كيف يتعامل النظام مع المناطق الخاضعة لسيطرته في درعا؟


مضر الزعبي: المصدر

تسيطر قوات النظام على 21 مدينة وبلدة في محافظة درعا، جميعها تقع على أوتوستراد دمشق ـ عمان الدولي، وطريق دمشق درعا القديم، ويمكن فصل هذه المناطق إلى قسمين، أولهما هي المناطق التي لم تخسرها قوات النظام منذ انطلاق الثورة، ومناطق أخرى خسرتها لصالح كتائب الثوار وتمكنت من استعادتها، وهذه الأخيرة أيضاً تقسم لمدن وبلدات سمحت قوات النظام للأهالي بالعودة إليها، وأخرى تم تحويلها لثكنات عسكرية لقوات النظام والميلشيات الطائفية.

أولاً: مناطق لم تخسرها قوات النظام

هناك ثلاث مناطق رئيسية في محافظة درعا استماتت قوات النظام والميلشيات الموالية في المحافظة عليها، وهي (درعا المحطة وإزرع والصنمين)، وذلك نظراً لأهمية تلك المدن بالنسبة لقوات النظام. file15.png

درعا المحطة

كانت درعا المحطة مطلع الثورة السورية تعتبر من أهم نقاط التظاهر، وقد شهدت مجموعة من الأحداث المحورية في الثورة السورية ومنها مجزرة (الأربعاء الدامي) بتاريخ 23 آذار/مارس 2011، والتي راح ضحيتها قرابة 50 قتيلا، لتكون أول مجزرة بتاريخ الثورة السورية ترتكبها قوات النظام، كما شهدت تحطيم أول صنم لـ (حافظ الاسد) بتاريخ 25 آذار/مارس (جمعة العزة). وبدأت قوات النظام نهاية شهر نيسان/أبريل من العام 2011، وعقب اقتحام أحياء درعا البلد، بسياسة التضيق الأمني على الأهالي في أحياء درعا المحطة، وذلك نظراً لأهميتها كونها تضم المراكز الأساسية لقوات النظام، ومنها (المجمع الحكومي ـ الأفرع الأمن ـ فرع الحزب). واستمر شباب الثورة بالتظاهر في عدد من أحياء درعا المحطة لأكثر من عام، متحدّين القبضة الأمنية لقوات النظام.

ونتيجة لسياسة قوات النظام أصبحت أحياء درعا البلد خالية من الشبان عقب حملات اعتقال واسعة في تلك الأحياء، مما أجبر الشبان على الانتقال في المرحلة الأولى إلى المناطق البعيدة عن تجمعات قوات النظام أو اللجوء إلى دول الجوار، وعقب تحرير أجزاء من محافظة درعا انتقل الشبان إلى المناطق الخاضعة لسيطرة كتائب الثوار. ويذكر أن كتائب الثوار منتصف العام 2015 حاولت السيطرة على أحياء درعا المحطة في معركة (عاصفة الجنوب) التي باءت بالفشل، نتيجة حشد قوات النظام لآلاف المقاتلين من جنسيات مختلفة عشية خسارة مركز المدينة لما له من أهمية استراتيجية ومعنوية للثوار في الجنوب السوري وسوريا.

مدينة إزرع

على الرغم من كون المدينة أِشبه بالثكنة العسكرية، إلا أنها كانت من أولى المدن الثائرة في محافظة درعا، وقد دفعت ثمن انتفاضها على النظام، ففي 22 نيسان/ابريل 2011 (الجمعة العظيمة) ارتكبت قوات النظام مجزرة في المدينة راح ضحيتها أكثر من 15 شخصا، وعقب المجزرة بدأت قوات النظام حملة اعتقالات واسعة في المدينة، كما أن النظام وللمرة الأولى أطلق مصطلح (الإمارات السلفية) على ثوار المدينة لتبرير أفعالة، واعتقل الشيخ (حسين الزعبي) عقب كلامه في ساحة المدينة العامة عن حقيقة ما حدث في المدينة يوم (الجمعة العظيمة).

وعقب حملة الاعتقالات التي قامت بها قوات النظام أرفرغت المدينة من ثوارها، كون المدينة محاطة بمقار قوات النظام والثكنات العسكرية ومنها (الفرقة الخامسة ـ اللواء 12 ـ الفوج 175 ـ مفارز أمنية). وتعتبر المدينة اليوم مقر عمليات للميلشيات الطائفية وقوات النظام، وهجر جزء كبير من سكانها إلى الدول المجاورة والمناطق المحررة في المحافظة.

الصنمين

تميزت مدينة (الصنمين) عن باقي المناطق التي لم تخسرها قوات النظام، بثبات ثوارها فيها، على الرغم من جرائم قوات النظام بحق أهاليها، وكانت أولى مجازر النظام في المدينة بتاريخ 25 آذار/مارس 2011، لتكون ثاني مجزرة في الثورة السورية عقب مجزرة (الأربعاء الدامي) في درعا المحطة، وراح ضحيتها أكثر من 15 شخصاً من أبناء المدينة

وعلى الرغم من اتباع قوات النظام أسلوباً واحداً في المدن الثلاثة ذات الأهمية الاستراتيجية إلا أن ثوار مدينة (الصنمين) تمكنوا من البقاء في مدينتهم، وتميزت المدينة بمظاهراتها في العام الأول من الثورة، وقد استخدمت مجموعة من العبارات التي ماتزال تذكر السوريين بأجمل مراحل ثورتهم إلى اليوم.

