on
في العبور إلى الضفة المقابلة.. سوريون بلا غطاء
علاء كيلاني
استفاقت أسرة طلال الشرع، على وقع أوجاع كانت تغرف منها حتى اللحظة الأخيرة. فالواقع الذي عاشته لسنوات، لم يترك لها أي أمل في الخروج من عنق الزجاجة، ومجاراة الحياة بطيفها المعتاد.
من المؤلم حقًا، النظر إلى عائلة طلال، على أنها أسرة لاجئة وحسب، تملك حق الحماية الموقتة، وفق لائحة “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”، مُنحت أخيرًا بطاقة دعم مالي، تصرف قيمتها البالغة 60 دينارًا أردنيًا (ما يعادل 85 دولارًا)، في شراء المواد الغذائية مطلع كل شهر. يقول طلال: نحن لم نأت من الهواء، فلدينا على الضفة المقابلة من الحدود جذور تاريخية، وأصول مادية ثابتة، وأصدقاء، وجيران، وبيئة منحتنا سماتها، وتراب نملكه. لكنه زمن الحرب. لقد خلفنا وراءنا كل شيء. اليوم ننتظر هذا المبلغ الذي منحتنا إياه المفوضية، على تواضعه، لنسد به بعض حاجاتنا، بينما تصرفه بعض العائلات، هنا في عمان، على فاتورة الكهرباء وحدها، فما بالك أيضًا بنفقات أساسية تبلغ حاجاتها الفعلية نحو 400 دولار، بما فيها أجرة المنزل.
معاناتنا ليس مصدرها هشاشة وضع العائلة المادي، أو فشل بعض أبنائها على مستوى الدراسة، بسبب انخراطهم في سوق العمل غير الرسمي، “بل استمرار الحياة على هذا النمط، في غياب صورة واضحة عن المستقبل الذي ينتظرنا، مع دخول الحرب عامها السابع، مثقلة بأحزان بلد لا نعرف متى يستقر، أو متى سنعود إليه”.
صدمة “ما بعد اللجوء”، لم تتلقاها بمفردها، عائلة الشرع التي اجتازت حدود الأردن مع نهاية عام 2012، عقب تهدم منزلها الوحيد في بلدة تقع بالقرب من مدينة درعا، جنوب البلاد، فهناك أكثر من 655ألف لاجئ سوري داخل الأردن، تلقوا الصدمة ذاتها، وهم الآن يدفعون ثمن عدم جدية المجتمع الدولي في إنهاء الحرب التي دمرت بلادهم، وقذفت بهم خارج الحدود.
وبخلاف العدد المُدّون في قوائم “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين” حتى نهاية عام 2016، تعزو مصادر رسمية ارتفاع عدد السوريين إلى 1.4 مليون، يشكلون 20 بالمئة من سكان الأردن. وهو الرقم المعتمد حكوميًا، إلى نتائج المسح السكاني الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة قبل عامين، حيث كشفت خلاله وجود أعداد كبيرة من السوريين، استقروا منذ ثمانينيات القرن الماضي، فترة صراع النظام السوري مع الإخوان المسلمين، ولم يبادروا إلى ضم أفراد أسرهم إلى سجلات المفوضية الحديثة، لحسابات خاصة، أضافتهم الحكومة إلى أقرانهم.
لكن معاناة الجميع ازدادت، مع بداية فصل الشتاء الحالي، حين تزامنت موجة البرد القارس التي ضربت شمال المملكة (إربد، الرمثا، المفرق) مع موجة ارتفاع أسعار هزّت استقرار الأسواق المحلية، ولم تستثن حتى طعام الطبقة الفقيرة، كالبيض والبطاطا وبعض أنواع الخضروات، على سبيل المثال.
وعلى الرغم من أن الظاهرة لم تكن بجديدة على المملكة، إذ سجل غلاء المعيشة في الأردن خلال العقدين الأخيرين مستويات عالية، بسبب تأثر الوضع الاقتصادي بتداعيات الأزمة المالية العالمية، وارتفاع نسبة التضخم، وشح الموارد، وعدم كفاية الاقتصاد، لضعف هيكليته. إلا أن المجتمعات المحلية كثيرًا ما كانت، بعد الأزمة، تعزو سبب تراجع الحياة المعيشية للأردنيين إلى الوجود السوري، الذي ضغط ضغطًا كبيرًا على موارد البلد، وخلق وضعًا فاق قدرة الأردن وإمكاناته المتواضعة.
أدت الزيادة الكبيرة في عدد السكان الى زيادة نسبة الطلب على المياه بحوالي 21 بالمئة في جميع مناطق المملكة، أما في محافظات الشمال، فقد ارتفعت نسبة الطلب فيها إلى 40 بالمئة.
