معركة دير الزور والتحولات المفصلية


جلال زين الدين

دخلت المعارك في دير الزور، شرقي سورية، منعطفًا خطِرًا بعد أن حقق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تقدمًا نوعيًا بعد سيطرته على معمل السيراميك وكتيبة الإشارة وسرية الدفاع الجوي في محيط حي هرابش، شرقي مدينة دير الزور، وبذلك قطع التنظيم كل الطرق إلى المطار العسكري- المدني، وفصل التنظيمُ المطار عن مناطق سيطرة قوات النظام السوري غربًا، في حيي الجورة والقصور، والمربع الأمني، ومركز الطلائع واللواء 137.

بدا لافتًا في المعارك الأخيرة تغيير التنظيم من أسلوبه القتالي، فلم يبدأ هجومه بالمفخخات كما هو معتاد، بل تسلل مقاتلو النخبة، إلى نقاط العدو، واشتبكوا معهم في ثكناتهم ومعسكراتهم وجهًا لوجه، وكان ذلك عبر مجموعات قتالية صغيرة متدربة تدريبًا عاليًا مما أوقع خسائر بشرية كبيرة في صفوف النظام من جهة، وخفّف الخسائر في صفوف التنظيم من جهة ثانية، وحيّدَ سلاحَ الطيران خلال المعركة.

تعد مدينة دير الزور ساقطة عسكريًا في حال سيطر تنظيم الدولة على مطارها، فالنظام يسيطر على 15في المئة من مدينة دير الزور، كحد أقصى.

تتزامن العملية العسكرية في دير الزور مع خسارة التنظيم على جبهتي الموصل في العراق، وريف الرقة الشمالي الغربي في سورية، ما يجعل السيطرة على دير الزور -لو تمت- تعويضًا جيدًا عن الخسائر في الموصل والرقة.

لا يغيب -هنا- العاملُ المعنوي، فتقدم التنظيم في دير الزور جاء بعد السيطرة على مدينة تدمر، ولا شكّ في أن ذلك رفع من معنويات مقاتلي التنظيم، خلافًا لعناصر النظام الذين يعانون من انهيارات معنوية، وخلافات على مستوى القيادات في مدينة دير الزور.

لا يتعلق توقيت المعركة بما سبق فحسب، إذ يرى كثير من العسكريين أن بإمكان التنظيم السيطرة على مدينة دير الزور منذ زمن بعيد، لكنه تعمد تأجيل السيطرة التامة، ولا يستبعد هنا، أن يكون السبب الرئيس وراء المعركة الأخيرة، الطلاق البائن بين تركيا والتنظيم، بعد دخول الطرفين حربًا علنية، وكأن هناك اتفاق غير رسمي على ضرورة بقاء وجود رمزي للنظام في دير الزور، لأمر يتعلق بالأكراد، فيما يُرجع آخرون ذلك إلى اختراقات داخل صفوف التنظيم.

استشرس النظام السوري بالدفاع عن نقاطه، فشنّ بالتعاون مع الروس عشرات الغارات، واستخدم في معارك سابقة السلاح الكيماوي هيستيريًا، لمنع تقدم التنظيم، لإدراكه استحالة استرجاع دير الزور في حال خسارتها، والنتائج الكارثية لهذه الخسارة، وربما ذلك ما جعل التنظيم يفضل سياسة القضم البطيء الناجعة.

قد يترتب على معركة دير الزور نتائج خطرة على الإقليم برمته، في حال سيطر التنظيم على دير الزور، ويمكن إجمال هذه النتائج بخمس نقاط تخلط الأوراق على الجميع.

فسيطرة تنظيم الدولة على دير الزور تعطي “حزب الاتحاد الديمقراطي” أريحية قد تدفعهم للاستقلال بإقليم كردي شمال شرق سورية؛ إذ يصبح وجود النظام بعيدًا جدًا عنهم، وسيطرح الأكراد أنفسهم مجددًا لاعبًا أول في الحرب على الإرهاب، وقد يجد الغرب نفسه محتاجًا إليهم، وهذا ما تخشاه تركيا، فالإقليم الكردي السوري يختلف عن الإقليم الكردي العراقي لارتباط الأول بحزب العمال الكردستاني.

أما النقطة الثانية، فتتمثل بعبثية الحرب ضد تنظيم الدولة، فالحرب لم تقضِ على التنظيم بمقدار تدميرها القرى والمدن السورية، وتظهر هذه العبثية أكثر وضوحًا عند الروس الذين فشلوا حتى الآن في استعادة مدينة واحدة من “داعش”، وسيشكل سقوط دير الزور بيد التنظيم صفعة وإهانة لسلاح الجوي الروسي خصوصًا، والآلة العسكرية الروسية عمومًا.

تتمثل النقطة الثالثة بتعميق الشرخ الأفقي والعمودي عبر تعزيز العصبية الطائفية والعرقية، إذ سيستعين النظام السوري بالميليشيات الطائفية العراقية، وستندفع هذه الميليشيات إلى سورية متغذية بحقد طائفي، بحساب قتال التنظيم في سورية امتداد لقتاله في العراق، ويتحدث الناشطون عن بداية وجود لهذه الميليشيات في دير الزور، وأنها تخوض معارك على جبهات اللواء 137، ويبدو النَّفَس الطائفي واضحًا من خلال تشكيل لواء زين العابدين بن علي، التابع لـ “حزب الله” في مدينة دير الزور، ويضم سوريين ولبنانيين.

قد تدفع سيطرة التنظيم المجتمع الدولي إلى التفكير بطريقة عقلانية، والاقتناع بعبثية الحل العسكري وحده، وعبثية الحرب على تنظيم الدولة دون الأسد، ومن ثم؛ قد تتوجه لدعم القوى الوطنية السورية المؤمنة بالعيش المشترك، إن أرادت حلًا حقيقيًا للأزمة السورية.

النقطة الأخيرة تتمثل باستحواذ التنظيم على مصادر الطاقة (النفط) في دير الزور، و(الغاز) في تدمر؛ ما يوفر موارد مالية، التنظيم بحاجة ماسة إليها، وتنكشف هنا حقيقة يعرفها الجميع، ألا وهي شراء النظام السوري عبر وسطاء النفط من تنظيم الدولة، ما يجعل النظام السوري الداعم الأبرز للإرهاب.

فهل يتابع التنظيم مشوار السيطرة، أم يقف عند هذه المكاسب، أم يعجز عن تحقيق المزيد.




المصدر