمكتبة العربية، وخصوصًا المهتمة بالشأن العام الوطني والقومي، ومن مؤلفاته “الصهيونية في المنظور الثوري” و”عبد الناصر في عين التاريخ” و”طريق العرب إلى النهضة” و”قراءة في الوضع العربي والدولي”، وكتاب “العرب والتنوير”، وكثير من الكتب والأبحاث الأخرى.

كان رفيع الأخلاق، متواضعًا، صادقًا، كريمًا، بل متصوفًا في الوطنية السورية، مهتمًا بالشأن العربي، إذ كان ما يجري في فلسطين والعراق أكثر ما يقض مضجعه، وكان يشارك في أي حراك في هذا المجال، وقال عبد الحفيظ الحافظ “إن ما خلفه هذا المفكر ليس بالقليل، وقد جمع في شخصه صلابة المناضل وعمق المفكر وحنان الإنسان”.

كان محاورًا مخضرمًا، يُصرّ على المشاركة في النشاط الوطني على الرغم من المرض، حتى قال عنه بعضهم: “كان أبو محمود فارسًا بأخلاقه، يمد يد العون لكل من يقصده.. وهو الذي يملك نخوة البدوي وعقلانية الباحث. لقد أثقلت كاهله هموم الحياة والمعاش، لكنه بقي واقفًا دون ركوع.. فكم كان همه كبيرًا وكم كان متعبًا.. وعندما نال منه المرض بقي همه الوحيد هو هم الأمة، لقد عاش بطلًا ومات جبلًا”.

رأى اليساوي أن “الدين الحقيقي هو ما يقبله العقل، وما يعالج قضايا الناس الواقعية والمعاشية، ورفض دين الدروشة والاستكانة والتواكل والتكايا، كما خاصم دين المصالحة مع واقع الأمة المزري، السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، أو دين التواطؤ مع المستعمرين والرجعيين والسلطات القامعة لشعوبها”.

قال فاروق المضحي: “كان السؤال الكبير الذي يؤرقه كيف تنهض الأمة العربية التي طال تفككها ورقادها، وكيف تبني الدولة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق القومي والاشتراكي، وقد حاول تلمس الإجابة عن هذين السؤالين في المخطوطات التي كتبها وأصدرها”.

اليساوي صاحب مواقف لا تلين في وجه الطغاة والمستبدين، كان همّه الأساس؛ حتى وفاته، البحث في كيفية انهيار الاستبداد المشرقي، والبديل الديمقراطي الممكن.

شاكر اليساوي، من مواليد محافظة دير الزور 1940، توفي في ـدمشق بتاريخ 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2003 ودفن في دير الزور، وهو عضو اتحاد كتاب العرب، وعضو جمعية البحوث والدراسات.




المصدر