مشروع الدستور الروسي يناقض تقاليد صوغ الدساتير


عاصم الزعبي

لم تكن فكرة المشروع الروسي للدستور السوري وليدة مؤتمر آستانا، الذي أنهى أعماله الأسبوع الماضي. فقد طرح وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، منذ عام تقريبًا، الفكرة، ووصفها آنذاك وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بأنها “فكرة جيدة” والأميركيون يؤيدونها.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2015، صدر القرار 2254 عن مجلس الأمن الدولي، وتضمن وضع خريطة طريق؛ لتسهيل عملية الانتقال السياسي في سورية، وبعد صدور القرار منح المبعوث الدولي، ستيفان دي مستورا، الأولوية لإجراء انتخابات، ووضع دستور جديد، بوصفها خطوات رئيسة لتنفيذ القرار المذكور، وأيدت حينذاك الولايات المتحدة وروسيا هذا الرأي، وأعلنتا أن آب / أغسطس 2016، هو الموعد النهائي لصوغ الدستور.

لكن تطور الأحداث من الناحية الميدانية، ولا سيما بعد سيطرة النظام بمساعدة الروس والإيرانيين على حلب، أجّل طرح مشروع الدستور الجديد إلى الاجتماعات التي دعت إليها روسيا في آستانا، لتكون توقيتًا ملائمًا من وجهة نظر موسكو لهذا الطرح، آخذة في الحسبان الخسائر التي مُنيت بها المعارضة السورية في حلب، ومحاولة الروس لعب دور الراعي الحيادي للمفاوضات مع الأتراك، قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، صلاحياته، في محاولة منها لخلق واقع سياسي جديد لرؤية الحل في سورية.

بعد محادثات آستانا، تسرب القليل عن مشروع الدستور الذي أعده الروس لسورية، وجاء عملية مستعجلة، وغير واضحة، وسيئة من ناحية الإعداد، ولا توفر ما يكفي من الوقت أو المساحة؛ للإيفاء بمطالب الشعب السوري.

عند صوغ أي دستور جديد، تجب مراعاة أن يوضع من ممثلين شرعيين، أو منتخبين ديمقراطيًا من الشعب، وأن يتلاءم الدستور مع ما تتطلبه دولة القانون، ليكون الركن الأهم في عملية التحول الديمقراطي، وأن يتضمن نصوصًا تفرض إيجاد آليات رقابية لتنفيذ أحكامه.

فمن الناحية التقنية، هناك ثلاثة أشكال لأنظمة الحكم، النظام الرئاسي، حيث تكون السلطة في يد رئيس الدولة، والنظام البرلماني، حيث تكون السلطة في يد رئيس الحكومة، والنظام المختلط، أو شبه الرئاسي، حيث تكون السلطة موزعة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة.

مشروع الدستور الروسي، أخذ بالنظام المختلط، إذ سحب سلطات كثيرة رئيس الدولة، ومن بينها سن التشريعات، التي منحها للبرلمان الذي أطلق عليه اسم جمعية الشعب، بالاشتراك مع مجلس آخر، أطلق عليه اسم جمعية المناطق، ومنح سلطة تعيين وإقالة موظفي الدولة المدنيين والعسكريين لمجلس الوزراء، ما عدا تعيين رئيس البنك المركزي، الذي أطلق عليه اسم البنك الوطني، حيث منح حق تعيين رئيسه وإقالته للبرلمان، وأبقى المشروع على تعيين وإقالة رئيس الوزراء والوزراء بيد رئيس الدولة، ولكنهم مسؤولون أمام رئيس الدولة والبرلمان بمجلسيه.

توجد عدة نقاط يكتنفها الغموض، وتحتمل عدة تفسيرات، من الممكن أن تؤثر إذا ما تم إقرار هذا الدستور في سورية، فقد ورد في البند الثاني من المادة التاسعة من مشروع الدستور أنه” لا يمكن تغيير حدود الدولة، إلا عبر الاستفتاء العام”، وهذا أمر خطر جدًا؛ إذ إنه يمكن أن يمهد للتنازل عن بعض الأراضي السورية لدول إقليمية، أو عقد اتفاقيات لإنشاء قواعد عسكرية طويلة الأمد.

كما أكد مشروع الدستور في المادة الأولى، على إزالة أي تعبير يشير إلى عروبة سورية، بما في ذلك كلمة العربية في الجمهورية العربية السورية، وإحلال مصطلحات تشدد على ضمان التنوع في المجتمع السوري محلّها، ما يعطي الشرعية للتغيير الديموغرافي الذي رافق تهجير سكان مدن وبلدات، وخاصةً تلك المحيطة بالعاصمة دمشق، وجلب عائلات عراقية، وربما إعطاؤها الجنسية كما تشير تقارير عديدة.

يحاول الروس فرض هيمنتهم على سورية من خلال هذا الدستور، فقد جرى تقديمه مشروعًا وليس اقتراحًا، وهناك فرق شاسع من الناحية القانونية بين المصطلحين، فعملية طرح الدستور، بوصفه مشروعًا، على مفاوضي أستانا، يعني أن الأمر يكاد يكون قد حسم، وينتظر الإقرار فقط، مع إمكانية إدخال تعديلات غير جوهرية، ولا تمس ما أراد الروس للدستور أن يكون عليه، وهذا يعطي مؤشرًا عن تمادي التدخل الروسي في جميع مفاصل الدولة المقبلة، أما الاقتراح، فمن الممكن قبوله كاملًا، أو جزئيًا، أو إدخال تعديلات جوهرية عليه.

فصوغ الدستور لم يراع ما ينشده السوريون، ولم يكن وفق النماذج والمعايير الدولية لإعداد الدساتير، ففي عام 2003، أصدر المعهد الأميركي للسلام تقريرًا عن صوغ الدستور، يؤكد أهمية “المشاركة السياسية الحقيقية” التي تعرف بأنها” عملية تسمح بالاندماج الاجتماعي، والأمن الشخصي، وحرية التعبير والتجمع”، ووفقًا لهذا النموذج تكون عملية الصوغ عادةً طويلة، وتحتاج لموارد كبيرة لتحقيق النجاح.

يؤكد التقرير أن الدساتير الديمقراطية لا يمكن أن تكتب من جهات خارجية نيابة عن أبنائها، لأن الدساتير في الأصل تعالج مظالم الناس، ومن غير المرجح للدساتير المكتوبة في الخارج أن تكون مقبولة على المستوى الشعبي.

ما يجري الإعداد له الآن، يمكن أن يُهدّد الحل في سورية، ووقف الحرب وبناء السلام، فلا يمكن جلب دستور لا يمت إلى الواقع، وفرضه في هذا الشكل، بينما يمكن للأطراف السورية المتفاوضة، والجهات الدولية الداعمة للمفاوضات، العمل على وضع دستور موقت، أو وثيقة انتقالية، وترك صوغ الدستور الدائم لمرحلة من الممكن أن تجري فيها عملية سياسية شاملة.

يتطلب الوضع في هذه المرحلة التصدي لهذا الصراع، وليس تكرار السياسية المنغلقة نفسها التي كانت سائدة منذ أن وضع دستور عام 1973؛ ومازالت مستمرة حتى اليوم.




المصدر