on
قطار أستانة السوري خط واحد
العربي الجديد
يبدو أن العاصمة الكازاخية أستانة ستشكل محطة رئيسية على طريق الحل السوري الذي تولت روسيا ترتيب مجرياته، بمساعدة تركيا وإيران. وفي ختام المؤتمر القصير الذي استغرق أقل من 24 ساعة، أعلنت موسكو أن قطار التسوية بات على السكّة، وكشفت عن بعض معالم خريطة طريق، منها ما يتعلق بترتيباتٍ ميدانيةٍ سريعة في إطار التفاهم على مجريات تثبيت الهدنة التي جرى الاتفاق عليها في أنقرة في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والبعض الآخر يختص بالعملية السياسية اللاحقة التي سقطت منها، كما هو واضح، مرجعية جنيف1 لعام 2012، وحل محلها قرار مجلس الأمن 2254 الذي تولت روسيا صياغته في نهاية 2015، ومن الآن فصاعدًا، سيصبح هذا القرار على جدول الأعمال السوري، بداية بمؤتمر جنيف المقرّر أن ينعقد برعاية الأمم المتحدة في الثامن من فبراير/ شباط المقبل.
في ختام مؤتمر أستانة، لم يكن هناك من بين أطراف النزاع من خرج مرتاحًا كليًا، وظهر، من خلال ردود الفعل والبيانات التي أدلى بها وفدا المعارضة والنظام، أنهما لم يتمكّنا من فرض شروطهما على طاولة المفاوضات، وقدّم كل منهما تنازلًا من أجل صدور بيان رسمي نهائي، يتضمن الخطوط العريضة لأهداف المؤتمر، وهي تثبيت هدنة اتفاق أنقرة. وتعبيرًا عن عدم رضاها التام عن النتائج، لم تضع المعارضة توقيعها على البيان الختامي، وتركت الأبواب مفتوحةً بانتظار تشكيل آلية تنفيذ الهدنة التي من المفروض أن تباشر عملها بعد ثلاثة أيام.
صحيح أن مؤتمر أستانة لم يتمخض عن نتائج ملموسة مباشرة، لكنه كان أكثر من لقاءٍ من أجل تجديد تعهد الأطراف كافة، المعارضة والنظام والضامنة، على تثبيت وقف إطلاق النار. وعلى ما يبدو، فإن قضية الاجتماع بالنسبة للروس كانت عملية ذات بعد نفسي، من أجل كسر الحاجز، ولذلك أصروا على المشاركة الواسعة من العسكريين الذين يقودون فصائل تقاتل النظام، وكانت عملية وضع هذا العدد الكبير من العسكريين بوجه وفد النظام والجانب الإيراني بمثابة فتح صفحة جديدة في مسار المسألة السورية التي يريد النظام، وحليفه الإيراني، مواصلة القتال من أجل تصفية كل من يرفع السلاح في وجه مشروع الاحتلال الإيراني لسورية. وظهر من ردود أفعال رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، أنه جاء بروحية استفزازية، وغادر بمعنويات هابطة، بعد أن تعرّض لتقريع من الروس الذين كان يهمهم نجاح المؤتمر. ولذا حدّ من العنتريات الكلامية التي اتسم بها خطابه في جولات جنيف.
ومن الواضح اليوم أن روسيا مصممة على السير في خريطة الطريق التي وضعتها، وأن أي احتجاجٍ من أي طرف لن يؤثر على مسارها العام. ولذا وضعت جميع الأطراف في قطار واحد، وأمرت السائق أن يسير بالسرعة القصوى، لكي يمنعوا القفز من على ظهر القطار الذين يريدون وصوله إلى جنيف في الموعد المحدد بعد حوالي 12 يومًا. وهم سيعملون، في هذه الفترة، على إعادة خلط الأوراق من جديد، ومثلما كانت أستانة نقلةً في الشكل والمضمون، فإن جنيف مرشحةٌ لأن تحدث صدمةً أشد قوة ذات ارتدادات كبيرة في الداخل والخارج.
بات واضحًا أن موسكو أصبحت صاحبة القرار الوحيدة في الشأن السوري، ولأنها مزمعة على حل يوقف استنزافها عسكريًا، ويؤمن مصالحها الحيوية في سورية والمنطقة، فإنها تتصرّف على أساس رؤية خاصة لإعادة تشكيل المشهد السوري، من خلال خلطةٍ تتيح حالة توازن بين النظام والمعارضة المسلحة، وما يخرج عنهما من أطرافٍ تسميها هي “منصات”، مثل موسكو والقاهرة. وبالطبع، هي لن تتحول إلى طرف محايد، كما وصفها محمد علوش رئيس وفد المعارضة، ولكنها لم تعد أيضًا المدافعة عن مشروع النظام الذي يستمد الحياة من الرعاية الإيرانية.
(*) كاتب سوري
المصدر