من جانبه لا يخفي الخبير الاقتصادي خالد جبر، وجود هذا الاستياء، وتناميه في بعض المناطق المتضررة، بشكل قد يهدد على المدى المتوسط والبعيد، السلام المجتمعي والاستقرار. وأضاف قائلًا لـ (جيرون): “تدفق هذا العدد الكبير من اللاجئين، شكل عبئًا كبيرًا على المجتمعات المضيفة، التي تعدّ أصلًا مجتمعات فقيرة، تعاني من شح وقِدَم الخدمات الاجتماعية الأساسية والاقتصادية، ما استنزف مواردها، وشكل ضغطاً هائلًا على بنيتها التحتية وخدماتها، وأوضح أن الأردن: “لم يدخر أي جهد مالي أو جهد إنساني لمواجهة هذه الازمة، وحتى كل المصادر الموجودة والمتاحة جرى استغلالها، خصوصًا في ما يتعلق بالبنية التحتية التي تنفذها الحكومة. وبدون دعم حقيقي من الشركاء سوف يحدّ ذلك من قدرتنا على تلبية حاجات اللاجئين. مشيرًا إلى ضرورة قيام المجتمع الدولي بواجبه تجاههم، لأن استمرار وجود فجوة تمويلية، من شأنه أن يؤثر في الخدمات التي تقدمها الحكومة إليهم عامة.
يواجه الأردن اليوم، في ظل تأزم اقتصاده، معضلة ضمان رفع مستوى الخدمات الحكومية المقدمة واستدامتها، سواء في العام الحالي، أم الأعوام المقبلة، خصوصًا على مستوى القطاعات التي تشهد طلبًا متزايدًا، كقطاع المياه والصرف الصحي، والنفايات الصلبة، والتعليم، والصحة، ومشروعات البنية التحتية.
ومنذ عامين تقريبًا، تبنت وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية، خطة وطنية مفصلة، تهدف إلى وضع سياسة اقتصادية واجتماعية شاملة، تضمن الانتقال من مرحلة الطوارئ في التعامل مع اللاجئين، إلى مرحلة التعافي من آثار اللجوء الكبيرة، ومن ثم؛ الانتقال -بعد ذلك- إلى مرحلة ضمان التنمية المستدامة على المدى البعيد، تحت مظلة الدعم الدولي.
تقدر تكلفة اللجوء السوري، بحسب خطة الاستجابة الأردنية للأزمة خلال الأعوام /2016 2018، بنحو 8.2 مليار دولار، منها 2.5 مليار دولار تكلفة اللاجئين السوريين، و2.5 مليار دولار تكلفة المجتمعات المستضيفة، و3.2 مليار دولار لتلبية حاجات دعم الموازنة العامة. وأخيرًا جرى تحديث الخطة بهدف أن تنسجم مع مخرجات مؤتمر لندن لدعم سورية والإقليم (Supporting Syria and the Region) الذي عقد في شباط/ فبراير العام المنصرم، عبر ثلاثة محاور رئيسة ومترابطة، كفصل مكون سبل العيش عن الأمن الغذائي، وتحديد مشاريع من شأنها خلق فرص عمل جديدة للأردنيين، وتوسيع مجالات التدريب والتأهيل. وضمّ أكبر عدد من الطلبة السوريين إلى النظام التعليمي.
ويبلغ إجمالي تكلفة اللجوء السوري في السنوات 2011/ 2018 وفق التقديرات الحكومية نحو 15 مليار دولار تقريبًا، لكن الخبير الاقتصادي، ابراهيم الحيالي، يرى أن حجم التمويل المُقدم من المجتمع الدولي لخطة الاستجابة الراهنة وصل الى ما يعادل 54.05 بالمئة فقط من إجمالي الحاجات المطلوبة، تُوزع بحسب بيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولي على دعم المجتمعات المستضيفة 482 مليون دولار، ودعم اللاجئين 568 مليون دولار، ودعم الخزينة 385 مليون دولار. مضيفًا لـ (جيرون):”أظهر تقييم الهشاشة، وجود زيادة في أعداد الطلاب السوريين تقدر بنحو 12 بالمئة، وتتركز هشاشة القطاع في كل من محافظات عمان، الزرقاء، إربد والمفرق. بينما وصل معدل البطالة إلى 15.8 بالمئة من عدد السكان. في الوقت الذي تبين مصادر “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” أن 90 بالمئة من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر. وأن المساعدات الإنسانية ساعدت في انتشالهم من معدلات المستويات الخطرة للفقر، وأن حوالي 26 بالمئة من الأسر خارج المخيمات تعتمد على الدخل الذي يُولده أفراد الأسرة، من خلال عملهم في وظائف ذات دخل منخفض.
المصدر