الأطفال في ظلام الدولة الإسلامية
28 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017
جيرون
يُسهم البحث الذي أنجزه الكاتب الشاب وسيم السلطي مؤخرًا، ضمن الدورة الثالثة من برنامج أبحاث: لتعميق ثقافة المعرفة في تشريح وتحليل ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية وسلوكياته الخطيرة التي يمارسها بحق أطفال سوريا، وانتهاكه للحقوق الطبيعية والقانونية الخاصة بهم، واستبدالها بواجبات شاقة من شأنها ترسيخ عقيدة الكراهية والعنف والموت.
عن دوافعه البحثية والصعوبات التي اعترضت طريقه، تحدث وسيم لموقع اتجاهات.
انطلق البحث من استعراض النشأة التاريخية لظهور الدولة الإسلامية، وذلك قبل أن يتناول طرائق التعليم ومناهجه في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم حيث يجري تلقين أيديولوجيا التنظيم بناء الهوية الجهادية. في فصله الثالث يتناول البحث ظاهرة تجنيد الأطفال في أراضي التنظيم بدءًا من استمالة الأطفال وانتقاء بعضهم لمرحلة التدريب الذهني والبدني، وتوزيع الأدوار العسكرية. كما يتطرق البحث إلى دراسة شخصية الطفل المجاهد “شبل البغدادي” نموذجًا.
عن دافعه حول إنجاز هذا البحث يقول وسيم: “كانت رغبتي في تناول ظاهرة تجنيد الأطفال عند تنظيم داعش ودراستها بشكل منهجي ومؤطر بالأدوات التي تسمح لي بالبحث من خلال التدريب وتحت إشراف باحثين مختصين، متماهية –تمامًا- مع اهتمامي بالأطفال بعد تأزم الأوضاع في سورية. بدأت معالم ذلك الاهتمام بالظهور منذ أن شهدت جانبًا من آثار الحرب وتحديدًا النفسية، خلال مشاركتي للأطفال وما عانوه في مراكز الإيواء. بحكم عملي كإعلامي مختص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين، فإنني على اطلاع مستمر على أخبار الحرب، الأمر الذي لطالما حثني على معرفة حال الأطفال ومعاناتهم وسط تلك الأخبار”.
عمل وسيم على قراءة ومعرفة أغلب ما له صلة بأوضاع الأطفال تحت حصار داعش وقوات النظام في مختلف المناطق، الأمر الذي أغنى البحث، ولكنه في الوقت نفسه، منح الباحث، وفقًا لتعبيره، شعورًا متصلًا بالألم وتفكيرًا مستمرًا بالحالة النفسية المتدنية للأطفال، لما عاشوه ولا يزالوا يعيشونه تحت سيطرة تنظيم إرهابي. الأمر الذي حمّله مسؤولية بحثية وأخلاقية مضاعفة تجاه الأطفال.
تمكن وسيم من الوقوف على آليات تجنيد الأطفال وأساليب إساءة استخدامهم ومعاملتهم والمهمات العبثية في مصائرهم وآثار تعرّضهم لمنسوب عال ويومي من العنف، وتشرّبهم لأدلجة التنظيم المتطرفة والتفافهم غير الواعي حول العقيدة التي اخترعها داعش، ولكنه يستدرك قائلًا: “بعد كل هذه المشاهدات والقراءات وتحفيزها للتساؤلات، اعترضتني فكرة مفادها أن الإحاطة بموضوع التجنيد لا يمكن إنهاؤه أو الادعاء بأنه ناجز، ما لم يتم إجراء بحث ميداني يتضمن مقابلات مباشرة لأطفال تعرضوا لعملية التجنيد، وعاشوا في أراضٍ كان يحكمها إرهابيو التظيم. بيد أن ذلك يتطلب مستويين من الدعم: دعم ميداني يتيح لي الوصول إلى عينات من أولئك الأطفال في الأماكن المتاحة التي أستطيع الوصول لها، ودعم بحثي يتعلق بمهارات وأساليب البحث الميداني، وما يحتاجه من خبرة وإرشادات إضافة إلى ما أملكه من خبرة في الصحافة”.
حول الصعوبات التي اعترضت طريقه البحثي، يذكر وسيم ندرة الدراسات الميدانية حول أعداد الأطفال وأوضاعهم، وأعداد من قضى منهم ومن شارك في القتال إلى جانب داعش، وذلك أن الأخير يمنع إعداد مثل هذه الدراسات، بينما تتناول الصحف ومراكز الدراسات هذه الأرقام بشكل تقريبي. ويشير إلى إمكانية اعتماد المواقع الإلكترونية للتنظيم ووكالات الأنباء الناطقة باسمه كمصادر لتلك الأرقام، أو حتى من المواقع المناصرة له، والتي تصدر المقالات والدراسات والمجلات والأفلام الخاصة بالتنظيم. إلا أن معظم تلك المواقع تتعرض بشكل دوري للقرصنة وحملات التبليغ المستمرة من قبل مستخدمي الأنترنت، من أجل إغلاق تلك المواقع على سبيل المشاركة في محاربة التنظيم، مما يجعل البحث في هذه المصادر عسيرًا في معظم الأوقات.
من المصادر الأخرى التي اعتمدها وسيم في بحثه، الصحافة الغربية في تناولها للتنظيم؛ حيث يمكن الوقوع على العديد من البيانات والمقالات والإدانات حول ظاهرة التجنيد، وحتى الصحافة العربية والدراسات العربية، من خلال إصدار أوراق ومقالات حول تجنيد الأطفال. ويتابع مستدركًا: “بيد أن بعضها لا يعطي إلا لمحة عامة دون الخوض في التفاصيل، وبعضها الآخر لا يتحدث إلا من جانب واحد أو يقتصر على التعاطف والإدانة. أضف إلى ذلك أنه –وعلى الرغم من تأليف عشرات الكتب حول تنظيم داعش، وتناول هذه المؤلفات لجوانب مختلفة من نشأة وحياة هذا التنظيم- إلا أن أحدها لم يتفرد بظاهرة التجنيد ولم يعرها الاهتمام المطلوب. لذا، تبقى مصادر التنظيم هي الوحيدة التي تتحدث عن أوضاع الأطفال لديها بالشكل الذي تريده، وفي الصورة التي تريد تصديرها وإرسالها إلى العالم. ولكن هذا التصدير هو في الوقت ذاته دليل إدانة وشاهد حول ممارسات داعش الجائرة بحق الأطفال، لما تحويه هذه الممارسات من نشاطات منكرة للطفولة وباعثة على الحقد والكراهية في نفوس الأطفال منذ نشأتهم”.
وسيم السلطي
خريج جامعة دمشق كلية الآداب قسم الفلسفة، عام 2013، درَّس مادة الفلسفة لطلاب الثانوية العامة، صحفي ومراسل عدد من الصحف مثل العرب اللندنية، السفير، مجلة الجديد. له العديد من الأوراق البحثية المنشورة مثل “داعش.. تساؤلات فكرية وتاريخية” في موقع دلتا نون. يعمل حاليًا في مؤسسة جفرا للإغاثة والتنمية الشبابية الناشطة في مجال العمل الإنساني داخل المخيمات الفلسطينية في سوريا.
[sociallocker] [/sociallocker]