on
"صُنع في موسكو".. ألغام المشروع الروسي لدستور سوري جديد.. ما الذي سيحدث لو طُبق؟
مراد القوتلي - خاص السورية نت
قدمت روسيا مشروع دستور جديد لسوريا مع نهاية المباحثات التي جرت في العاصمة الكازاخية أستانا، بين نظام بشار الأسد، والمعارضة السورية، والتي عقدت الشهر الماضي، لكن مشروعها طرح الكثير من التساؤلات لا سيما حول خطورة بنوده، وقانونية أن تضع دولة لأخرى دستوراً يرسم مستقبلها.
وبعد ردود أفعال عنيفة من المعارضة السورية التي رفضت حتى مجرد نقاش المشروع الروسي، صرحت موسكو مراراً بأن ما قدمته لا يعدو عن كونه مجرد اقتراح، لكن المعارضة تقول إن الخطورة لا تكمن في تقديم المشروع، بقدر ما يتضمنه من بنود تكرس النفوذ الروسي وتساعد حليفها الأسد على البقاء في السلطة.
غير قانونية
منذ بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا نهاية سبتمبر/ أيلول 2015، وسعت موسكو نفوذها في الأراضي السورية بطريقة غير معهودة، وذلك بحكم الثمن الذي دفعه الأسد لها مقابل ضمان بقائه في السلطة.
وما تقديم روسيا لمشروعها حول دستور سوري جديد إلا خطوة جديدة لتكريس هذا النفوذ، إذ يعد وضع الدستور من قبل دولة لأخرى مغايراً للقوانين الدولية.
وفي هذا السياق، يقول علي باكير الدكتور في العلوم السياسية، في تصريح خاص لـ"السورية نت"، أن موقف المعارضة الرافض للمشروع الروسي ومناقشته حالة طبيعية، لافتاً أنه بغض النظر عما ورد في بنود المشروع إلا أن الدساتير لا تصنع في الخارج ولا توضع من قبل دول أخرى، وإنما يتم إنتاجها وطنياً وهذا عمل تقوم به بطبيعة الحال لجنة وطنية مختصة منتخبة أو مختارة ويصوت عليها الشعب، مشدداً على أن وضع الدستور عملية داخلية بحتة لا يحق للخارج التدخل بها بأي شكل من الأشكال.
ويتفق مع باكير، الخبير القانوني ورئيس تجمع المحاميين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، الذي وصف المشروع الروسي بأنه خطوة غير قانونية، ومخالفة لمبادئ السيادة والمساواة بين الدول، والتي أقرت بموجبها عضويات الدول في الأمم المتحدة، مؤكداً أنه من "غير المشروع أن تضع دولة لدولة أخرى مشروع دستور، أو تقره كدستور".
بنود خطيرة
تنطلق المعارضة السورية في رفضها لمشروع الدستور الروسي، لما يحمله من أفخاخ ستزيد من اشتعال البلد الذي يشهد معارك وهجر أكثر من نصف سكانه، كما يعد خطوة واضحة في تقسيم البلاد نظراً لما يقترحه من إمكانية تغيير حدول الدولة السورية.
وأبرز ما نص عليه المشروع الروسي إلغاء عروبة سوريا، وتمسيتها بـ"الجمهورية السورية"، كما أنه يمنح الأسد فرصة البقاء في السلطة حتى العام 2035 بحكم المادة 49، إذ نص البند الأول والثاني منها على أن "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية من قبل مواطني سوريا في انتخابات عامة ومتساوية ومباشرة وسرية، ولا يجوز إعادة انتخاب نفس الشخص إلى منصب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية".
ونظراً لتلاعب نظام الأسد في نتائج الانتخابات الرئاسية، كما تقول المعارضة، ولكونه يرفض التخلي عن هذا المنصب لأي منافس، فإن الأسد الذي تولى منصبه عام 2000 بعدما "ورث" المنصب عن أبيه حافظ، وأعيد انتخابه عام 2014 لسبع سنوات قادمة، فإنه وفقاً للمشروع الروسي فبإمكان الأسد البقاء في السلطة حتى العام 2035.
الأسد وتغير حدود الدولة
ويرى قرنفل، أن هدف المشروع الروسي إعادة إنتاج منظومة الاستبداد في سوريا لكن بآليات مختلفة، وعبر تجميل القباحة الموجودة ببعض الرتوش.
واعتبر قرنفل في تصريح خاص لـ"السورية نت" أن من أخطر بنود المشروع الروسي، ذلك المتعلق بإمكانية تغيير حدود سوريا، وقال: "هذا البند من أخطر بنود الدستور، فعادة الدساتير تقر حدود الدول كما هي، وتحافظ على وحدتها الجغرافية، أما أن تضع نصاً مرنا يعبث بجغرافية الدولة فهذه كارثة".
