مازالوا يعانون من برد اليونان القارس.. أين تبخرت المعونات الأوروبية للاجئين؟


وصل المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة، "ديميتريس افراموبولوس"، في 18 يناير/ كانون الثاني الحالي إلى جزيرة "ليسبوس" اليونانية.

وكان سبب زيارته تلك بسيطاً رغم أنه مثبط للعزيمة: البرد القارس كسا الجزء الأكبر من اليونان، ومخيمات اللاجئين بثلوج كثيفة.

وانتشرت صور من أغنى قارة في العالم تظهر لاجئين، الكثير منهم أطفال وكبار في السن ومعاقون، يصارعون درجات الحرارة المنخفضة بالبطانيات والخيام. فلا شيء آخر يقيهم البرد القارس.

قبل ذلك بعدة أيام صرح وزير الهجرة اليوناني بأنه "لا يوجد لاجئ أو مهاجر يعاني من البرد".

ودعا المفوض الأوروبي السلطات اليونانية ومنظمات المجتمع المدني لبذل المزيد لمساعدة اللاجئين، مشيراً إلى أنه وعلى مدار السنتين السابقتين كانت اليونان هي المتلقي الأكبر للتبرعات من دول الاتحاد الأوروبي بمبلغ قارب مليار يورو.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: أين تبخرت المليار يورو؟ ولماذا فشلت اليونان في توفير المتطلبات الأساسية لحياة كثيرين من الخمسين ألف لاجئ على أراضيها.

لغة الأرقام

حقيقة الأمر أن المليار يورو التي ذكرها المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة، "ديميتريس افراموبولوس"، تضم العديد من التبرعات التي لم تتسلمها اليونان ولا منظمات المجتمع المدني بعد. لكن مع ذلك فالتبرعات التي استلمها اليونان ومنظمات المجتمع المدني كبيرة للغاية.

ومنذ مطلع العام 2015 تسلمت الحكومة اليونانية مساعدات عاجلة بقيمة 179 مليون يورو من "الإدارة العامة للشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي " DG HOME، وذلك حسب  بيانات المفوضية الأوروبية ووزارة التنمية اليونانية.

يضاف إلى هذا المبلغ 60 مليون يورو من أصل 509 مليون يورو، رصدها الاتحاد الأوروبي لمساعدة طويلة الأجل اليونان بين الأعوام 2014 و2020.

بينما تسلمت عدة منظمات مجتمع مدني كالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين و"المكتب الأوروبي لدعم اللجوء" EASO و"المنظمة الدولية للهجرة" ما يقارب 175 مليون يورو كمساعدات عاجلة من "الإدارة العامة للشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي"DG HOME.  كما تسلمت العديد من منظمات المجتمع المدني للإغاثة الإنسانية 186 مليون يورو من "الإدارة العامة لحماية المجتمع الأوروبي ولعمليات العون الإنساني" DE ECHO  لمشاريع بدأت في العام 2016. كما خصصت 500 مليون إضافية رُصدت لنفس الغاية حتى عام 2018.

وفي مواجهة التهم للحكومة اليونانية بأنها السبب الرئيس للمشاكل التي تواجه اللاجئين، يشير وزير الهجرة اليوناني إلى الكميات الكبيرة من التبرعات التي تذهب إلى منظمات المجتمع المدني. "لا رقابة مالية لنا كحكومة على تلك الأموال"، يقول الوزير بعد زيارة المفوض الأوروبي لجزيرة "ليسبوس"، ويحاجج الوزير بأن الحكومة اليونانية كانت ستستخدم تلك الأموال بصورة أكثر فعالية.

أما "أوديسياس باوديرس"، السكرتير السابق لشؤون اللاجئين فيقول: "بالنسبة للوزير، أشخاص وهيئات أخرى غير الحكومة هي من يقع عليها اللوم على الدوام".

وقد تم تكليف "أوديسياس" في البداية بالإشراف على جهود رعاية اللاجئين والمهاجرين، غير أنه استقال من منصبه في سبتمبر/أيلول، متهماً الوزير بسوء إدارة خطير لأزمة اللاجئين. 

