لماذا ثار حي الصليبة… حتى لا ننسى البدايات
1 شباط (فبراير - فيفري)، 2017
منصور حسنو
[ad_1]
يشهد كل ذي بصر وبصيرة بالانطلاقة الجميلة الخلّاقة للثورة السورية، هذه الثورة التي ما برح كل أعمى الفهم والفؤاد، يرى فيها منذ انطلاقتها تهديدًا للأقليات الذين يختلفون مع توجهات عموم الجماهير السورية، تلك التوجهات التي نادت في أول مدينة خرجت نصرة لحوران “لا أخوان ولا سلفية… بدنا دولة وطنية” في حي الصليبة العريق في اللاذقية.
ترمز الصليبة في تاريخ الثورة السورية إلى مجموعة أحياء من مدينة اللاذقية، بداية من مخيم الفلسطينيين (الرمل) إلى أحياء: بستان السمكة، السكنتوري، الحرش، الشيخ ضاهر، الشحيدين، بستان الصيداوي، الطابيات، قنينص. هذه الأحياء التي بدأ الشباب يُجمّعون أنفسهم منها لينطلقوا في تظاهرات منظمة، تهتف بالحرية والإصلاح ظُهرًا، ثم اسقاط النظام عصرًا بعد سقوط ثلاثة شبان من عائلات (قبارو، بيازيد، أندرون) في اليوم السلمي الأول للمظاهرات، بتاريخ 25 آذار/ مارس، واستمرت المظاهرات والاعتصامات على أشدّها، حتى ارتكبت قوات النظام مجزرة العلبي، بعد ذلك بدأت حركة التظاهرات تخفت شيئًا فشيئًا مع عمليات الدهم والاعتقالات الليلية لأغلب الناشطين ومحاصرة المساجد. لقد فهم الناس في هذا الحي أن النظام لا يتورع عن تمشيط الناس بالرصاص إذا تطلّب الأمر.
تطل أحياء اللاذقية السنية على البحر، من أمامها، وعلى الأحياء التي ترفض التظاهر -إن لم نقل الموالية- من خلفها، ومع ذلك قصفها النظام بالصواريخ من البحر بذريعة أن فيها مسلحين.
يمكن إرجاع مشاركة سكان تلك الأحياء في المظاهرات إلى عاملين: الأول؛ الشعور بالغبن والظلم الواقع على سكان هذه الأحياء، وتدخل الأمن في كل صغيرة وكبيرة، والثاني؛ النظر إلى سنة الساحل على أنهم (إخوان مسلمون)، وهي النظرة نفسها التي ينظر إليها كل أقلوي طائفي لأهل السنة في هذه الأحياء، لزومًا تاريخيًا لما جرى في حقبة الثمانينيات عامة، وحوادث اللاذقية خصوصًا حينما جرى إعدام الدكتور ممدوح جولحة، ونقيب المحامين، برهان عطور، والتمثيل بجثتيهما، بدعوى الانتساب إلى جماعة الإخوان يومذاك، هذا الانقسام المعنوي والنظر المشكك المرتاب فعّله النظام حتى رياضيًا، ففي اللاذقية ناديان رياضيان، أحدهما “تشرين”، ويرمز لأنصار “الحداثة” الأسدية والانتصار في حرب تشرين، ونادي حطين، ويرمز للسنة المحافظين والانتصار في معركة حطين، وكان المشجعون يتداولون، خلال المباراة بين الفريقين، بعبارات مبطنة أن المباراة معركة بين السنة والعلويين، وكثيرًا ما تنتهي بالتراشق بالحجارة والشتائم بينهما.
بدأ هذا الانقسام يتراجع في السنوات العشر الأخيرة، وبدأ الشباب العلوي يرتاد أحياء السنة ومطاعمهم في حي الصليبة، خلافًا لما كان عليه الحال أيام الأسد الأب، فالأسد الابن زار هذا الحي، وتناول الفطور في أحد مطاعمه الشعبية، ما شكّل حماسًا عند الشباب، لجعل هذا المطعم رمزًا للتقارب بين السنة والعلويين من جيل الشباب الذي تراجع إلى حد بعيد بعد قيام الثورة السورية.
العامل الثاني؛ هو غياب العدالة الاجتماعية عن هذه الأحياء، فمعظمها يعاني من تهميش (أزعم أنه ممنهج)؛ إذ معظم مساكنها غير مرخص، وتفتقر إلى الشروط الصحية، أي: إنها مناطق عشوائيات ومخالفات، كما أن أبناءها لا يأخذون حقهم من الوظائف العامة.
ليس من المخجل أن نضرب مثلًا عن أهم مؤسسة في القطاع الحكومي القريبة من هذه الأحياء، وهي مؤسسة التبغ (الريجي) التي تعدّ من أكثر شركات القطاع العام ربحية، لكن عمالها، وبنسبة 80 في المئة ليسوا سنّة، ويمكن قياس ذلك على باقي المؤسسات، بما فيها مؤسسة الجيش.
حي الصليبة مشهور، قبل انقلاب البعث، بوجود ضباط منه وبأرفع الرتب، مثل الفريق محمد الصوفي (الناصري)، والوزير محمد رباح الطويل (بعثي) -أعفي من منصبه بعد انقلاب الأسد الأب وأودع السجن- ومن اللافت أنه بعد 1970 لم تعرف اللاذقية ضابطًا سنيًا مرموقًا له وزن في الجيش السوري!
يمكن الجزم بأن الأسباب الدافعة إلى خروج أهالي حي الصليبة وتوابعه في التظاهرات الثورية، هي نفسها الأسباب التي دفعت السوريين الآخرين إلى الخروج، وأولها تشكل عقدة المظلومية والتهميش المقصود، وغياب العدالة الاجتماعية، وسوء الحالة الاقتصادية، وعدم التشكل المعنوي للشخصية السورية، ترافق كل ذلك مع غياب للحريات ووجود سلطة الأمن والقهر، ولعل الإحساس المضاعف الذي شعر به أهل السنة في اللاذقية تجاه هذه القضايا، هو الذي دفعهم إلى تنظيم تظاهرات فاعلة بأعداد كبيرة؛ ليكونوا أول من رفع شعار: “الشعب يريد إسقاط هذا النظام”.
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]
[/sociallocker]