‘بدر الدين عرودكي يكتب: من إسقاط النظام إلى مواجهة الاحتلال’

3 فبراير، 2017

بدر الدين عرودكي

بعد أن أدت قواتها الجوية -خلال خمسة عشر شهرًا- دورها في تغطية الميليشيات الأسدية والإيرانية بتشكيلاتها المختلفة في أرجاء سورية، دون أن تحقق معها -هذه الأخيرة- أكثر من الحيلولة دون سقوط النظام الأسدي، وبعد عدم توانيها، بعد اتفاقها مع تركيا، عن أن تمارس كل ضروب التدمير في حلب؛ من أجل تمكين هذه الميليشيات من دخول أحيائها الشرقية، وإخراج المقاتلين منها، ومن ثَمّ؛ السيطرة على مدينة حلب كاملة، قررت روسيا -في انتظار استقرار الإدارة الأميركية الجديدة وبدء عملها الفعلي- أن تدشن ما كانت تسعى إليه، أي استئناف ما أطلقت عليه عملية الحل السياسي، فكانت مبادرتها إلى فرض وقف إطلاق النار بضمانة الشريكيْن: روسيا وتركيا، ثم دعوة النظام والجماعات المسلحة على اختلافها، باستثناء “داعش” و”النصرة”، إلى اجتماع آستانا؛ من أجل تثبيت وقف إطلاق النار هذا بين “الطرفيْن”.

من الواضح أن روسيا تعلم أنها لن تستطيع، مهما فعلت، أن تنفرد بفرض الحل الذي تريده في سورية. وأنه لا بد لها للوصول إليه من الموازنة على الصعيد الإقليمي بين المصالح الإيرانية والتركية، على ما بينهما من تباعد، وبين مصالح مختلف القوى العربية الأخرى، وإن بدت في الفترة الأخيرة خارج المشهد. وأنها لا يمكن أن تحقق كل ما تشاء في فترة المرحلة الانتقالية بين الإدارتين في الرئاسة الأميركية؛ نظرًا للاختلاف المتوقع في تشخيص المسألة السورية وطرق حلها، من ناحية، وما يمكن أن تؤول إليه العلاقات الروسية الأميركية على الصعد المختلفة، من ناحية ثانية.

لكن بعض مآلات التواطؤ الأميركي- الروسي في ما يخص المسألة السورية، ولا سيما في ما يتعلق بإطلاق اليد الروسية في فرض الحل السياسي في سورية، تحت مظلة قرارات الأمم المتحدة التي ستطبقها روسيا بحسب فهمها لها، كانت -مع ذلك- ماثلة في وضع النيات الروسية موضع التنفيذ، وباتفاق مع الشريكين: إيران (التي، وقد باتت تخشى من الانقلاب المنتظر في السياسة الأميركية نحوها، لم تتوقف عن التذكير بحضورها المادي في سورية وتحاول صيانته بالاتفاقيات الموقعة على عجل)، وتركيا (التي ضمنت سلوك ومواقف القوى المقاتلة ضد الميليشيات الأسدية والإيرانية)، بدءًا من الدعوة إلى مؤتمر آستانا الأخير: وضع الأولويات، أي: الحل السياسي كما عملت من أجله روسيا منذ البداية، تحديد واختيار وفد المعارضة السياسية لهذا الغرض، بعد ضروب التهميش التي مارستها نحوها؛ كي يمكن تشكيل الوفد “المناسب” للحل السياسي المنتظر، اقتراح “دستور” لسورية بحسب التصور الروسي، وبترجمة بائسة للعربية، وكان يراد منه -في الحقيقة- في ما انطوى عليه من عناصر أساس، وضعَ النقاط على الحروف بالنسبة إلى جدول أعمال المفاوضات المقبلة، ثم تثبيت موعد المؤتمر المقبل في جنيف الذي ستنظمه الأمم المتحدة تحت الرعاية والرقابة الروسيتيْن.

