دستور روسيا لسورية يُقدّم “أسيدوف” الجديد
29 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017
نزار السهلي
عدا عن الدستور الروسي المقترح لسورية، نشرت صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية مقترحًا لإنشاء اتحاد كونفدرالي روسي – سوري، بوصفه حلًا “رائعًا” للأزمة السورية بحسب وصفها، لن يجد الإرهابيون وقوى الشر -بعدُ- مجالًا للانقضاض على دمشق.
يُعيدنا المقترح إلى سياسة موسكو “المافيوزية” المتّبعة في إقليم أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وضم شبه جزيرة القرم، وسياسة الابتزاز والترهيب لدول بحر البلطيق، لكن المختلف يكمن في جوهر الاحتلال الجديد لسورية التي تسوقه موسكو لنفسها، بوصفها راعية لحلول الكارثة التي أسهمت في إحداثها ومشاركتها التدميرية الهائلة للمجتمع السوري، وتحويل أكثر من منطقة في سورية إلى “غروزنيات”؛ ليبقى التفصيل عن شكل البدلة التي سيرتديها “أسيدوف” دمشق المقبل.
ترقية موسكو لنفسها من داعم للقاتل في دمشق، إلى وسيط في أستانا، يفصل له دستورًا على شاكلة محميات الإمبراطورية السوفياتية، يعود في الأصل إلى استثمار ما هو منجز على الأرض، وعلى نحو مفهوم؛ لتعطيل استثمار السوريين تضحياتهم الجسام. الأجزاء الجوهرية والرئيسة التي اعتمدتها موسكو في أستانا، وبعده في طرح مبادراتها والدستور الجديد المشتمل على الخداع والتضليل والوعود الكاذبة، بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار الذي من المفترض أنها أحد ضامنيه مع الشريك التركي، تفوقت موسكو في التدمير، لا في المبادرات السياسية، وهذا أمر له “فائدته” بالنسبة إلى موسكو لجهة ترميم صورتها المتصدعة؛ للميل نحو سياسة الخداع المكشوفة أصلًا، قبل مشاركتها الفعلية في العدوان المباشر لمؤازرة النظام في دمشق.
لم يكن من شأن السجل الحافل لموسكو في إدارة العدوان على الشعب السوري، أن يوحي بالثقة؛ لتمكنها من كتابة وتقديم مقترح للسوريين (دستورهم الجديد)، عميق أسبابه توحي بتفضيلات روسية لشكل النظام، وتفضيل لكاتب الدستور الروسي بعقوده المبرمة في شكل احتلال طويل الأمد، بعقد يرضي الطرفين، ومدفوعة لإخفاء محتواه “بأن تكون العقود والاتفاقات المبرمة مع سورية مُلزمة قانونًا”، وهو يخدم المعاهدات والاتفاقات التي أبرمها النظام مع كل من موسكو وطهران التي أعربت الأخيرة عن ارتياحها للمقترح الذي رشح أن طهران ضغطت بالتنسيق مع موسكو لإسقاط “عربية” سورية، بما يخدم أطماعها في سورية، ويعطيها فوائد استيطانها الجديد في محيط دمشق فضلًا عن فوائد العقود المبرمة مع النظام. فمن الناحية البنيوية يخدم استراتيجية طهران المتمددة؛ لتفكيك بنية المجتمع السوري الذي يتباكى عليها النظام.
الخلافات التي طغت بين موسكو وطهران، عشية مؤتمر أستانا، قد أُعدت وأُخرجت من أجل الخداع، وهو ما يفصح عنه دستور موسكو الذي يتقاسم مع طهران مناطق النفوذ الجديدة في بنود الدستور، وطالما أن دستور بول بريمر في العراق (2003) خدم مصلحة طهران؛ فإن دستور موسكو لا يخلو من كعكة طهران الذهبية في دمشق، على الرغم من ادعاءات الطرفين أن لا مصلحة لهم في تفتيت وتقسيم المجتمع السوري، إلا أن حالة التأهب وشد العضلات التي أبداها الطرفان فوق الجغرافيا السورية لا تجعل السوريين يتوهمون “خيرًا” من مقاصد الدستور المكتوب، وفق رغبات المحتلين الذين انتهكوا كل المبادئ والمعايير الدولية والإنسانية بسلوك العدو، وليس الوسيط الذي ينتج طريقًا مسدودًا يفصل سورية عن شعبها، ويسقط تضحياته ومطامحه في الحرية والديمقراطية.
الموقف الاستيلائي لموسكو على سياسة النظام، تمكنه من صوغ إغراءات شكلية مقترحة في نصوص الدستور، وتعبر عن نظرة دونية ساحقة إلى تاريخ ومجتمع يتغنى بعراقته الجميع، لكنه غير قادر على صوغ دستور ومنهج، دون أن يكون لـ “أسيدوف” سورية دور فيه، وهو ما يدفع العقل وقواعد الديبلوماسية للمرء إلى افتراض أن قبول دستور موسكو ينسف أساسًا الادعاءات التي قام عليها النظام وحلفاؤه لتدمير أركان المجتمع السوري، الثابت فيها النيات التي تشكل أعظم الأخطار في المدى المنظور، والمؤسسة على دمار شاركت فيه أفعال وممارسات المحتلين الجدد، لذا؛ فإن فائدة الموقف الاستيلائي لموسكو على كتابة دستور لمجتمع في القرن الحادي والعشرين تضعف -على نحو خطِر- القضايا الأساسية في حرية امتلاك التغيير المنشود من عتق الطغيان.
وبكلام آخر، تحاول موسكو تقديم نسختها الشيشانية في سورية، ولا مانع أن يكون “أسيدوف” أو كرزاي آخر، يبهج إدارة ترامب، دستور يحمل إلى السلطة أحلام ومصالح المحتلين؛ لتكريس مبادئ القمع السياسي والاجتماعي لتسهيل الترويض، يتناسى الجميع أن من ثار على الأسد وعلى دستوره الأمني والبعثي، لن يكون عليه بأس في الثورة على طاغية يستعاض باسمه من أسد إلى أسيدوف بدستور المحتل.
[sociallocker] [/sociallocker]