وفي 10 نيسان/أبريل 2013 اقتحمت قوات النظام الأحياء السكنية من مدينة (الصنمين)، وارتكبت مجزرة راح ضحيتها أكثر من 50 مدنيا، بالإضافة لعشرات المفقودين من أبناء المدينة، وذلك بهدف القضاء على الثورة في المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية كونها تقع على طريق دمشق ـ درعا القديم وتضم مجموعة من الثكنات العسكرية التابعة لقوات النظام، أهمها مقر (الفرقة التاسعة).

وعلى الرغم من ارتكاب النظام لمجزرتين في البلدة إلا أن ثوار (الصنمين) تمكنوا من إخراج قوات النظام من أغلب أحياء المدينة، واستمرت سيطرة ثوار المدينة على معظم أحيائها حتى نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، عندما تمكنت قوات النظام من إبرام اتفاق مصالحة عقب حصار أحياء المدينة الخاضعة لسيطرة الثوار لأشهر.

ثانياً: مناطق خسرتها قوات النظام واستعادت السيطرة عليها

file16.png

خربة غزالة

تتمتع مدينة (خربة غزالة) بريف درعا الشرقي بأهمية استراتيجية كبيرة، كونها تقع على الأوتوستراد الدولي دمشق ـ عمان، كما أنها تعتبر العقدرة التي تربط مدينة (درعا) بالأوتوستراد الدولي، وكانت المدينة من أولى مدن محافظة درعا التي انخرطت في الثورة، وقتل العشرات من أبنائها في الحراك السلمي. وفي شهر شباط/فبراير 2013، بدأت عمليات التحرير في محافظة درعا، وقطع ثوار ريف درعا الشرقي الأوتوستراد الدولي التي يشكل شريان الحياة الوحيد لقوات النظام، وقتلوا العشرات من قوات النظام، كما ساهم قطع الأوتوستراد بتحرير بلدة (بصر الحرير) أولى المناطق المحررة من محافظة درعا، وتحرير كل من (اللواء 38 ـ كتيبة المسيفرة ـ كتيبة السهوة ـ كتيبة الردار). ومع نهاية شهر أيار/مايو 2013، سيطرت قوات النظام على المدينة عقب 66 يوماً من الاشتباكات المتواصلة، وبعد ذلك منعت أكثر من 20 ألف نسمة من سكان المدينة من العودة إليها، بسبب المقاومة التي واجهتها قوات النظام والميلشيات الموالية له في المدينة، وحولت قوات النظام المدينة لثكنة عسكرية يمنع الدخول إليها، ونفذت قوات النظام نفس السياسة بحق أهالي بلدة (نامر) الواقعة على الأوتوستراد الدولي.

الشيخ مسكين

سيطر الثوار على كامل مدينة (الشيخ مسكين) مطلع العام 2015، لتكون أهم مدينة يتم السيطرة عليها من قبل ثوار محافظة درعا، كون المدينة تحوي مجموعة من مواقع قوات النظام العسكرية، ومنها (اللواء 82 ـ الإسكان العسكري). وعقب سيطرة الثوار على المدينة عاد عشرات الآلاف من سكانها الذين يتجاوز عددهم 40 ألف نسمة إلى المدينة المحررة، ومع نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2015 بدأ الطيران الحربي الروسي حملة واسعة ضد المدينة المحررة، لدعم قوات النظام والميلشيات الطائفية التي تمكنت من السيطرة على المدينة نهاية شهر كانون الثاني/يناير2016، وهجرت سكان المدينة، ومنعتهم من العودة إليها، لتتحول لثكنة عسكرية، وقد طبقت قوات النظام نفس السياسة في بلدة (عتمان) غرب درعا.

دير العدس

وسيطر الثوار منتصف شهر أيلول/سبتمبر 2014 على بلدة (دير العدس) شمال درعا، ليصبحوا على أبوب ريف دمشق الغربي، وعاد المئات من أبناء البلدة إليها، ولكن قوات النظام وبدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني وميلشيا حزب الله وميلشيا فاطميون الأفغانية، استعادت السيطرة على البلدة في معارك (مثلث الموت) في شهر شباط/فبراير 2015، ومنعت الأهالي من العودة إلى البلدة التي تحولت لمركز عمليات للحرس الثوري الإيراني.

الفقيع

كانت بلدة الفقيع آخر البلدات التي تسيطر عليها قوات النظام في محافظة درعا، وذلك نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وقد سيطرت عليها دون أي مقاومة تذكر من قبل الثوار، وسمحت قوات النظام لأهالي البلدة منتصف شهر كانون الثاني/يناير الجاري من العودة إليها. وطرح سماح قوات النظام لأهالي البلدة بالعودة إلى منازلهم مجموعة من إشارات الاستفهام حول سياسة قوات النظام المتبعة تجاه المناطق التي تبسط سيطرتها عليها، فقد سمحت لأهالي البلدة التي لم تبدِ مقاومة لقوات النظام والميلشيات الطائفية، بينما منعت أهالي المناطق التي كبدت قوات النظام خسائر كبيرة من العودة إليها.




المصدر