من جانبه، نبه باكير من ألغام المشروع الروسي المقترح، وقال لـ"السورية نت" إن "الأخطر في الدستور برأي هو شكل النظام السياسي المقترح والتشجيع على تقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع، تحت عناوين مختلفة كالإدراة الذاتية الثقافية أو اللامركزية الإدارية أو جمعية المناطق بالرغم من تكرار مقولة الحفاظ على وحدة وسيادة البلاد".
الفدرالية والمحاصصة
وحذر كل من قرنفل وباكير من البنود التي تفضي لتشكيل كيانات فيدرالية في سوريا، حيث أشار قرنفل إلى أنه قد يقبل بالفيدرالية لكن القائمة على أساس جغرافي وليس قومي، "فلا يمكن قبول فيدرالية تخص العلويين وأخرى للأكراد وهكذا، لأننا سنصبح أمام نظام محاصصة طائفية وعرقية". حسب قوله.
كذلك يعتقد باكير أن "مسودة روسيا تتضمن ألغاماً تتيح الانفصال أو تغيير حدود البلاد، كما تتضمن بعض القضايا المتعلقة بالسلطة وعمليات محاصصة طائفية وقومية وتمييز لصالح الأقليات على حساب الأغلبية".
وتشدد المسودة الروسية للدستور، على ضرورة مراعاة التمثيل النسبي لجميع الأطراف الطائفية والقومية في سوريا، إذ نص البند الثالث من المادة 64 من مسودة الدستور على أن "يكون التعيين لمناصب نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء تمسكاً بالتمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا، وتُحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية، ويحق لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء التشاور في هذا الخصوص مع ممثلي جمعية الشعب والمناطق".
وتمثل التجربة الأميركية في العراق مثالاً لوضع كارثي سُمح فيه لدولة بوضع دستور لدولة أخرى، كما فعل بول بريمر الذي عُين رئيساً للإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق عقب الاجتياح الأميركي، مكرساً في الدستور الذي وضعه واقعاً عراقياً مليئاً بالتجاذبات الطائفية التي لا تزال آثارها السلبية موجودة لليوم وتنهش في البلد الممزق.
ويعتقد الخبير القانوني قرنفل أن الكوارث التي خلفها دستور بريمر في العراق، ستتكرر نفسها في سوريا لو تم القبول بالمشروع الروسي للدستور، وقال: "لأن المقدمات الخاطئة ستفضي في النهاية إلى نتائج خاطئة وصل لها العراق قبلنا، فكما كرس الدستور العراقي المحاصصات الطائفية والعرقية، فالروس يسعون لذات التجربة ولكن بعبارات مختلفة.
عودة للانتداب
ويتفق مع رأي الخبيرين، محمد صبرا، وهو خبير قانوني سوري، أكد في تصريح خاص لـ"السورية نت" أنه "ليس من حق روسيا أو غيرها من الدول الاعتداء على الحق الأصيل للسوريين في تحديد نظامهم السياسي وشكل دولتهم وعقدهم الاجتماعي".
واعتبر أن ما تقوم به روسيا من محاولة إملاء دستور على السوريين هو جريمة إضافية ترتكبها بحق الشعب السوري، بعد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها القوات الروسية بحق الشعب السوري.
وشدد على أن "روسيا بمساعدتها لمجرم العصر بشار حطمت حاضر السوريين وهي تحاول الآن مصادرة مستقبلهم"، واصفاً سياسات بوتين في سوريا بأنها تنتمي لعصر ولى وانقرض وهو عصر الانتداب الذي كان سائداً في ظل عصبة الأمم.
وأضاف صبرا أن "هذا الفعل يشكل محاولة لفرض انتداب من الدرجة الثالثة حسب المادة 21 من نظام عصبة الأمم، وأنصح القيادة الروسية بأن تنظر بواقعية إلى العالم المعاصر، عالم حق الشعوب في تقرير مصيرها فقد مضى زمن فرض الارادات الاستعمارية على الشعوب".
صبرا أكد أيضاً على أن الدستور السوري "لن يضعه سوى أبناء سوريا كما كفلته لهم القوانين والعهود والمواثيق الدولية وكما كفله لهم القانون الطبيعي ولن نسمح كسوريين لأي جهة خارجية أيا كانت (بوضع الدستور".
توقيت خطير
ولا يمكن عزل التوقيت الذي طرحت به روسيا مشروع الدستور عما سبقه من تطورات في سوريا، فمؤتمر أستانا الذي عُقد برعاية روسية وفيه قدمت موسكو مشروعها، سبقه شعور روسي بنشوة "الانتصار" في سوريا، عقب مساندتها لنظام الأسد في استعادة الأحياء الشرقية لحلب بعد خسارتها لأربع سنوات، فارضةً واقعاً عسكرياً جديداً في سوريا.