لم يكن -والحال هذه- إعلان تأجيل هذا المؤتمر، الذي خُطط له من أجل البدء في بحث الحل السياسي، وفق قرار مجلس الأمن 2254 الذي يعتمد مرجعية بيان جنيف عام 2012 وبيانيْ فيينا، ولما تمض ساعات على انتهاء مؤتمر آستانا، لا عبثًا ولا مفاجئًا. إذ كان واضحًا أن الإدارة الأميركية الجديدة التي ما فتئت تعلن انكفاءها نحو الداخل الأميركي، لم تكن شديدة الاكتراث بمؤتمر آستانا التي مثلها فيه سفيرها في كازاخستان؛ إذ إن السبب الرئيس في التأجيل كما بدا على الفور من التصريحات الروسية والأممية، كان يتجلى في ضرورة استكمال إعداد الوفد “المناسب” الذي يفترض فيه تمثيل “المعارضة”. لم يُدْعَ أي تشكيل من “المعارضة”، ولا سيما الهيئة العليا للمفاوضات إلى آستانا؛ بحجة موضوع اقتصار المؤتمر على بحث آليات “تثبيت وقف إطلاق النار” مع العسكريين، في حين لم يُشترَط أن يكون وفد النظام عسكريًا! ولم يُدع بعد المؤتمر إلى المدينة نفسها، إعدادًا لمؤتمر جنيف، سوى الأشخاص المنتمين إلى هذه الهيئة أو تلك من “المعارضات” السورية بصفتهم الفردية حصرًا لا بصفتهم التمثيلية. كان ذلك يعني أول محاولة روسية لكسر مفهوم الوفد الموحد الذي مثلته الهيئة العليا للمفاوضات لصالح صيغة أخرى عبَّر عنها ديمستورا أمام مجلس الأمن حين أعلن مُهَدِّدًا، أنه سيقوم في حال عجز هيئات المعارضة عن تشكيل وفد موحد إلى جنيف، بتسمية أعضاء الوفد المنتظر!

لا يشي هذا القول الأخير مع عِلمِ قائله أنه لا يملك مثل هذه الصلاحية التي يهدد باستخدامها إلا بما يدور في مطبخ الخارجية الروسية بناء على توافق روسي/أميركي مسبق. والحق أن تأليف وفد يستجيب للتطلعات الروسية ولرؤيتها للحل السياسي هو ما لم تتوقف السلطات الروسية عن العمل له منذ عام 2012، بعد إنجاز النظام الأسدي كسر اندفاعة الثورة بالعنف غير المسبوق الذي استخدمه ضد المتظاهرين المطالبين بسقوطه، ثم عبر اختراقاته صفوف مختلف هيئات المعارضة التي حلت على الصعيد الإقليمي والدولي محل تنسيقيات الثورة وهيئتها العامة الممثلة لها. وعلى أن روسيا حاولت منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار وتثبيته بقرار لمجلس الأمن أن تلعب دور الراعي لمفاوضات تجري بين النظام الأسدي والجماعات المقاتلة على الأرض، فإنها لا تستطيع ــ وربما يكون ذلك آخر همومها ــ أن تنزع عن نفسها صفة الدولة المحتلة أو المنتدبة على مصير سورية، دون تفويض من أحد.

يُعزّز هذا الواقع مسارعة الشريك الآخر لروسيا، إيران، لتثبيت مواقعها في سورية عن طريق عدد من الاتفاقيات التي لم يتوان النظام الأسدي عن توقيعها، وتضمن لها أكثر من موطئ قدم في سورية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الإعلامي أو الميداني. في حين ستكتفي تركيا بعد أن ضمنت عن طريق تحالفها مع روسيا في المسألة السورية عدم قيام كيان كردي على حدودها، أن تخفف ما أمكنها ــ ولو شكليًا ــ من آثار انعطاف موقفها السياسي من المسألة السورية على طبيعة الحل السياسي الذي تعمل روسيا على فرضه بموافقتها.

لو أردنا وصف الحالة السورية الراهنة لما أمكن القول سوى أن سورية بلدٌ محتل، وما يسمى فيها بالنظام ليس إلا دريئة المحتل وحلفائه على الصعيد الدولي. بلدٌ تتقاسمه اليوم في مقدمة المشهد مصالح قوة عظمى وقوتيْن إقليميتين، مثلما تتقاسمه في خلفيته، ومنذ البداية، مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، فضلًا عن مصالح قوى أخرى لا حصر لها. وأن العدوّ لم يعد يتمثل فعلًا بالنظام الأسدي، بقدر ما يتجسد في روسيا صاحبة القرار الأول على الأرض السورية، وإيران القادرة على عرقلة كل ما لا يستجيب لمصالحها.

إذا كان ذلك صحيحًا، فما العمل؟

لا نعثر اليوم على الأقل لدى من رفعوا شعار إسقاط النظام على جواب واضح، على الرغم من أن هذه الحالة توجد فعليًا منذ الثلاثين من أيلول/ سبتمبر عام 2015. ولا كذلك عن استراتيجية واضحة يمليها هذا الوضع غير المسبوق.

من المؤكد أنه لن يكون في التوقف عن أو الاستمرار في ممارسة السياسة في مثل هذه الأوضاع الحافلة باختلال موازين القوى سياسيًا وعسكريًا، والمشحونة بإرادات القوى الخارجية. ولكن، ألا يملي هذا الوضع تغيير الخطاب والمفردات بعد إعادة توصيف الأهداف والطريق إلى تحقيقها؟

المصدر: جيرون

بدر الدين عرودكي يكتب: من إسقاط النظام إلى مواجهة الاحتلال على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا 

ميكرو سيريا

3 فبراير، 2017