وبشكل أكثر تحديداً فقد أتهم "أوديسياس" وزير التنمية اليوناني برفض منحه الصلاحيات والإمكانيات المتوافرة لدى الوزارة.

ويعتبر "أوديسياس" ذلك جزءاً من محاولة متكاملة من الوزير لإنشاء "نظام مواز"، حيث تكون دائرة ضيقة من المستشارين هي من تتحكم بصرف المعونات الأوروبية.

ومن جهته وصف الوزير تلك الاتهامات، التي راجت بشكل كبير في اليونان، بأنها "تشهير" لا أساس له من الصحة.

وقد أدعى "أوديسياس" أن محاولات التحكم بصرف المعونات الأوروبية ساهمت في تأخير كبير وأدت للعشوائية في جهود إيواء اللاجئين، ويقول: "نحن نطبق وصفة فاشلة، على الرغم أن الحكومة كانت لديها الحكمة لإصدار قانون صحيح ولكنه لم يجري تطبيقه".

وكمثال على كلامه، يسوق "أوديسياس" محاولة تهيئة ظروف عيش مقبولة في مخيم Softex، والذي هو مصنع للمنسوجات مهجور بالقرب من مدينة "سالونيك".

وقد بدأ اللاجئون بالتوافد على المخيم بعد إغلاق الحدود اليونانية-المقدونية في ربيع عام 2016.  ثم ما لبث أن اشتهر المخيم بظروف عيشه المزرية.

ويدّعي "أوديسياس" أن منظمة ألمانية كبيرة ASB تواصلت مع السكرتارية العامة للاجئين، مقترحة عليها إقامة مساكن لإيواء 1500 شخص في بيوت من الحاويات.

ويبلغ تكلفة ذلك 2.5 مليون يورو، قدمتها "الإدارة العامة لحماية المجتمع الأوروبي ولعمليات العون الإنساني" DE ECHO، ويقول "أوديسياس" إن مستشاراً مقرباً للوزير، كان قد تم تعينه للإشراف على كل العمليات الفنية المتعلقة بأزمة اللاجئين، أوقف المشروع وأقترح عوضاً عنه خطة أخرى رُصد لها مبلغ 8.6 مليون يورو.

من جهتها قالت المنظمة الألمانية إن الفرق بين تكاليف المقترحين "تعود إلى أن خطة الوزير كانت لمخيم طويل الأمد وببيوت من الحاويات أكثر رقياً، هذا إذا ما قارنها بخطتنا لمخيم شبه دائم".

على أية حال، فإن خطة الوزير لإقامة مخيم دائم كبير لم تتحقق بعد. ففي حين أقيمت بعض البيوت من الحاويات، لا يزال مئات اللاجئين يسكنون حتى يومنا هذا في خيام.

وفي سياق متصل تعرضت المفوضية السامية لإغاثة اللاجئين لانتقادات حادة بسبب تزويد ثمانية مخيمات فقط من أصل 40 في اليونان بتجهيزات لاستقبال فصل الشتاء، على الرغم من أنها صرفت على ذلك ما يقارب 13 مليون يورو.

غير أن "رولاند شونباور"، وهو متحدث باسم المفوضية، قال في تصريح إن تلك المخيمات الثمانية هي التي طلبت الوزارة مساعدتها بتهيئتها لاستقبال فصل الشتاء. والوزارة هي المسؤولة الرئيسة عن تنسيق الجهود.

من جهته يقول يقول لوقا يغر من منظمة MSF  اليونانية: "من المخزي وبينما الثلج يتساقط على ليسبوس أن يصرح أحد ممثلي المفوضية الأوروبية بأن المفوضية فعلت كل ما بوسعها لمساعدة اليونان وأن المفوضية لا يمكنها أن تقوم بالعمل الذي يجب أن تقوم به السلطات اليونانية".

ويضيف: "بُني مخيم موريا بأموال أوروبية. وتعمل منظمتان أوروبيتان، وهما EASO وFrontex  في المخيم. وحقيقية أن المخيم يغص باللاجئين يعود إلى القرار الأوروبي بأن من يصل إلى الجزر اليونانية لا يجب أن يُسمح له بالسفر إلى البر اليوناني. كيف يمكن للأوروبيين التظاهر بأن لا علاقة لهم بالمعضلة؟".




المصدر