وفي توقيت طرح المشروع الروسي يرى الدكتور باكير، أن "روسيا طرحت مشروعها لتعزيز موقفها من المعادلة السورية"، مشيراً أن البعض كان يتحدث عن وجود إلحاح لدى موسكو لكي يتم مناقشة المشروع من قبل وفدي المعارضة والنظام.
في حين قال قرنفل أن "توقيت الطرح الروسي، يأتي في وقت أرادت فيه موسكو أن تكرس أستانا كمرجيعة بديلة عن جنيف والقرارات الدولية المتعلقة بحل القضية السورية، وأهمها القرار 2254".
وأشار إلى أن موسكو تسعى لخلق مسار سياسي مضاد للمسار العسكري، بدليل أن مؤتمر أستانا عقد فقط لتثبيت وقف إطلاق النار، وخلت أجندته من أي بند عن عملية سياسية.
ووصف قرنفل توقيت طرح المشروع الروسي بأنه "خطير للغاية"، وقال إن هذا التوقيت بدأت ثماره تتوضح، مع غياب الحديث عن مرحلة انتقالية أو هيئة حكم انتقالي، في التصريحات التي خرجت عن المبعوث الأممي لسوريا ستافان دي ميستورا أمس.
واللافت في تصريحات المبعوث أنه قال خلال مؤتمر صحفي عقده عقب جلسة مغلقة لمجلس الأمن، أنه سيقوم بنفسه بتحديد أعضاء وفد المعارضة السورية للمشاركة في مفاوضات جنيف إذا فشلت المعارضة في تشكيله.
واعتبر قرنفل أن تصريحات ديسمتورا تنم عن "فظاظة ووقاحة"، لكنه أكد أن خطوة ديمستورا ستفشل لأن تشكيل أي وفد يتجاهل القوى الفاعلة على الأرض لن يستطع تقديم أي شيء، مشدداً على أن المجتمع الدولي يبقى بحاجة للمعارضة لصناعة الحل في سوريا.
حجج روسية
على وسائل إعلامها، حاولت روسيا مراراً تقديم مقترحاتها بسوريا على أنها ضرورة سواءً كمرحلة من عملية انتقالية، أو لضمان عدم حدوث فوضى.
لكن الإشكالية - بحسب الخبير قرنفل - تكمن في أن إقرار أي دستور لمرحلة انتقالية في بلد مشتعل سيؤدي إلى الفشل، "لأن إقرار الدستور بهذه الحالة سيعكس علاقات وعداوات القوى الموجودة على الارض، والدساتير لا يجوز صنعها بهذه الطريقة، ويجب أن تكون تعبير عما يرغبه كل أطراف المجتمع أو الدولة، أو مكونات الدولة بإرادتهم الحرة".
وأضاف لـ"السورية نت": "أما أن تكون هنالك أدوات قوة تفرض نفسها، وتصيغ الدستور بطريقة ما، فهذا مصيره الفشل، فمن الممكن أن يُفرض حل معين أو دستور أو قانون معين بحكم منطق القوي، لكن هذا الأمر يبقَ عرضة للتبدل، وقد تتفجر الأمور من جديد".
الخيار الأفضل
يرى قرنفل أن الأفضل في مراحل العملية الانتقالية ليس وضع دستور دائم، بل اللجوء إلى إعلان دستوري، أو إقرار دستور مؤقت، تجري كتابته من لجنة مختصة أو هيئة تأسيسية.
ويشير أن "الأسلم تشكيل هيئة حكم انتقالي تتمخض عن المفاوضات، وهذه الهيئة تُشكل هيئة تأسيسية تضع دستوراً مؤقتاً للبلاد لمدة عام أو عامين، ويعمل به في المرحلة انتقالية، وبهذه المرحلة تكون الأمور قد استقرت ويتم سحب السلاح ويتوفر حينها سلطة شرعية وبعدها يجري وضع دستور دائم".
وفي ذات السياق، يقول الدكتور باكير: "من المهم جداً أن تكون المرحلة الانتقالية كافية لكي يستعيد الشعب السوري توازنه ويتم احتواء ردود الأفعال والنزعات السلبية وإعادة النازحين واللاجئين، وهذا يحتاج إلى وقت ربما بضعة سنوات، لكن الاستعجال في وضع دستور والذهاب إلى انتخابات خلال عام كما يريد المجتمع الدولي قد لا يساهم في استقرار البلاد على المدى المتوسط والبعيد على اعتبار أن الانقسامات ستكون على أشدها".
ويضيف: "كما أن النزعات الانفصالية ستكون قوية وحالة التبعية والأيديولوجيات المتضاربة والمتناقضة ستكون عميقة ناهيك عن فوضى السلاح وهي كلها عوامل تؤثر في نهاية المطاف في حكم الناس وتوجهاتهم، ووضع دستور في هذه المرحلة الانتقالية يعد غاية في الخطورة".